لندن- “القدس العربي”: اعتاد الإسبان إبان وقوع أزمات كبرى الحديث عن أمنهم القومي والعودة إلى التركيز على من يعتبرونه مصدر الخطر الحقيقي الذي هو المغرب. في هذا الصدد، يستمر حزب فوكس القومي المتطرف في تناول مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين في خطابه، بينما أصدر رئيس الأركان العسكرية السابق، الجنرال فيرناندو أليخاندري، كتابا يصنف فيه المغرب “بالخطر المباشر” ولا يستبعد وقوع حرب مستقبلا.
ومنذ حرب العراق الأولى، ينشغل الإعلام والخبراء الإسبان بأمنهم القومي، ويتجهون بأنظارهم نحو الجار الجنوبي المغرب. ومن ضمن الأمثلة، كانت إسبانيا قلقة إبان حرب العراق الأولى سنة 1990-1991 بإقدام المغرب على استغلال الوضع والهجوم على سبتة ومليلية لاستعادتهما. وأقدمت الحكومة التي كان يترأسها الاشتراكي فيليبي غونثالث، وقتها، على تسريب وثيقة “بيك” وهي المخطط الاستراتيجي المشترك الذي يتضمن الهجوم على مناطق مغربية في الساحل الأطلسي لإجبار المغرب على وقف هجومه على سبتة ومليلية إذا قرر ذلك. وكان التسريب يهدف إلى تنبيه المغرب الذي كان وقتها يطالب بشدة باستعادة المدينتين.
ويتكرر الأمر مع كل أزمة حربية في العالم. وخلال الحرب الحالية في أوكرانيا، يطرح حزب فوكس القومي المتطرف، مبادرات في البرلمان للمصادقة على مشروع قانون لتقديمه إلى الحلف الأطلسي لكي يشمل سبتة ومليلية بالحماية؛ لأن الحلف لا يوفر الحماية لهما. ويرى الحزب أن حماية الحلف هي ضرورية لما يعتبره ردع المغرب عن كل مغامرة عسكرية ضد المدينتين. ويطالب المغرب باستعادة السيادة على المدينتين. وتشير كل التحليلات الاستراتيجية أنهما قد يكونان مصدر حرب مستقبلا.
وعلاقة بالحرب مستقبلا، وصل إلى المكتبات الإسبانية خلال شهر مارس/ آذار الجاري كتاب “خدمة الملك وشرف إسبانيا: رؤية حول دفاع إسبانيا”، للجنرال فيرناندو الذي شغل منصب رئاسة الأركان العسكرية ما بين عاميْ 2017-2020، إبان حكومتي الحزب الشعبي المحافظ ثم الاشتراكي الحالي. ويتناول الكتاب مواضيع شتى، منها الوضع في إقليم كتالونيا الراغب في الاستقلال، ثم علاقة المؤسسة العسكرية باليسار، ومشاركة إسبانيا في المهام الدولية لحفظ السلام، ورؤية إسبانيا إلى مصادر الخطر.
وعلاقة بالنقطة الأخيرة، يشير إلى المغرب كمصدر خطر رئيسي، بل وباحتمال وقوع حرب مستقبلا. ويعتقد فرناندو أن المغرب يمثل تهديدا “مباشرا” لإسبانيا سينتهي به الأمر إلى التبلور، أولاً من خلال عناصر هجينة من خلال استعمال ظواهر معينة مثل الهجرة كما حدث في سبتة خلال مايو الماضي أو مناسبات سابقة. ويعتقد أن هذه السياسة ستتطور الى حرب تقليدية بين البلدين مستقبلا. ويستبعد هذا الجنرال أن يكون المغرب خطرا حقيقيا في الوقت الراهن على الأمن القومي الإسباني، باستثناء ما يسمى بالحرب الهجينية الصامتة، وذلك لانشغاله بملف نزاع الصحراء الغربية الذي يعد إستراتيجيا بالنسبة. ويحذّر من استمرار المغرب المطالبة باستعادة سبتة ومليلية، ولهذا يطالب بالاستعداد المسبق تحسبا لوقوع مواجهة عسكرية.
وبعيدا عن الكتاب، قال هذا الجنرال في حوار مع الموقع الرقمي “أوبجكتيف” في تقييمه للعلاقات بين الرباط ومدريد التي تمر بأزمة شائكة: “لا أعتقد أن المغرب يشكل تهديداً مباشراً لإسبانيا اليوم. ما أعتقده هو أن إسبانيا تدير ظهرها للمغرب، وهو ما يفاجئني كثيرا، لأننا الدولة الأوروبية الوحيدة التي تشترك معها في الحدود. إذا كنت مغربيا، فسأكون ساخطا على الإسبان لأنهم لا يهتمون بي”.
ويشير هذا الجنرال بذلك إلى قرار إسبانيا الإحجام عن تطوير العلاقات مع المغرب أو تسريع البحث عن حل للأزمة القائمة بينهما. وكانت الأزمة قد اندلعت نهاية ديسمبر 2020 عندما عارضت إسبانيا اعتراف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بمغربية الصحراء، وقام المغرب بالتساهل في مراقبة الحدود حيث دخل أكثر من عشرة آلاف مغربي الى سبتة المحتلة. وسحب المغرب سفيرته كريمة بنعيش من مدريد.
وصلت قيمة المبادلات التجارية بين المغرب وإسبانيا السنة الفارطة لأكثر من 18 مليار دولار مما جعل الصحف الإسبانية تلوم حكومة سانشيز على غلطته الفادحة بإستقبال بن بطوش وتوريط بلدهم في قضية محسومة أصلا للمغرب خصوصا بعد الإعتراف الأمريكي والعربي وأغلب الدول الإفريقية …