الناصرة- “القدس العربي”:
تحّذر جهات إسرائيلية من أن التهدئة مع غزة هشّة وقصيرة وتتوقع انفجارا جديدا دون أن تقدم تصورها لحل جذري ينهي الحصار السياسي المفروض عليها منذ 2007.
ويعتبر معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب أن توقيت توصل إسرائيل وحركة حماس لتفاهمات بعد أسابيع من التصعيد بوساطة قطرية ليس صدفة.
ويوضح أن قيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) برئاسة يحيى سنوار رجحتّ أنها نجحت بوقف تفشي عدوى الكورونا في القطاع وأن بمقدورها استئناف مساعيها لتنفيذ مشاريع تحسّن شروط الحياة المعيشية هناك. كما يزعم أن حركة حماس قلقة من التدهور الاقتصادي داخل قطاع غزة جراء استشراء عدوى الكورونا والبطالة المتزايدة ومن اندلاع احتجاجات شعبية ولذا فإن مرور الأيام دون تحقيق مكاسب سينعكس سلبا عليها وعلى مكانتها واستقرار حكمها.
ويدعى معهد الأمن القومي الإسرائيلي أن حماس ترى بالعنف وسيلة لضمان استمرار الدعم المالي من قطر التي انتهى التزامها بذلك في الشهر الماضي.
ويتابع “كذلك رأت حماس بتفشي الكورونا داخل إسرائيل وبفقدان الاستقرار السياسي فيها فرصة للضغط عليها وإحراز إنجازات حقيقية تحسن شروط معيشة أهالي غزة وتحسن مكانتها في الجبهة الداخلية الحمساوية في ظل انتخابات داخلية محتملة وفي الجبهة الفلسطينية بشكل عام”.
ويزعم المعهد أن هذه الرؤية الحمساوية قد تزعزعت عندما شهد قطاع غزة تزامنا مع التصعيد ارتفاعا كبيرا بعدد المصابين بالكورونا.
وقال إن حالة البنى التحتية المتداعية والازدحام وتردي الشروط الصحية داخل القطاع كل ذلك حول تفشي الكورونا لخطر وجودي بالنسبة للسكان وزاد من إلحاح الحاجة بالمساعدات الطبية وبالوقود الضروري لتوليد الكهرباء.
ويزعم أيضا أن تفاقم الأزمة الاقتصادية والصحية داخل قطاع غزة تركت آثارها على مسار التصعيد، مدعيّا أن حماس اضطرت للتنازل عن طلبات حماس العالية المتمثلة بإلغاء الحصار ويضيف “مع ذلك فقد حددت حماس لائحة زمنية مدتها شهر واحد فقط لمعاينة واختبار التفاهمات التي تشمل زيادة كمية الوقود المعدة لتوليد الكهرباء وتوسيع مجال الصيد البحري وبدء تطبيق مشاريع بناء البنى التحتية بمبادرة الأمم المتحدة.
وحتى الآن عاد الهدوء للمناطق المحيطة بقطاع غزة لكن التلكؤ في تطبيق التفاهمات وفي تخفيف الحصار ودفع مشاريع البناء وكذلك “صراعات قوة داخل قيادة حماس” لجانب مصاعب لجم بقية الفصائل المسلحة كل ذلك من شأنه الدفع لعودة البالونات المحترقة والتصعيد”.
الرواية الإسرائيلية
وهذا ما يتوقعه المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل الذي يرى بالتفاهمات المذكورة “صفقة متواضعة نسبيا ستصمد لفترة محدودة. والى أن يأتي سبب آخر للاشتعال فان قطر ستواصل احضار الاموال في كل شهر واسرائيل ستتعهد برفع قيود عن مشاريع للبنى التحتية وحماس ستتوقف عن اطلاق البالونات المتفجرة والصواريخ”. كما قال معهد دراسات الأمن القومي قال هارئيل إن من قام هذه المرة بتسخين الساحة بشكل متعمد هو زعيم حماس في القطاع، يحيى السنوار منوها لتوصل الطرفين في اكتوبر/ تشرين الثاني الماضي الى تفاهمات حول وقف اطلاق النار المستمر مقابل ضخ مساعدات، تسهيلات اقتصادية ومشاريع جديدة في القطاع. زاعما أن هذه الوصفة تعرضت لضربة اولى عند تفشي الكورونا في المنطقة في مارس/ آذار ويتابع “ولأن أن حماس كانت خائفة من الوباء فقد اوقفت ارسال العمال الـ7 آلاف من غزة الذين سمحت لهم اسرائيل بالدخول للعمل في أراضيها.
هذه التسوية انهارت نهائيا قبل شهر عندما اعتقد السنوار بأنه قد شخّص ضعف إسرائيلي نبع من الدمج بين تفشي الكورونا والأزمة السياسية، وبدأ بالضغط”. كما قال المحلل الإسرائيلي إنه خلافا للسابق، حماس حتى لم تحاول اخفاء خطواتها. هذه كانت خلاياها العسكرية التي اطلقت مئات البالونات المتفجرة في الوقت الذي فيه معظم القذائف اطلقته فصائل أخرى.
في المقابل ردت إسرائيل بعدة عمليات عقابية، هجمات جوية ضد عدد كبير نسبيا من الأهداف، تضييق منطقة الصيد وتقييد كمية الوقود التي تم ادخالها إلى القطاع بصورة أضرت بشكل كبير بالتزويد بالكهرباء.
ويضيف “الآن كما هي العادة، تتطور معركة حول الرواية. في جهاز الامن يقولون إن الردود القوية للجيش الإسرائيلي هي التي اقنعت حماس بالتوقف؛ وفي حماس ينسبون الاتفاق لقوة المقاومة الفلسطينية. ولكن التفسير الحقيقي يختفي كما يبدو في مكان مختلف تماما. في الأسابيع الأخيرة سجل ارتفاع حاد في عدد الاصابات بالكورونا في القطاع. من فضاء “أخضر” بشكل كامل، انتقلت غزة الى المواجهة مع أكثر من 300 مصاب، رغم خطوات الحجر القاسية المتبعة تجاه من يعودون اليها من الخارج”. زاعما أنه على خلفية الاكتظاظ والظروف الصحية الصعبة فان قيادة حماس توجد في حالة ضغط كبير من امكانية أن يتفشى الوباء بسرعة. حول مخيمات اللاجئين في وسط القطاع التي فيها ينتشر بالاساس الوباء، وضعت اكوام من التراب لمنع السكان من الخروج. ويبدو أنه في هذه الظروف فقدت حماس الرغبة في الحروب.
على غرار معهد دراسات الأمن القومي يحذر هارئيل من قصر عمر هذه التفاهمات مع الاحتلال مذكّرا بأنها “تفاهمات هشّة” وقال أن السنوار يمكن أن يستنتج من أحداث الايام الاخيرة بأنه يمكن العودة إلى استخدام القوة العسكرية ضد إسرائيل من اجل ابتزاز تسهيلات وتفاهمات زاعما أن الأمر الآخر الذي يجب أخذه في الحسبان هو مزاج العمادي ومن احتمال ملل قطر من مواصلة إطفاء حرائق في القطاع.
تفاهمات مع غزة، دعوة للجولة التالية
ويتفق معه زميله محرر الشؤون العسكرية في صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليكس فيشمان الي يقول إنه كان بوسع السنوار ان يشطب جولة التوتر الاخيرة من الوعي الفلسطيني لفعل هذا بسرور فهو ليس فقط لا ينجح في ان يعرض على سكان القطاع انجازا اقتصاديا، سياسيا او حتى عسكريا ما،بل ان الوضع في غزة تفاقم أكثر فأكثر”.
ويتابع متبنيا الرواية الإسرائيلية الرسمية “لا تفاهمات مع غزة، لا اتفاقات، لا شيء. نهاية الجولة الحالية هي دعوة للجولة التالية التي من شأنها أن تكون أكثر عنفا لأن الوقت الذي حاز عليه السنوار قصير وأخذ في النفاذ. لقد كانت الجولة الاخيرة فشلا ذريعا من ناحيته. ويشير فيشمان إلى أن السنوار أعلن قبل أيام عن عودة إلى التهدئة دون أن يحصل من إسرائيل على أي شيء جوهري جديد، يتجاوز ما حصل عليه قبل هذه الجولة. لهذه التهدئة يوجد تاريخ نفاد المفعول، هكذا علم أمس، لشهرين فقط. هذا هو الزمن الذين حدده حماس لإسرائيل.
أما القطريون، من جهتهم، فدفعوا ما خططوا له: 30 مليون دولار، دون التزامات للمستقبل”. زاعما أنه لم يعد فقط السنوار إلى الخانة الاولى، بل استغل الجيش الإسرائيلي هجمة البالونات في آب كي يهاجم 104 أهداف من بنك الأهداف، كجزء من الضرب لبنى حماس التحتية في القطاع. خدمات النجدة والجيش كانت جاهزة للحرائق.
ويضيف “بهذه المناسبة فحص الجيش والشرطة الإسرائيلية منظومة الليزر التي يفترض ان تفجر البالونات وتعالج الحوامات. وكانت النتائج مرضية. ورئيس شعبة القوى البشرية يجري هذه الأيام مداولات في مسألة توسيع شراء وتطوير مدفع الليزر. وبالتوازي ترى حماس في عيون تعبة استكمال السور حول غزة، والذي يعرقل تهديد الانفاق. ويعلل توقعاته بانفجار جديد بالقول “قبل نحو اسبوع هاجمت غزة موجة جديدة من الكورونا، ما سرع ربما قرار السنوار وقف العنف.
وبمراعاة حقيقة أنه يوجد في كل القطاع 120 جهاز تنفس، فان غزة على شفا الكارثة. يعيش القطاع اليوم في إغلاق تام، لا عبور من منطقة الى اخرى، المدارس مغلقة، البحر مغلق، والبضائع التي نقلتها اسرائيل امس اجتازت لدى الفلسطينيين تعقيما. اما عن خروج الناس فلا مجال للحديث. حتى لو كانت اسرائيل تريد اليوم تحرير الحبل الاقتصادي للقطاع قليلا كي تخفض التوتر الامني، فان الكورونا اغلق الطرق”.
واللافت أن الأصوات الإسرائيلية التي تشخص الحالة وتضع النقاط على الحروف وتدعو لإنهاء الحصار ما زالت ضعيفة وتقتصر على جهات داخل المستوطنات المحيطة بقطاع غزة وتدفع ثمنا أكبر من بقية الإسرائيليين نتيجة الصواريخ وتوتر الأوضاع بشكل دائم”.
هل حقا على هذه الأرض ما يستحق الحياة؟ابريل الربيع الذي اصبح احمرا بلون الدم.و رائحة الحرائق والغازات السامة بدل من رائحة الخبز في الفجر.