الرباط ـ «القدس العربي»: قال الخبير المغربي في العلاقات الدولية، الدكتور إدريس لكريني، إنه “رغم قسوة العدوان الإسرائيلي الممارس ضد غزة، فإن الأمر يتعلق بمحطة فارقة تمثلت في فضح لجرائم والانتهاكات التي ما فتئت إسرائيل تمارسها ضد الفلسطينيين، بالصورة التي وعى شعوب العالم معها بأن هناك شعباً مقهوراً يعاني الأمرين ويناضل من أجل حقوقه المشروعة وفي مقدمتها حقه في دولة مستقلة”.
ناقوس الخطر
وفي تصريح لـ”القدس العربي”، دقّ المتحدث ناقوس الخطر حول وجود “قوة غاشمة تمارس كل مظاهر التقتيل والوحشية والجرائم التي تحرمها القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة، باعتبار أن هذه العمليات طالت مدنيين عزلاً وأدّت إلى تجويع الفلسطينيين وإبعادهم عن بيوتهم وعن المناطق التي يستقرون فيها، بالإضافة إلى أن العدوان يستهدف كذلك المدارس والمستشفيات وأماكن العبادة بل حتى المناطق الخاضعة لعمل هيئة الأمم المتحدة.
وأعرب لكريني الذي يشغل منصب “مدير مختبر الدراسات الدستورية وتحليل الأزمات والسياسات”، عن اعتقاده بأن هذه التحركات العالمية لمتابعة مجرمي الكيان الصهيوني أمام الهيئات الأممية وخصوصاً منها محكمة العدل الدولية، هي رد فعل طبيعي إزاء الجرائم الإسرائيلية التي فاقت كل الحدود والتصورات. وأكد أن تلك الجرائم كشفت حجم المفارقة بين الخطابات التي يروج لها الغرب فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان والديمقراطية والتحضر والمدنية، من جهة، والصمت الذي تقابل به هذه العمليات الوحشية التي ترتكب فيها جرائم الإبادة وجرائم التهجير وجرائم أخرى من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية من جهة أخرى.
وفي اعتقاد المتحدث، فإن هذه المحطة رغم قساوتها تمثل فرصة لإعادة البريق للقضية الفلسطينية من جديد، باعتبارها قضية عادلة وقضية بدأ يكتنفها نوع من النسيان، وخصوصاً مع التواطؤ الأمريكي مع الإسرائيليين، وأيضاً التواطؤ الغربي في هذا الخصوص، وأيضاً دخول الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي منذ بداية التسعينيات في مفاوضات واتفاقات مفلسة لم تفض إلى ضمان الحقوق الفلسطينية المشروعة ولم تفض إلى بناء الدولة الفلسطينية المأمولة.
ويرى لكريني الذي يرأس “منظمة العمل المغاربي”، أن هذه التحركات مهمة جداً ومن شأنها أن تزيد من فضح السلوكات الإسرائيلية أمام العالم، ومن شأنها كذلك أن تعزز الطرح الفلسطيني العادل، ولكن الأمر ـ كما يقول ـ يقتضي المواكبة والتحلي بالوحدة الفلسطينية وتجاوز كل الخلافات الداخلية، بالإضافة أيضاً إلى انخراط القوى الدولية، ولا سيما جامعة الدول العربية والمؤتمر الإسلامي ومختلف التكتلات الإقليمية، في ما يتعلق بدعم هذه القضية وإعطائها زخماً على المستويين الإقليمي والدولي.
وسألت “القدس العربي” إدريس لكريني عن مدى نجاعة التحركات العالمية من أجل متابعة مجرمي الكيان الصهيوني أمام الهيئات الأممية، فأجاب: “حقيقة، إن المؤسسات الدولية تظل من الناحية الواقعية خاضعة لإرادة القوى الدولية الكبرى؛ فمجلس الأمن بالرغم من الصلاحيات الوزنة والسلطة التقديرية التي يتمتع بها باعتباره المسؤول عن حفظ السلم والأمن الدوليين، فإن تحركه غالباً ما يتم بناء على منطق القوة وليس قوة القانون؛ وغالباً ما يتحرك بناء على إرادة القوى الدولية الكبرى المتحكمة فيه، ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية. ففي الوقت الذي تحرك مجلس الأمن في بداية التسعينيات في مواجهة العراق عندما احتل الكويت، لاحظنا كيف أن هذا المجلس نفسه ظل جامداً وصامتاً عندما احتلت الولايات المتحدة العراق بعد بضع سنوات، وأيضاً مؤخراً عندما قامت روسيا بعملياتها العسكرية داخل دولة مستقلة هي أوكرانيا”.
وأضاف: “كما ظلّ مجلس الأمن جامداً، بسبب “الفيتو” الذي تمارسه القوى الدولية الكبرى سواء روسيا أو الولايات المتحدة، ما يشل عمل هذا الجهاز. والشيء نفسه ينطبق على محكمة العدل الدولية، ذلك أن دخولها على الخط أمر مهم جداً باعتبارها الهيئة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة، وباعتبارها كذلك تضم قضاةً لهم باع طويل في مجال القانون الدولي، ولكن تنفيذ هذه القرارات التي يمكن أن تصل إليها وكذلك تحرك مجلس الأمن فيما يتعلق بطلب إصدار قرار في هذا الخصوص أو تنفيذ قراراتها، بكل تأكيد يظل خاضعاً لموازين القوى، لذا ستكون هناك صعوبات قانونية وواقعية في إصدار قرارات ملزمة وكفيلة بوقف العمليات الإسرائيلية وتعريض إسرائيل للمسؤولية الدولية”. وأشار إلى أن الملاحظة نفسها تسري على المحكمة الجنائية الدولية، “إذ نلاحظ ـ كما قال ـ مجموعة من المفارقات؛ ففي السنوات الأخيرة كانت هناك أكثر من 10 قضايا بحث تباشرها المحكمة داخل إفريقيا بناء على قرارات من مجلس الأمن، كما هو الشأن بالنسبة لمواكبة الوضع في ليبيا وغيرها، ولكن في الوقت نفسه هناك جرائم ارتكبت.
عدالة غير مكتملة ومؤجلة
وأكد أن الجرائم الأخيرة في غزة ليست جديدة، فقد كانت هناك جرائم ارتكبت داخل القطاع، ولكن مجلس الأمن لم يتحرك بموجب الفصل السابع لإحالة الوضع على المحكمة الجنائية الدولية. وهذا ما يجعلنا ـ يقول المتحدث ـ “أمام عدالة انتقائية وغير مكتملة ومؤجلة مع الأسف، بالصورة التي تظل معها هذه الجرائم قائمة، وبالصورة التي ربما قد تشجع بلداناً أخرى على ارتكاب جرائم مماثلة في مناطق مختلفة من العالم، ما يميّع وينتقص من عمل تلك المؤسسات الدولية. واستدرك لكريني بالقول إنه “بالرغم من هذه الإشكاليات القانونية والواقعية، فمجرد إصدار قرارات أو مجرد طرح مرافعات أمام محكمة العدل الدولية أو إثارة الموضوع أمام المحكمة الجنائية الدولية، هذه كلها أمور تورط إسرائيل وتحرجها، وتجعلها معزولة، خصوصاً أن هناك اليوم الكثير من التحركات الرسمية في إسبانيا وفي كثير من الدول الأوروبية وفي أمريكا اللاتينية وداخل البلدان العربية والأفريقية وغيرها… بشكل اهتزت معه الشعارات التي ظلّ الغرب أو إسرائيل يطرحونها في ما يتعلق بالمدنية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. ومن ثم، جدد الخبير المغربي التأكيد على أن هذه فرصة لفضح تلك الممارسات الإسرائيلية، وكذا فضح التواطؤ الغربي مع هذه الجرائم وفضح التناقضات بين الخطاب والممارسة فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان.
أما في شأن التساؤل عمّا إذا كان مجلس حقوق الإنسان الدولي التابع للأمم المتحدة قادراً على إدانة الكيان الصهيوني، فأجاب إدريس لكريني بالقول إن هذا المجلس هيئة أممية تُعنى بحماية حقوق الإنسان ومواكبة الخروقات والانتهاكات التي تحدث على امتداد مناطق مختلفة من العالم، وهي تصدر تقاريرها وتوصياتها في هذا الخصوص. كما لفت إلى اعتماده آلية ذات قيمة قانونية تتمثل في الاستعراض الدوري الشامل. وتابع أن ما تمارسه إسرائيل من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان والتي حرّكت الكثير من الأقلام والمواقف الحقوقية والدولية والهيئات المختلفة سيحظى بكل تأكيد باهتمام مجلس حقوق الإنسان، ولكن هذا الأخير لا يملك صلاحيات وازنة في ما يتعلق بتنفيذ توصياته. ومع ذلك، يبقى تعزيز التعاون الإقليمي وكذلك فضح هذه السلوكات والترويج لكل ما سيتوصل إليه المجلس في هذا الخصوص، يشكل ورقة ضغط على إسرائيل وعلى من يدعمها وخصوصاً الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية.
ولفت الانتباه إلى أن ما يجري في الأراضي المحتلة من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان يمثل محكاً حقيقياً لقياس مصداقية هذا المجلس وقياس مصداقية مختلف الهيئات الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان، سواء تعلق الأمر بالمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وغيرها من الهيئات… على اعتبار أن قضايا حقوق الإنسان لا تحتمل التميز والتفضيل بين هذه الشعوب أو تلك، وأيضاً على اعتبار خطورة الانتهاكات التي وقعت وما زالت تقع في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وخلص المتحدث إلى القول: “إن مجلس الأمن بإمكانه أن يزيد من توريط إسرائيل من خلال فضح ممارساتها، على اعتبار أن الأمر يتعلق بهيئة تصب في اتجاه مهام الأمم المتحدة باعتبارها المعنية بحماية حقوق الإنسان على المستوى العالمي، وباعتبارها الهيئة المعنية بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين، ولكن أداء هذه الهيئة رهين كذلك بحجم المرافعات التي يقوم بها أولاً الفلسطينيون أنفسهم، وكذلك الدول المؤمنة بهذه القضية العادلة وخصوصاً الدول العربية والإسلامية ودول الجنوب بشكل عام”.