غيَّب الموت مساء الجمعة 23 يوليو/تموز الروائي اللبناني جبّور الدويهي (1949-2021) بعد صراع مع المرض. وهو أحد أبرز الروائيين اللبنانيين والعرب، خاصة في الألفية الثالثة، ومن رواد الفكر والنقد والثقافة، واشتغلت أعماله الروائية على هموم وطنه ومشكلاته، وتعقيدات مجتمعه وإشكالياته، وتحولات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية اللبنانية، خاصة الحرب الأهلية والهويات الفرعية الضيقة التي أدت إلى الهجرة والعنف والتعصب والإلغاء والتشظي، وتمزق المكونات الاجتماعية، وكان لروايات الدويهي صداها المؤثر في الفضاء اللبناني والعربي، وقد قيل عنه إنه «روائيّ الذات الإنسانية بامتياز» وأطلق عليه لقب «روائي الحياة اللبنانية».
وفي تقديم مجلد «جبّور الدّويهي… روائيّ الحياة اللّبنانيّة» الصادر عن الجامعة الأنطونية 2020، تكريما له من خلال إضاءات متقاطِعة ومتكامِلة على أعمالِه نقرأ: «هو عن حقٍّ روائيُّ الحياة اللبنانيَّة. فكلُّ شخصيّاته مُصابة بِفِصامات الهويَّة اللبنانيَّة وعُصاباتها، وكلُّ أمكنَتِه كناياتٌ عن لبنان: بَرقا الممزَّقة بفعل صراع الزعماء، والمتروكة تُلَملِم جراحَها عندَ تَصالُحهم، في مطر حزيران/يونيو، أليسَت لبنان؟ منزل عَين ورده «المعطَّل» بفعل وقف ذرِّيٍّ، ووَرَثة لا يُجيدون التفاهم والحوار، ألَيْس لبنان؟ وكرمُ المحموديَّة الذي تنتصر لعنَتُه المتوهَّمة على خصبِه الفعليِّ في مَلِك الهند، ألَيْس لبنان؟
رواياتُه التي تتقصّى مكوِّنات «اللبنانيَّة» في أدقِّ تفاصيلها من المعمار إلى المطبخ، مرورا بالمعتقدات الدينيَّة والأمثال الشعبيَّة وتصوُّرات الجماعات بعضها عن بعض، يُنهيها جبُّور الدُّويهي بأسئلة معلَّقة، بعد أن يفرشَ بيننا وبين معتقداتِنا وقناعاتِنا ولبنانِنا، مسافةً غير حميمة. مسافة لا بدَّ منها كي يدخل كلٌّ منّا إلى لبنان تعدُّديٍّ، نقديٍّ، حداثيّ».
وفي لقاءات صحافية عديدة عبّر الدويهي عن تمسكه بالكتابة وكيف يكتب رواياته، وعن الجوائز والانفجار الروائي وغيرها من القضايا، يقول:
«لم أعد صالحا لشيء سوى كتابة الروايات، لكني دائما أتمهّل وهذا طبعي» ويضيف: «أضع كلّ طاقتي الكتابية في العمل الذي أنكبّ عليه، وعندما أنتهي، أقع في فراغ، فيلزمني ما لا يقل على سنة لأستعيد مداخل جديدة للكتابة وصورا وسيناريوهات صغيرة أسجّلها بالكتابة اليدوية على دفتر صغير يوما بعد يوم، حتى تبلغ هذه الملاحظات تراكما يتحوّل فجأة إلى بداية مشروع روائي».
وفي إجابته عن سؤال حول ماهيته كراوٍ يقول: «أروي ما أريد ان أراه وليس ما أراه، وهذا الخيار وطبيعته بين تفاصيل الأشياء والأحداث هو ما يحدد حساسيتنا وما يُطلق عليه أدبيا اسم أسلوبنا. فأنا كالآخرين أروي ما يستفزني، ما يدخل في أحاسيسي، والمحصلة هي هذا التلاقي المحتمل مع القارئ وذائقته ومشاعره. فعالم رواياتي هو عالم رغباتي وخيالاتي». وعن غزارة الإنتاج الروائي والتنافس على الجوائز، يقول: « الشهيَّة العربية منفتحة على الرواية، سواء من جانب القراء أو من جانب المؤلفين، والمشهد الحالي يمكن وصفه بـ«مشهد الانفجار» كأننا نعيش حالة من الانفجار الكتابي في القصص والرواية، ما يدل على أننا نتمتع بوفرة في هذا المجال، وهذه ميزة وليست إشكالا في ظني. والمدهش هو حالة المثابرة التي يتمتع بها الروائيون، فهم يصدرون روايات جديدة بشكل دوري، وتبزغ أسماء جديدة شابة، وتزيد نسبة كاتبات الرواية في العالم العربي، والأجمل هو التنوّع في أشكال الكتابة واستخدامات اللغة».
وفور إعلان نبأ وفاة الروائي جبّور الدويهي، نعاه عدد كبير من المثقفين العرب، معربين عن عميق حزنهم وخسارة الرواية العربية لأحد أعلامها الكبار:
الروائي والناقد والكاتب المسرحي اللبناني إلياس خوري: «الروائي الصديق جبّور الدويهي، يعانق أمطاره الداخلية ويمضي، تاركا لنا إرثا أدبيا ونضاليا كبيرا. وداعا أيها الكاتب الذي أضاءت كلماته الحبر. وداعا جبّور الدويهي».
الروائي اللبناني جورج يَرق: «الرواية اللبنانية تنكّس رايتها في وداع جبّور الدّويهي».
الفنان اللبناني أحمد قعبور: «وداعا جبّور الدويهي كنت الروائي أمسيت الرواية».
الروائي المصري إبراهيم فرغلي: «لم أتعرف عليه شخصيا. لكني أحبه وأحترمه. وقد استقبلت خبر وفاته مذهولا».
الروائي الأردني جلال برجس: «ستعيش في قلوبنا وفي ذاكرات المحبين للكلمة النور».
الروائي الكويتي طالب الرفاعي: «حين يموت مبدع، تنطفئ شمعة، وتتكوّم ظلمة أكثر من حولنا! جبّور الدويهي وداعا صامتا رحمة وسلاما لروحك الطيبة».
الصحافي العراقي عثمان المختار: «خسرت لبنان قامة أدبية وفكرية كبيرة، وخسرت الرواية العربية الحديثة أحد فرسانها جبّور الدويهي… سيحبك من يقرأ لك»
الكاتبة والصحافية فاطمة عبدالله: «رحيل الروائي الكبير جبّور الدويهي سيد السرد، جميل التفاصيل، المتجذر في الأرض الكئيبة… وداعا كبيرة بحجم الزعل بحجم دمع الروح».
الناقدة والمترجمة الجزائرية سارة سليم: «ليرحمه الله وليخلد اسمه بأعماله التي ستظلّ حيّة جيلا بعد جيل، فالكلمة أبدا لن تموت، وجبّور سيظلّ حيّا بكتاباته».
الكاتب والصحافي اللبناني علي سرور: «مع رحيل الروائي اللبناني جبّور الدويهي يخسر الأدب ولبنان نورا من أنواره، في ظل عتمة يقف خلفها أهل السلطة والحكم، أليست مفارقة أن يخطف الموت جبّورا ويُبقي أهل السلطة والحكم في قصورهم معززين مكرمين ومدللين؟».
الكاتب اللبناني أحمد بيضون: «أَسَفا أَسَفا على جَبّور الدويهي. كان هذا «النُعاسُ» قَصيرا لكنّ «الأهلَ» لا يُحْصون».
الشاعر والناقد اللبناني عقل العويط: «أحقّا، الموت بين الأهل هو نعاسٌ، محضُ نعاسٍ، يا أخي جبّور، على ما عنونتَ كتابكَ الأوّل؟ لا أصدّق أنّكَ قد نعستَ وغادرتَ. لا أصدّق. وأنا أدعوكَ قائلا بقوّة: قم أيّها الإهدنيُّ الزغرتاويّ، قم إلى الرواية، إلى الكتابة، إلى الحياة، إلى المقهى، إلى الميدان، إلى طرابلس، إلى بيروت، إلى الضحكة الأنيقة، فأنتَ لا يليق بكَ نعاسٌ يشبه الموت، فكيف يليق بكَ موت؟».
الأديب والأكاديمي اللبناني كامل صالح: «جبّور الدويهي حفر اسمه عميقا في شجرة الأدب اللبناني والعربي، ليكون علما من أعلام الرواية الحديثة».
الكاتب المسرحي اللبناني يحيى جابر: «مات جبّور الدويهي. الروائي الفلاح الذي حاول بسكته أن يُدخل المدينة كيساري إلى الريف القاسي بإقطاعه وثأره وفقره وغرباته، بلغة شمالية وببلاغة جامعي، شيد غابته الروائية من ثلج أهدن وبشري إلى ساحل زغرتا وطرابلس. حاول ونجح مع جيله أن يرشدنا إلى وجع ناس وأهل الشمال إلى العاصمة بيروت ومنها إلى العالم. هو الذي لم يغادر الميدان. غدره الموت. وداعا جبّور الدويهي. حقا الموت بين الأهل نعاس».
الناقد اللبناني حسن داوود: «خسارة قاصمة رحيلك يا جبّور، لمحبيك الكثر وللأدب الذي فتحت فيه أبوابا ستظل مشرعة وحاضرة في ثقافتنا. خالص العزاء لعائلتك ومحبيك وقرائك».
الناقدة الكويتية سعدية مفرح: «ساحر الحكايات الهادئة وقلمها الملون… جبّور الدويهي وداعا. معك تذهب شخصياتك المليئة بالأسئلة علها تجد الإجابات النهائية أخيرا!».
الشاعرة والروائية المصرية هدى عمران: «أكسر عزلتي حزنا على جبّور الدويهي، كان إنسانا رائعا ومعلما لي، وقف جنبي ولم يتأخر عليّ بأي نصيحة أو مساعدة، أحببته من كل قلبي، وحزني عليه كبير».
الروائية الجزائرية ربيعة جلطي: «وداعا الروائي المثقف جبّور الدويهي أيها المبدع المهذَّب المثابر .. لروحك الطاهرة نسائم الرحمة.
موت آخر الزمن!
كيف يُسمّى هذا الموتُ؟!
لم يعُدْ يشقُّ جيوبَه،
لم يعُد مُثْقلا بالأقفال
وحنين الجزر البعيدات،
مثل سُفُن «جمس كوخ»
بات بلا مشقّةٍ،
يهبط الناسُ إليهِ،
يسلِّمونه نوافذَهُم،
وصدورا مظلمةً،
كاتمةً للصمتِ!».
الكاتب اللبناني حازم صاغية: «يضيف رحيل جبّور الدويهي حزنا كثيرا إلى حزننا الكبير. وداعا جبّور».
الكاتب والإعلامي اللبناني كمال ريشا: «جبّور يا صديقي أبكرت الرحيل في عز العطاء! رحلت، كنت انتظر رواياتك بشغف، وفي يقيني أني أعرف العديد من أبطالها. لم تخترع أبطال رواياتك، بل جمعتهم من الحقول التي نشأت فيها ودرست وأمضيت وأفنيت عمرك. قد تجود الأيام بأساتذة جامعيين في كفاءته، لكن من الصعب أن تمن علينا بروائي من عيار جبّور الدويهي. جبّور يا صديقي، وداعا!».
الكاتب اللبناني عماد موسى: «جبّور الدويهي من أسياد البناء الروائي، ومن طليعيي أبناء جيله. روى حياتنا اللبنانية، نحن أبناء الحرب والتناقض. جسّد خيبتنا وصمتنا وهجرتنا بلغة غير متكلّفة. نضرة. حيوية. متفرّدة. تصويرية حينا. سردية أحيانا. مشوّقة دائما. لا الجوائز والترشيحات أضافت الكثير إلى ألقه، ولا الشهرة عنت له الكثير. ما كان يفرحه في الواقع انتشار روايته في العالم. غاب الرجل الودود، الطيّب، الثائر، المثابر، المضيء. وضع قبعته على رأسه كممثل في فيلم بوليسي، ومضى حيث لا مطر ولا هواء ولا سموم».
ولد جبّور الدويهي في بلدة زغرتا شمال لبنان، وتعلم في مدارس طرابلس، وحصل على إجازة في الأدب الفرنسي من كلية التربية في الجامعة اللبنانية في بيروت، وشهادة الدكتوراه في الأدب المقارن من جامعة باريس الثالثة (السوربون الجديدة) وعمل أستاذا للأدب الفرنسي في الجامعة اللبنانية حتى تقاعده، وكان كاتب افتتاحيات وناقدا أدبيا في مجلة «لوريان أكسبرس» ومن بعدها في الملحق الأدبي لصحيفة «لوريان ليتيرير» الصادرتين بالفرنسية في بيروت.
وقد افتتح الدويهي حياته الإبداعية بمجموعة قصصية بعنوان «الموت بين الأهل نعاس» 1990، ثم أتبعها بعدد من الروايات منها: «اعتدال الخريف» 1995. «ريّا النهر» 1998. «عين ورده» 2002. «مطر حزيران» 2006. «شريد المنازل» 2010. «حي الأمريكان» 2014، «طبع في بيروت» 2016. «ملك الهند» 2019. «سمٌّ في الهواء» 2021. وأصدر للفتيان رواية «روح الغابة» 2001 باللغة الفرنسية. وترجمت أعماله إلى اللغات الفرنسية والإنكليزية والألمانية والإيطالية والإسبانية والتركية والمقدونيَّة والأوكرانيَّة وغيرها.
وقد نال جبّور الدويهي عددا من الجوائز منها: جائزة الأدب العربي 2013 عن رواية «شريد المنازل» وجائزة سعيد عقل 2015 عن رواية «حي الأمريكان» وجائزة أفضل عمل مترجم من جامعة أركنساس في الولايات المتحدة عن رواية «اعتدال الخريف» وجائزة «سان إكزوبيري» الفرنسية لأدب الشباب عن رواية «روح الغابة». ورشحت أربع من رواياته للجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» وهي: «مطر حزيران» للقائمة القصيرة في دورتها الأولى عام 2008 ، و«شريد المنازل» للقائمة القصيرة عام 2012 ، و«حي الأمريكان» للقائمة الطويلة عام 2015، و«ملك الهند» للقائمة القصيرة عام 2020.
كاتب أردني