عمان – «القدس العربي» : قررت الحركة الإسلامية الأردنية التسلل بقرار مفاجئ إلى عمق المعادلة الانتخابية الأردنية وبإعلان صريح على الرغم مما تتحدث عنه أدبيات الحركة وحزبها من مضايقات ومطاردات لمرشحيها المحتملين، وعلى الرغم أيضاً من كل ما يثار على هوامش الاستحقاق الانتخابي، حيث ارتفع مستوى الحركة والنشاط أفقياً في المجتمع بالتوازي مع إعلان اللجنة الوبائية الوطنية، وبوضوح شديد، الدخول في مرحلة الانتشار المجتمعي.
تقنيات جديدة في مواجهة كورونا بعد الإعلان عن «الانتشار المجتمعي»
وبائياً، تستعد السلطات والأجهزة لتقنيات جديدة في الاشتباك وبعد تسجيل مئات الإصابات للأسبوع الثالث على التوالي. وفيما بدأ المطبخ الحكومي يلمح إلى العودة لسياسات الحظر الجزئي نكاية على الأرجح بأجندة الاستحقاق الانتخابي وخوفاً من رحيل مفاجئ للحكومة بسببه… فيما يحصل ذلك لا يمكن ترسيم حدود العلاقة بين الانتشار المجتمعي للفيروس كورونا وبين الاعتبارات الانتخابية، وإن كانت الهيئة المستقلة للانتخابات قد أعلنت بأنها الجهة الدستورية المعنية دون غيرها بتأجيل الانتخابات عند الضرورة.
بمعنى آخر، في المطبخ السياسي.. الاستحقاق الانتخابي في طريقه للنفاذ يوم العاشر من شهر نوفمبر المقبل ووسط حالة فتور شعبية لا يمكن نكرانها وتحتاج إلى عمل وطني كما أكد لـ»القدس العربي» البرلماني السابق والمرشح المستقل والبيروقراطي المعروف والخبير سامح المجالي. لكن الانتخابات محطة وطنية ضرورية، برأي الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة، الذي صارح «القدس العربي» بقناعته الراسخة على أساس أن الانتخابات محطة ضرورية وفرصة أيضاً لإعادة الهيبة للمؤسسات الدستورية ولتخفيف حدة الاحتقان وسط المواطنين، معتبراً في الإيحاء الأهم بأن كيفية إدارة الانتخابات هي التي تحدد منسوب النجاح في تحقيق الأهداف الوطنية المرجوة.
كغيره من رموز وقادة المعارضة الفاعلين في الساحة، يعتقد الشيخ العضايلة بأن الأهم من استحقاق انتخابي في وقت دستوري هو أن لا تتحول الانتخابات إلى عبء على الدولة والمجتمع، وإلى ذخيرة مضادة لعملية الإصلاح، معتبراً تلك مسؤولية أصحاب القرار ومسؤولية الناخب الأردني في خياراته أيضاً.
تسللت هذه المنظومة من الأدبيات إلى البيان الرسمي الذي أعلنه العضايلة ظهر أمس الإثنين، حاسماً موقف حزب جبهة العمل الإسلامي لصالح المشاركة في الانتخابات، حيث برر البيان قرار الإسلاميين المشاركة تحت لافتة «الحفاظ على مؤسسات الدولة الدستورية في مرحلة مشبوهة تستهدف الهوية الوطنية الأردنية».
تلك عبارة ذات دلالة سياسية ولهجة تبدو مقنعة لناس ولكوادر الإخوان المسلمين في «تبرير» قرار المشاركة في الانتخابات رغم التحفظات السلبية. وفي بيان إعلان المشاركة، حذر الحزب الذي يمثل الإخوان المسلمين من أي عبث بالعملية الانتخابية، وفي حال وجوده ستصبح الانتخابات عبئاً على الجميع، وهو أمر ألمح العضايلة – عندما ناقشته «القدس العربي»- إلى أنه يشبه سيناريو عام 2007 التي أقر فيها مسؤولون في الحكومة بحصول تدخل وعبث. وفي المحصلة، صدر القرار العلني للحركة الإسلامية بالمشاركة في انتخابات مثيرة للجدل وبأسلوب لافت للنظر وبعد سلسلة حوارات معمقة قوامها قيادات ترى في المشاركة في الانتخابات الخيار الأفضل، وقواعد وكوادر في التنظيم والشارع لا تتحمس لهذا الخيار.
نجح الجناح الداعي للمشاركة وتجنب المقاطعة بالعبور بعد سلسلة حوارات ومصالحات مكثفة داخل التنظيم شارك في بعضها المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الأم الشيخ عبد الحميد الذنيبات، وشارك في بعضها الآخر قياديون متنوعون، من بينهم الشيخ زكي بني ارشيد.
المهم أن التيار الإسلامي يذهب لمغامرة المشاركة، لكنه يمثل أول كتلة سياسية اجتماعية ناضجة تعلن ذلك. وهو وضع ينتج الأفضلية للإسلاميين في الشارع الانتخابي بعيداً عن منسوب نجاحهم ونسبة مشاركتهم، خصوصاً في ظل الفوضى التي تعتري تشكيل القوائم الانتخابية، وفي ظل قناعة بعض المراقبين بأن كلفة العبث هذه المرة بالنتائج على الأقل في مرحلة ما بعد الاقتراع؛ كبيرة جداً وصعبة ومخاسرها إضافية على الدولة وليس على المجتمع.
مهم أيضاً الإشارة إلى أن التيار الإسلامي قرر المشاركة في الانتخابات بعد أقل من 24 ساعة على توقيف المدير المباشر تنفيذياً لحملته الانتخابية، وهو القيادي والنقابي بادي الرفايعة الذي تقررت محاكمته الآن بتهمة لها علاقة بإساءة مفترضة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
يفسح قرار الإخوان المشاركة، المجال والساحة أمام تكتلات وتحالفات أخرى في السياق، قد تدعم بعضها الأحزاب والقوى الوسطية، وبعضها الآخر قد يحاول تمرير مقعد أو اثنين في برلمان 2020 باسم قوى اليسار وتيارات قومية. لكن الثابت الوحيد حتى اللحظة أن برلمان الأردن المقبل، إذا عبر من محطة الداعين إلى تأجيل انتخاباته، فيه اليوم نكهة على الأقل بتوقيع الإخوان المسلمين.