منذ القمة الثلاثية التي استضافتها طهران في السابع من سبتمبر/أيلول 2018 التي استضاف فيها الرئيس الإيراني حسن روحاني نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، برزت مؤشرات على بوادر افتراق إيراني تركي حول آلية العمل في المرحلة التالية على الساحة السورية.
فأمام تأكيد الإيراني في هذه القمة على ضرورة استكمال الأعمال العسكرية، من أجل إعادة السيطرة على محافظة إدلب والقضاء على الجماعات الإرهابية فيها، الذي تلاقى مع موقف روسي عبّر عنه بوتين بحق الحكومة السورية في استعادة سيطرتها على كل الاراضي السورية، وبالتالي فإن أي عمل عسكري للجيش السوري في إدلب لن تعارضه موسكو. وقف الرئيس التركي أردوغان في مواجهة هذه المواقف معلنا رفض بلاده لأي عمل عسكري، داعيا الأطراف للالتزام باتفاقية خفض التصعيد، التي سبق أن اتفقت عليها «ترويكا أستانة» حول إدلب. هذا الاختلاف في المواقف من إدلب، دفع المراقبين ومراكز القرار إلى الحديث عن فشل قمة طهران بين زعماء الترويكا حول سوريا، وتعزز هذا الشعور بعد الإعلان عن قمة ثنائية بين الرئيسين الروسي والتركي في سوتشي لبحث الموقف من إدلب والأزمة السورية عموما.
عشرة أيام كانت هي الفاصلة بين قمة طهران الثلاثية وقمة سوتشي الثنائية، وعلى الرغم من تمكن قمة سوتشي الخروج باتفاق من عشرة بنود حول إدلب، وإنشاء منطقة منزوعة السلاح والمسلحين، وتسيير دوريات مشتركة بين الجيشين في هذه المنطقة، إلا ان طهران، وحسب مسؤولين إيرانيين ومتابعين، لم تكن بعيدة عن أجواء هذه القمة وهذا الاتفاق، وأن الجانب الروسي تكفل بإخراج هذا التوافق للتخفيف من حساسية الموقف التركي، الذي يخشى من أن تتولى قوات تابعة لإيران وحليفها حزب الله اللبناني مهمة العملية العسكرية لاستعادة إدلب، وهذا ما يضع تركيا وجيشها والجماعات المؤيدة والتابعة لها، أمام تحد جديد يضاف إلى التحدي الكردي الذي تواجهه داخل سوريا، وليس بعيدا عن إدلب في منطقة شرق الفرات.
وترى أوساط إيرانية أن تأجيل نجاح قمة طهران يعود إلى ربط الرئيس التركي بين أي تحرك أو إجراء في إدلب، بالوضع الذي ستكون عليه منطقة نفوذ الاكراد في شرق الفرات السوري، وبالتالي فإنه لم يبد أي استعداد لتقديم تنازل في إدلب ما لم يحصل على تقدم في التحدي الكردي. وعليه فإن اللجوء الى قمة ثنائية بين الرئيسين الروسي والتركي بعد عشرة أيام على قمة طهران، يدفع إلى الاعتقاد بأن هذه القمة أعطت الضوء الأخضر للرئيس التركي بحشد قواته العسكرية استعدادا لعملية عسكرية ضد مناطق سيطرة الفصائل الكردية، التي تشكل التحدي والتهديد المباشر لأنقرة، ومصدر قلق حقيقي لها، في المقابل حصل الروسي والإيراني من ورائه على موافقة تركية لإنشاء وضع خاص بمنطقة إدلب ومحيطها في ريفي حلب وحماه. وبهذه الخطوة، فإن الجانبين الروسي والإيراني أوصلا رسالة واضحة للجانب التركي بان التحدي والقلق الذي يواجهه بسبب الطموحات الكردية في شرق الفرات، وإمكانية إنشاء كيان مستقل للمكون الكردي السوري، أو دولة «روجآفا» مصدره اللاعب الامريكي، الذي يقوم بتعزيز قدرات الفصائل الكردية عسكريا وأمنيا، ويقدم لها الدعم والتدريب، ويعدها لاستلام المنطقة تحت إشرافه ورعايته، وأنهما – أي الروسي والإيراني- لا يعارضان أي عمل عسكري قد تنوي أنقره القيام به في شرق الفرات، لأنها غير معنية في إنشاء وضع كردي مستقل، بل هي معنية بمساعدة الحكومة السورية في دمشق باستعادة سيطرتها ونفوذها على كامل التراب السوري، بما فيه شرق الفرات ومحافظة إدلب على حد سواء.
أمام ما خلقته قمة سوتشي من تحد للجانب التركي، وجدت أنقره نفسها تدخل في سياق من التوتر مع الإدارة الأمريكية ـ الجهة التي من المفترض أن تكون حليفها لعدة اعتبارات، أقلها عضوية تركيا في حلف الناتو ـ هذه المرة مدفوعة بمخاوفها وقلقها من دور أمريكي يستهدف استقرارها وأمنها القومي ووحدة أراضيها، يأخذ شكلا كرديا ينطلق من الأراضي السورية خاصرتها الرخوة، تعزز من خلال الاتهامات التي وجهتها أنقره لواشنطن عن دور فاعل في التسبب بالأزمة الاقتصادية التي تصاعدت وتيرتها مع إعلان تركيا رفضها الالتزام بالعقوبات الاقتصادية ضد إيران، ما دفع الرئيس التركي إلى الإعلان عن نية بلاده القيام بعملية عسكرية واسعة في مناطق نفوذ الفصائل الكردية في شرق الفرات السوري للقضاء على مصادر الخطر، وقطع الطريق على أي أحلام كردية بإنشاء كيان مستقل لهم على حساب الحكومة السورية والأمن القومي التركي. هذه الاندفاعة التركية للقيام بعمل عسكري لم تسقط من اعتباراتها الدور الأمريكي في الدفع بأكراد العراق إلى الذهاب في إعلان الاستفتاء للانفصال عن الحكومة الاتحادية في بغداد، وإعلان دولة كردستان المستقلة ـ مؤجلة – في الإقليم العراقي.
القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا، وتحديدا من مناطق انتشارها الكردية، ولا فرق إذا تم بسرعة أو على مراحل، يهدف إلى لتحقيق عدة نقاط:
*الأولى: إسقاط الذريعة التركية للقيام بعملية عسكرية داخل الاراضي السورية، خصوصا أن المؤشرات الأولى للإحباط الكردي من القرار الامريكي ترجمتها بعض الفصائل بالدعوة للعودة إلى حضن الحكومة السورية.
يبدو أن نتائج القرار الأمريكي بدأت ملامحها بالظهور، من خلال إصرار تركيا على القيام بعمليتها العسكرية في شرق الفرات
*الثانية: وضع انقره في مواجهة الحليفين الروسي والإيراني، وبالتالي زعزعة «ترويكا أستانة» وصولا إلى إسقاطها، ما يعني دخول المتفاهمين الثلاثة في صراع داخلي بينهم، وتسابق على تحقيق أهدافهم، من الناحية الروسية والإيرانية بعودة سيطرة الحكومة السورية على كامل أراضيها، بما فيها إدلب، ومن الناحية التركية محاولة الاحتفاظ بمواقع نفوذها على الساحة السورية من خلال سيطرتها ودورها في إدلب بين فصائل المعارضة. ما يعني أن تركيا ستدخل في مواجهة مباشرة مع الجانبين الروسي والإيراني على حصتها السورية وعدم السماح بإخراجها من دون مكاسب.
*الثالثة: قرار الانسحاب الأمريكي أفشل نوايا روسية في دفع أنقره للدخول في مواجهة مع واشنطن، على خلفية موقفها من أكراد سوريا، خصوصا أن القوات الأمريكية سبق أن أعلنت انها ستقوم بتدريب ما بين 15 ألفا إلى 40 الف مقاتل كردي، استعدادا للمعركة الفاصلة مع عناصر تنظيم «داعش»، وقامت بتقديم تجهيزات وأسلحة متطورة لهم، ما اعتبرته أنقره إجراءً عدائيا ضدها ومصدر تهديد مباشر لاستقرارها وأمنها.
يبدو أن نتائج القرار الأمريكي بدأت ملامحها بالظهور، من خلال التوتر وإصرار تركيا على القيام بعمليتها العسكرية في شرق الفرات، والحشود العسكرية الكبيرة التي تدفع بها إلى المناطق الحدودية، وهي في سباق مع الزمن ضد الحكومة السورية وحلفائها، خاصة الإيراني، لقطع الطريق على عودة هذه المنطقة إلى حضن دمشق، وعدم تكرار تجربة (منبج) الرمزية التي لم تسجل دخولا سوريا واضحا، ولم تسمح للتركي بالدخول المباشر لملء الفراغ الكردي والأمريكي، وبالتالي محاولة الدفاع عن جغرافيا الدور التركي المتبقية في إدلب لتكون شريكا فاعلا في مستقبل سوريا. فهل ستنجح زيارة مستشار الأمن القومي الامريكي جون بولتن إلى كل من اسرائيل وتركيا في تهدئة المخاوف التركية؟ أم ستدفع بها إلى مزيد من التشدد وبالتالي التصادم مع اللاعب الإيراني تحديدا؟ إشكالية لا يملك الإجابة عنها سوى عمق ومدى التفاهمات التركية الايرانية برعاية روسيا حول مستقبل سوريا.
كاتب لبناني
تحليل واقعي ومنطقي ولكن لم تتحدث عن دور المعارضة المسلحة السورية وخاصة الجهادية منها والمرفوضة من كل الجهات