تحتدم هذه الأيام حمى البحث العلمي حول العالم في مسعى محموم لإيجاد العلاج الشافي والقادر على إعدام فيروس كورونا. لكن كثافة الادعاءات المتلاحقة بإيجاد ذلك العلاج لم تفض لأي نتائج حقيقية.
وفي خضم هذا المسعى المحموم يستمر البعض في تبني نظرية المؤامرة، باتهام الولايات المتحدة الأمريكية بفبركة الفيروس القاتل، لاغتيال الصين وبشكلٍ مدروس سياسياً ومالياً وعسكرياً، خاصة بعد فشل ترامب في تركيع الصين رغم خطواته النارية، وقراراته الاقتصادية المتهالكة، التي لم تصمد أمام جبروت الصين، وآلة تصنيعها الهائلة سوى لفترات محدودة. ويستند أبطال المؤامرة إلى فيلم هوليوودي هنا، وكتاب هناك لتثبيت حجتهم وروايتهم، من دون أن يتوفر دليل دامغ على مصداقية ذلك الادعاء.
بين أبطال البحث العلمي، وأبطال المؤامرة الكونية، يقف العالم الثالث حائراً، تائهاً وضائعاً تقتله الإشاعة والخوف
وبين أبطال البحث العلمي، وأبطال المؤامرة الكونية، يقف العالم الثالث حائراً، تائهاً، ضائعاً تقتله الإشاعة والخوف، خاصة أمام تسارع الإعلان عن المزيد من الإصابات بالفيروس، وسيل الاختلافات المتلاحقة لروايات الرعب والترويع، بل ربما ما يميز هذا الزمان عن غيره من التجارب، التي شهدت ولادة فيروسات التيفوئيد والكوليرا وأنفلونزا الطيور وغيرها، هو اتساع رقعة انتشار الإعلام الاجتماعي، بكونه قد وفّر المنصة اللحظية لتداول الإشاعات والتأويلات، التي ستقود مع تسارعها وتأخر العلاج وزيادة أعداد المصابين إلى قتل الناس بالخوف لا الفيروس. الموت من الخوف مصطلح عربي مغالٍ اعتدنا عليه، لكنه سيصبح في حال غياب القدرات الحكومة والإعلامية على لجم الإشاعة والترهيب وقصص الموت الفيروسي، أمراً واقعاً لاستشراء الإشاعة ومصائبها. أياً كانت مآلات الفيروس فإن الكورونا قد دخلت التاريخ ليس على قاعدة فعلها فحسب، بل أيضاً لقدرتها الخارقة على توصيف الفرق الواضح بين المجتمعات التي تمتلك المعرفة لخلق الحلول، وتلك التي تمتهن الهروب إلى الله بالدعاء والتصوف، من دون أن تمتلك مقومات الأخذ بالأسباب. جمهورية الكورونا حتى اللحظة جمهورية عاصمتها الخوف وحدودها الموت وسلاحها الفيروس وترسانتها الإشاعة وخلاصها الوقاية وصادراتها الهلع والنكتة في وقت واحد.
كاتب فلسطيني