قرّرت لجنة «نوبل للآداب» منح جائزتها هذا العام إلى الأديب النمساوي بيتر هاندكه. اعتبر كثيرون هذا القرار فضيحة أخلاقية لأسباب كثيرة، فمؤسسة نوبل مرجعية عالمية كبرى، وهو ما يجعل من جوائزها تأطيرا للشخص المعطى في أعلى سلّم إنجازات البشرية (لا أوروبا وحسب)، وبالتالي فحصول أشخاص على جائزة الآداب (أو السلام) يعطي أصحابها قيمة سامية، لا يمكن فصل الجماليّ فيها عن الأخلاقيّ، وتكتسي هذه المسألة حدّة ومعاني عميقة حين تكرم الجائزة كاتبا ابتكر أشكالا عديدة من الإنكار لجرائم الحرب التي ارتكبها الصرب، خصوصاً مجزرة سريبرينتشا وعرض أثناء محاكمة الزعيم الصربيّ سلوبودان ميلوسوفيتش، الشهادة لصالحه، وكذلك حضر جنازته حين توفّي وكتب تأبينا تكريميا له.
تعطى الجائزة، حسب وصيّة مؤسسها ألفريد نوبل، «لأعمال مميزة تنحو نحو المثالية»، وقد نوّهت المؤسسة المكلفة بجوائز نوبل الأدبية بذلك سابقا، خلال إعطاء جوائز مماثلة، كما حصل مع شيموس هيني الشاعر الأيرلندي، الذي قالت إنه حصل عليها بسبب «جمالية شعره الغنائية وعمقه الأخلاقي»، كما كان واضحا أن مواقف بعض الأدباء الكبار المناصرة لسياسات تعدّ غير أخلاقية، كما كان حال عزرا باوند في تأييد الفاشية، سببا لمنع هذه الجائزة عنهم.
يقول إد فوليامي، الصحافي البريطاني وهو أحد الإعلاميين الذين كشفوا للعالم مجزرة سريبرينتشا، إن هاندكه في كتابه «رحلة نحو الأنهار: العدالة لصربيا» أعطى مصداقية لأكاذيب الصرب حول الإبادة الجماعية، وأنه لو نجح في الشهادة لصالح ميلوسيفيتش في لاهاي فإن فوليامي وهاندكه كانا سيقفان على طرفي نقيض، معتبرا أن هاندكه كان يكذب، في وقت كانت القبور الجماعية تكتشف فيه. كلام هاندكه، حسب قوله، كان أكاذيب بمواجهة حقيقة وجود عظام الضحايا المكتشفة.
تعرّض قرار نوبل للانتقاد من كتاب مثل الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك الذي قال لصحيفة «الغارديان» إن «هاندكه طالب عام 2014 بإلغاء جائزة نوبل لأنها تقوم بصنع «أيقونات مزيفة» للأدب»، معتبرا أن حصول هاندكه نفسه عليها «دليل على صحة هذا الكلام». أما الكاتب البريطاني هاري كنزرو، الذي كان قد درّس أدب هاندكه لطلابه، فاعتبره «كاتبا جيدا يجمع بين التبصر العميق مع العمى الأخلاقي الصادم».
من أهم الشهادات الكاشفة حول الركاكة الأخلاقية الهائلة لهاندكه، هي شهادة الكاتبة السلوفينية ميها مازيني التي رأت إن «بعض الفنانين باعوا أرواحهم للأيديولوجيات (مثل هامسن والنازية)، والبعض الآخر للكراهية (سيلين ومعاداة السامية)، والبعض للمال والنفوذ (أمير كوستوريكا) لكن أكثر شخص أحسست بالإهانة منه هو هاندكه، وموقفه من نظام ميلوسيفيتش. أصبح الأمر شخصيا بالنسبة لي. لن أنسى الشتاء البارد حين كانت يوغوسلافيا تتداعى، ولم يكن هناك شيء على رفوف المحلات. كنا عائلة صغيرة وابنتي كانت رضيعة، وكان شتاء قارسا. كنت أقضي النهار كله في الطابور للحصول على زيت تدفئة، وفي المساء عندما كنت شبه متجمدة من البرد، قرأت مقالة هاندكه حول يوغوسلافيا. كتب أنه يحسدني: فيما كان النمساويون والألمان، أولئك الغربيون، يسقطون في شراك النزعة الاستهلاكية، كنا نحن، اليوغوسلاف، نقف في طوابير ونقاتل من أجل كل شيء. أوه، كم كنا قريبين من الطبيعة آنذاك! كم كنا غير ماديين وأكثر روحانية! حتى الآن ما زلت أحس بقسوته وبانغماسه الذاتي وسذاجته».
فكرة فصل أفكار الإبادة الجماعية لكاتب مثل هاندكه عن أدبه، لا تحمل في داخلها تأييدا ضمنيا لإبادة المسلمين وحسب، بل تتضمن أيضاً تأييدا لكل أشكال الإبادة الأخرى، وهذه مسألة جاثمة في باطن الأيديولوجيات الغربية الكبرى.
كان هذا أيضا موقف الكاتب البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي، الذي علّق قبل 20 عاماً على مواقف هاندكه حول يوغوسلافيا، والاندفاع الأعمى لمناصرة الاتجاه القومي الصربي، بترشيحه لجائزة سماها «الأحمق العالمي لهذا العام».
لكن كيف يتراكب «التبصر العميق» مع الحماقة العقلية والسذاجة السياسية والانغماس الأبله في الكليشيهات المعروفة حول «الغرب المادي» و»روحانية» اليوغوسلاف المصطفين في الطوابير مع التبرير الفظّ للمجازر والدفاع عن مجرمي الحرب؟
تشومسكي وبنتر وهاندكه: محامو ميلوسيفيتش!
تضعك ملابسات جائزة نوبل لهاندكه في دائرة ملابسات سياسية وأيديولوجية هائلة، غير أن التمعّن في أمثلة سابقة تكشف لك أنه قد يكون أقل من غيره خيانة للأخلاق المتوقعة من كتاب كبار، فهو لا يدعي أنه كاتب يساريّ مناصر للشعوب المظلومة، كما كان الأمر مع هارولد بنتر، الكاتب المسرحي البريطاني، وأحد الفائزين بجائزة نوبل للآداب أيضا، وهو كاتب ذو سيرة يسارية طويلة، فهو كان معارضا للحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي، وكان رافضا للخدمة العسكرية، وكان عضوا في حملة نزع السلاح النووي، وجزءا من حملة مناهضة العنصرية، وكان عضوا في منظمة «القلم» المدافعة عن حقوق الإنسان، كما رافق المسرحي آرثر ميلر إلى تركيا عام 1985 وكتب مسرحية «لغة الجبال» تعاطفا مع الأكراد ضد القمع، ولكنه، ويا للعجب، وقع، مثل هاندكه، عريضة لإطلاق سراح ميلوسيفيتش، بل كان أحد الشهود للدفاع عنه في محاكمته!
الأفظع من ذلك ربما أن كاتبا يعدّ مرجعاً كبيرا لبوصلة الأخلاق السياسية في العالم، وهو نعوم تشومسكي، مدفوعا كما أعتقد بموقفه المعروف من تدخلات الولايات المتحدة الأمريكية في العالم، أخذ مواقف ملتبسة أيضا حول معسكرات تجميع الضحايا البوسنيين ومجزرة سريبرينتشا، بل إنه اتهم الولايات المتحدة بالمسؤولية عن الأعمال الإجرامية التي أكدت الأمم المتحدة، بعد مقابلة 113 شاهدا من الادعاء و118 من الدفاع، مسؤولية 5 من كبار الضباط الصرب عنها في كوسوفو. تحتاج المسألة، كما نرى، إلى تحليلين عميقين، يتعلّق الأول بجائزة نوبل نفسها ومعنى هذا الاتجاه السياسي داخلها، ويتعلق الثاني بالفكر الغربيّ نفسه، الذي تعبّر عنه الأمثلة الكبرى المطروحة، بما فيها هاندكه.
لو خطب هاندكه بالنازيين الجدد
في واحد من تعليقاته العديدة حول موضوع فوز هاندكه بجائزة نوبل للآداب، تساءل الزميل الكاتب والروائي المصري شادي لويس بطرس، إن هاندكه تحدث عن الهولوكوست باعتباره «بروباغندا يهودية»، كما فعل في قوله حول إبادة المسلمين في البوسنة، وإن هتلر «فعل ما فعله لأنه كان مضطرا للدفاع عن وطنه»، ثم ألقى خطبة تأبينية وسط مجموعة من النازيين الجدد «يعدد مكارمه وبطولاته وأخلاقه» فهل كانت محاكم النمسا ولجنة نوبل ستعتبر أن ما يقوله حرية رأي وضمير أم «كان سيسجن ويجرد من كل جوائزه وتتوقف دور النشر عن التعامل معه؟». تفضح الإشارة طبعاً المعايير الغربية المزدوجة والتمحّك الأخلاقيّ والقانوني، حين يتعلّق الأمر بإبادات أو إهانات أو انتهاكات يتعرض لها مسلمون. غير أن الأمر، لو أردنا الحقيقة، لا يتعلّق فقط بازدواج المعايير لدى مؤسسة نوبل، بل يتعلّق بتعبيرها عن العنصريّة الطافحة داخل «المؤسسة» العريقة، التي ضربتها السنة الماضية فضيحة التحرّش الجنسي، ما دفعها لتأجيل إعلان الفائز بجائزة عام 2018. غير أنه لا يكفي ابتعاد الجائزة المقصود عن أدباء يمكن أن يشتمّ منهم معاداة للصهيونية (وليس لليهود)، لربطها بموقف أخلاقي، أو حتى برعب المؤسسات الغربية من تبعات «الهولوكوست»، فقبل أن تتحوّل قضية المحرقة اليهودية إلى معيار أخلاقي في أوروبا، قامت نوبل بإعطاء جائزتها للآداب إلى كنوت هامسن، الكاتب النرويجي المذكور آنفا، عام 1920، الذي كان عنصريا ونازيا صريحا، بل إنه أهدى ميدالية نوبل نفسها لجوزف غوبلز، وزير البروباغندا النازية عام 1943.
فكرة فصل أفكار الإبادة الجماعية لكاتب مثل هاندكه عن أدبه، لا تحمل في داخلها تأييدا ضمنيا لإبادة المسلمين وحسب، بل تتضمن أيضاً تأييدا لكل أشكال الإبادة الأخرى، وهذه مسألة جاثمة في باطن الأيديولوجيات الغربية الكبرى، وتحتاج تحليلا خاصا بها.
٭ كاتب من أسرة «القدس العربي»
منذ ان منحت جائزة نوبل للأداب لنجيب محفوظ لتأييده معاهدة استسلام السادات للصهاينة والسلام للمجرم رابين والمجرم اوباما لم نعد بحاجة لمن يقول لنا ان الجائزة مسيسة وأنها تمنح لمن يسفك ارواح المسلمين او يبرر المجازر ضدهم
هكذا هو الغرب! فهو يفصل بين الحياة الخاصة للشخص وبين عمله!! ولا حول ولا قوة الا بالله
عزيزي حسام
لقد فقدت مؤسسة نوبل مصداقيتها للأسف الشديد فلم نعد نعتد باختياراتها وجوائزها
تعطى نوبل:١_ لكل من يحارب الإسلام ويقتل المسلمين..٢_ولكل من يخدم الاحتلال الصهيوني في فلسطين….اخذها الفاسق السادات..والفاسد نجيب محفوظ…وكلب الصهاينة أبيي احمد….فالقائمين على الجائزة يهود….وليس من فائدة مرجوه من ان تأخذ جائزة من عدوك..لابد أن نرتقى فكريا.. فالذي يخدم بلده لا يحتاج لجائزة