■ نشر عدد من المواقع والصحف العربية والعالمية في الأسبوع الفائت خبرا حول احتجاز قوات سوريا الديمقراطية لعدد من عائلات وزوجات المقاتلين في تنظيم «الدولة الإسلامية» داخل مخيمات في ريف الرقة ومناطق أخرى تسيطر عليها.
وأشارت هذه الأخبار إلى أن كثيرا من النساء المتواجدات في هذا المعتقل هن من أصول أوروبية، كن قد رحلن أو مارسن حالة من «البداوة الجهادية»، وفق تعبير أوليفيه روا، عندما انتقلن من عدد من العواصم الأوروبية إلى مدن الجهاد والخلافة المتخيلة الجديدة.
وفي حين بررت القوات الكردية احتجازهن في سياق التحقيق معهن لمعرفة أخبار ما تبقى من تنظيم «الدولة»، تؤكد بعض التقارير أن بعض الدول الأوروبية مثل، فرنسا اشترطت إعادة هؤلاء النساء إلى مدنهن التي ولدوا فيها بشرط التخلي عن «أشبال الجهاديين» فهؤلاء الأطفال، وفقا لهذه الصورة ليسوا سوى وحوش صغيرة قد تتحول إلى مخلوقات تهدد قيم وأمن المجتمع الفرنسي بعد سنوات.
مشهد اعتقال نساء داعشيات من قبل جنود أوجلان والتغاضي الأوروبي عن هذا الامر، يكشف صور الأنوثة المتخيلة في المنطقة بشكل عام.
وفي حين أثارت هذه المواقف، وظروف المعتقل الذي تعيش فيه هؤلاء النسوة تعاطفا وردود فعل مؤسسات مدنية، مع ذلك فإن ما يلفت النظر في هذا المشهد والمكون من ثلاثة عناصر، جهاديات أوروبيات بدويات، وقوات سوريا الديمقراطية المسلحة، وموقف أوروبي سلبي، هو أننا نعثر على صورة مركبة لمواقف ومجموعات وقرارات تجمع بين العزل والذكورة والعنف، صورة قد لا تعكس ربما حالة فردية أو حدثا معينا، وإنما تكشف لنا عن واقع ما انتجته سنوات الحرب من تعريفات جديدة للذكورة والأنوثة بين مجموعات إسلامية وكردية وأوروبية، وهي تعريفات تبدو قريبة من بعضها ومن صياغتها رغم تنافر الأطراف أحيانا.
ولكي أكون أكثر وضوحا في هذه الزاوية، فمشهد اعتقال نساء داعشيات من قبل جنود أوجلان والتغاضي الأوروبي عن هذا الامر، لا يكشف لنا عن حكاية أمنية أو واقع ما آلت إليه الحرب والتوازنات العسكرية في تلك المناطق، وإنما يكشف بعناصره الثلاثة في أحد زوايا هذه الحكاية عما وصلت إليه صور الأنوثة المتخيلة في المنطقة بشكل عام، وهي أنوثة لا تعبر عن واقع ومورث محلي، بل عن تعريفات ومعان جديدة، أخذ يصنعها العالم والعنف المحلي على صورة النساء ودورهن مقارنة بالفترة التي كانت سائدة قبل 2010
سنبدأ في حكاية هذه الأنوثة المتخيلة بالعودة إلى رحلة الهجرة التي قام بها عدد من النساء الأوروبيات إلى أرض الخلافة. خلافا للقاعدة التي لم يبد فيها بن لادن والظواهري أي اهتمام بدور المرأة في العمل الجهادي، وتشديدهم على عدم مشاركة المرأة في الأعمال القتالية والحفاظ على دورها التقليدي في حفظ البيت ورعاية الأطفال وتنشئتهم على حب الجهاد، ربما التحول جاء، كما رصد كل من محمد أبو رمان وحسن أبو هنية، في كتابهما المشترك «عاشقات الشهادة» مع أبو مصعب الزرقاوي في العراق الذي ساهم في إدماج المرأة في الأعمال القتالية وغير القتالية. فخلال تلك الفترة عرف العراق حوادث اغتصاب عديدة للنساء في سجون الأمريكيين، الأمر الذي دفع الزرقاوي إلى دعوة المرأة للقتال في ظل تخاذل الرجال كما كان يقول.
أصبح نموذج المرأة الاستشهادية نموذجا أكثر قبولا ومشروعا، بعد أن كن مستبعدات من العمل الجهادي، مع نشوء «الدولة الإسلامية» أخذ موضوع جهادية النساء بعدا غير مسبوق، فبينما لم يتجاوز عدد النساء الجهاديات الأوروبيات أصابع اليد الواحدة قبل بروز «داعش»، أخذ المشهد الجديد يكشف عن ظاهرة ارتحال فتيات أوروبيات إلى عاصمة الخلافة. لا شك في أن وجود أراض شيدت عليها هذه العاصمة هو عامل حاسم في هذه الجاذبية، وإن كانت الدولة رفضت في الغالب مشاركتهن في القتال. لكن ما علاقة هذه الهجرة بحديثنا حول الذكورة المتخيلة؟
يبين كل من السوسيولوجي الإيراني فرهارد خسرو والتونسي فتحي بن سلامة في كتابهما المشترك «النساء وداعش» (ترجم قبل أيام قليلة للعربية) الذي شمل عينة من الجهاديات الفرنسيات، إلى أن الملاحظ في هذه التجربة أنه في مقابل المساواة بين الجنسين التي شهدتها مجتمعات ما بعد عام 1968، بدأنا نعيش مع هذه الموجة مرحلة من الانحدار الأنثروبولوجي لمفاهيم الأنوثة، وهو انحدار لا يتعلق هنا بالإسلام أو بتبني بعضهن لمواقف غاضبة من المجتمع العلماني، وإنما قد يعود إلى اختزال صورة ودور النساء في الحركات الإسلامية.
بعد ثلاثة عقود ومع قدوم تنظيم الإسلام القتالي العابر للحدود، مقابل تراجع في دور الإسلامية الموجهة إلى الدولة، نعثر على أنوثة متخيلة جديدة وعلى يد فتيات أوروبيات.
زينب الغزالي في مذكراتها حول علاقة النساء بالحرب، أشارت إلى أن الجهاد من أجل بناء الدولة الإسلامية بمفهومها آنذاك يتطلب تعديل أنماط السلوك الإسلامي التقليدي لبناء المجتمع المثالي في فترة ما بعد تأسيسها، هذه الفترة المؤقتة تتطلب رؤية أخرى لدور النساء وأولوياتهن في الجماعة الإسلامية «هل عليها أن تبقى في المطبخ؟ أم أن تخرج إلى ساحة المعركة؟ لن ينتاب المؤمنة الحقة أي حيرة، فليس أهم من إقامة الدولة الإسلامية». مريام كوك في دراستها لمذكرات الغزالي اعتبرت هذا الموقف بمثابة انقلاب على مفاهيم الذكورة والأنوثة الإسلامية التقليدية وتأسيسا لنزعة أكثر جذرية ومساواتية بين المرأة والرجل. بعد ثلاثة عقود ومع قدوم تنظيم الإسلام القتالي العابر للحدود، مقابل تراجع في دور الإسلامية الموجهة إلى الدولة، نعثر على أنوثة متخيلة جديدة وعلى يد فتيات أوروبيات. فهؤلاء النسوة، وفقا لخسرو وبن سلامة، لم يهاجرن بحثا عن المتعة وعن عوالم التشويق، بل لأنهن لم يعدن على إيمان بالرؤية النسوية الغربية وحراكهن الاجتماعي، فهن يعتقدن أن الأمومة وتربية الاطفال تبقى أجندات مهملة لدى هذه الحركات بخلافهن.
ورغم وجاهة هذا النقد الذي وجهه البعض لموضوع تأخير سن الإنجاب، مع ذلك فإن هؤلاء الجهاديات أخذن يختزلن دورهن في الإنجاب، هنا نشهد حالة انتكاسة أو «انحدار أنثروبولوجي»، على حد تعبير خسرو لصورة المرأة ودورها في الحياة اليومية. كما نشهد حالة من الانحدار في دور المرأة داخل عالم التيارات الإسلامية، إذا ما قورن بموقف زينب الغزالي ورؤيتها لدور الجهاد في تعديل القواعد التقليدية.
الحزب الكردي المقاتل، الذي طالما تغنى بصورة نسائه المقاتلات، نجده قبل أيام من الآن يشن معركة ضد الأنوثة المحلية الكردية في بقعة أخرى من دويلته المتخيلة.
الانحدار الأنثروبولوجي في دور المرأة يبدو أنه لم يتعلق فحسب في صورة السجينات الداعشيات، بل عاشه أيضا سجّانو مخيم الاعتقال، وأعني هنا قوات سوريا الديمقراطية. فالحزب الكردي المقاتل، الذي طالما تغنى بصورة نسائه المقاتلات، نجده قبل أيام من الآن يشن معركة ضد الأنوثة المحلية الكردية في بقعة أخرى من دويلته المتخيلة. بداية هذه المعركة كانت مع حفل أعدته فعالية نسوية في مدينة القامشلي السورية لانتخاب ملكة جمال المدينة. لكن يبدو أن هذا الحفل لم يرق لقيادات الحزب، وسرعان ما تطور هذا الموقف الغاضب من الحفل إلى نقد لاذع للفتيات المشاركات وللجهة المنظمة للحفل، لكونها لا تتوافق مع قيم وأخلاق «الأمة الديمقراطية». فالمرأة الكردية وفقا لهذا الرأي لا مكان في حياتها للهو والمرح أو للتعبير عن جوانب من أنوثتها، مكانها هو في ساحات المعركة إلى جانب الرجال لبناء الأمة.
قد لا يعد هذا الموقف جديدا على أيديولوجية الآباء المؤسسين للحزب (حزب العمال الكردستاني) حيال مشاركة المرأة الكردية ودورها في معاركهم مع الجيش التركي، كما أنه المقاربة الذكية التي قدمتها الأنثروبولوجية التركية أيما سنكلير حول «الخدمة العسكرية والرجولة في تركيا». إذ تبين للباحثة من خلال دراستها لتاريخ المؤسسة العسكرية التركية، إلى أن المؤسسات العسكرية (وهي في سياقنا الكردي السوري تتمثل في قوات سوريا الديمقراطية المعترضة على حفلة ملكة الجمال) غالبا ما تنزع إلى صنع مواطن من طراز آخر، محارب، منضبط النزاهة، ووفق تعبير قائد عسكري «نصنع زهرية فاخرة مستمدة من الطيب نفسه في المدارس العسكرية، أما المدارس المدنية فتنتج أباريق ذات نوعية رديئة». هذه الرؤية العسكرية لدور المواطن وشكله غالبا ما تولد وفقا للباحثة رؤية جديدة للجندر، ففي الوقت الذي يغدو فيه المقاتل هو صانع وفخر الأمة، تغيب في هذه المعادلة ثنائية الذكر والأنثى، أو المساواة بين الرجل والمرأة لصالح ثناية عسكري/ مدني رديء، كما تختفي صورة المرأة لصالح صورة الكائن المقاتل.
وبالمقارنة بين مقاربة أيما سنكلير لدور المؤسسة العسكرية مع تصريحات القيادي الكردي الدار خليل حول حفل ملكة الجمال، نجد أن الأخير يقترب كثيرا من صورة الرؤية العسكرية التركية وربما من مواقف شمولية عديدة. فالدار خليل يشير في أحد تعليقاته إلى أن ما حدث يتنافى مع أخلاق الأمة الديمقراطية الكردية، ومع تضحيات صانعات الأمة الكردية، إذ لا دور للفتاة الكردية اليوم وغدا ربما، إلا دور واحد يتمثل في الوجود في صحراء الرقة ودير الزور، وهي ترتدي لباساً عسكريا في سبيل صناعة الأمة الجديدة (للسوسيولوجي الإيراني آصف بيات قراءة مشابهة حول مواقف الخميني من حفلات الغناء، ويصفها بأيديولوجية « الأحزان»)، أما أولئك النسوة اللواتي يرتدين ألبسة جميلة وأنيقة فهن لا ينتمين لهذه الأمة وأخلاقها، فهذه السلوكيات ليس سوى امتداد لقيم الاستهلاك الغربي (إحدى مفارقات الحزب) في حين المطلوب منهن رمي هذه الثياب والالتزام بعالم الأحزان والرجولة (أجبرت بعض الفتيات المتسابقات لاحقا على الاعتذار لمشاركاتهن في هذه المسابقة). في هذه المعادلة لا مكان لقيم الأنثى أو مساواة لها مع الرجال، وإنما تصبح جديرة بالاعتراف في حال دخلت عالم الذكورة وتشبهت بهم في شكلها وكلامها.
تغيب صورة المرأة لصالح مخيال أوروبي قاصر لا ينظر لحقوق النساء أو وضعهن في الحروب، وتراجع عن قيم الأمة والمساواة لصالح رؤية تتجاهل أو تهمش أي رؤية أنثوية لا تتوافق مع قيم الأنوثة التي صنعتها الأمة الفرنسية.
وبالانتقال إلى الصورة الثالثة، وعودة بعض التقارير، تشير بعض الأخبار إلى أن فرنسا اشترطت لإخراج مواطناتها من هذا المعتقل تخلي الأمهات في المقابل عن أولادهن، وإلا فهي غير مسؤولة عن إعادتهن أو حتى التفكير بوضعهن في المعتقلات الجماعية التي وضعوا فيها. حالة قد لا تختلف كثيرا من حيث المضمون عن الحالات السابقة، فالنساء هنا أيضا يخضعن ربما لتعريفات الدولة للذكورة والأنوثة، فالأنثى الفرنسية هي تلك الأنثى التي لا تنجب سوى مواطنين صالحين، أما في حال تمسكت بأشبالها الصغار (أولاد الجهاديين) فهي بذلك لا تقترب من مخيال الأنوثة الفرنسي.
لا مجال هنا لجانبها الأنثوي أو الحقوقي، بل هناك نوع من التماهي بين صورة هذه المرأة مع صورة الجهادي من حيث الخطورة. لا فرق بينهما اذن، هنا تغيب أيضا صورة المرأة لصالح مخيال أوروبي قاصر لا ينظر لحقوق النساء أو وضعهن في الحروب، تراجع عن قيم الأمة والمساواة لصالح رؤية تتجاهل أو تهمش أي رؤية أنثوية لا تتوافق مع قيم الأنوثة التي صنعتها الأمة الفرنسية. وبذلك نجد أن مشهد اعتقال جهاديات أوروبيات يحرسهن سجانون أكراد لا يرون أي دور للمرأة الكردية خارج حياة القتال، مع تعريف فرنسي ضيق للأنوثة يكشف لنا عن أنوثة متخيلة جديدة في الشرق الأوسط، وهي أنوثة لم تنتج عن قيم بطريركية محلية، بل عن تفاعل بين العالمي والديني والمحلي وقوى الحرب.
٭ كاتب سوري
لم تكن المراة ذات يوم سجينة الطبيعة التى الفتها البيئة التى تنشا فيها المراة فالتاريخ مكننا من معرفة الكثيرات المقلاتلات فى كل حركات التحرر والمقاومة وفى العصور الغابرة قامت المراة بما يمكنها القيام به حسب طبيعة جنسها ومدى قدرتها على التمكن بما هو ممكن بالنسبة لها
مع نهاية القرن التاسع عشر وفى الجزائر تمكنت المراة من ان تسجل لنفسها امجادا لا مثيل لها
أفدِي ظِبَاءَ فَلاةٍ مَا عَرَفْنَ بِهَا…. مَضْغَ الكلامِ وَلا صَبغَ الحَواجيبِ