إسطنبول – إحسان الفقيه: البيان السعودي الذي أعلن عن جولة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان العربية، قبيل قمة الأرجنتين، لم يكن مفصلا بما فيه الكفاية لمحطات جولته أو المواضيع التي ستتناولها، ما ترك الباب مفتوحا لتكهنات المراقبين وما يتم تداوله عبر وسائل الإعلام حول أهدافها، دون الإستناد إلى مصادر رسمية في غالب الأحيان.
وتوحي صيغة البيان التي أشارت إلى أن جولة ولي العهد، محمد بن سلمان، جاءت بتوجيه من الملك سلمان بن عبد العزيز، بأن الهدف هو التأكيد على وحدة صف الأسرة الحاكمة، وتمسك الملك بابنه ودعمه الشخصي له وثقته العالية بسياساته.
قد لا تبدو الإشارات التي بعثها بيان الديوان الملكي تعكس واقع الداخل السعودي الذي يسير باتجاه تبلور بلورة راغب بإجراء تغيير حقيقي في الإدارات العامة ذات الصلة بمقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، لضمان عدم تكرار ذلك مرة أخرى، وإعادة صياغة عملية اتخاذ القرار وفق آليات مغايرة، تستند إلى ما عرفت به الدولة السعودية طيلة عقود من الارتكاز إلى دائرة واسعة من المستشارين ذوي الكفاءة والخبرة، بعد الأخطاء الكارثية التي تسبب بها مستشارون لولي العهد، مثل سعود القحطاني.
ففي 22 نوفمبر/تشرين الثاني، أصدر الديوان الملكي بيانا تحدث عن توجيه العاهل السعودي وحرصه على “تعزيز علاقات المملكة إقليميا ودوليا، واستمرار التعاون والتواصل مع الدول الشقيقة في المجالات كافة”، واستجابة للدعوات المقدمة من بعض الدول، غادر ولي العهد المملكة في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2018 لزيارة عدد من الدول العربية الشقيقة.
إلا أن تقارير إعلامية تحدثت عن أن جولة ولي العهد السعودي ستشمل ست دول عربية، الإمارات والبحرين ومصر وتونس، ثم (تشمل بعد مشاركته في قمة الأرجنتين) الجزائر وموريتانيا، فيما لم يتم تأكيد تقارير أخرى تتحدث عن احتمالات زيارة الأردن في ختام جولته العربية بعد عودته من العاصمة الأرجنتينية.
في محطته الأولى في دولة الإمارات، أظهر كلٌ من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وحليفه الأوثق ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد حميمية واضحة في العلاقات بينهما، عكستها زيارات عدة للأسواق وسباق الجائزة الكبرى للفورمولا واحد في أبي ظبي التي على هامشها تم تصويره مع ملك إسبانيا السابق خوان كارلوس والرئيس الشيشاني رمضان قديروف وآخرين.
وفي محطته الثانية في مملكة البحرين، بحث ولي العهد السعودي مع نظيره البحريني، الاثنين 26 نوفمبر/تشرين الثاني، فرص تطوير العلاقات الثنائية في مختلف المجالات ومسائل ذات اهتمام مشترك.
ودشن الملك حمد بن عيسى آل خليفة وولي العهد السعودي محمد بن سلمان خط أنابيب النفط الجديد، بمعدل ضخ يصل إلى 220 ألف برميل نفط يوميا من المؤمل بلوغها 350 ألف برميل يوميا، عبر أنابيب يبلغ طولها 110 كيلومترا، تربط معامل بقيق السعودية بمصفاة باكو البحرينية.
في القاهرة محطته الثالثة، استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال زيارة استمرت يومين، غادرها إلى تونس محطته العربية الرابعة التي مكث فيها ساعات قبل مغادرته إلى الأرجنتين لحضور قمة العشرين المقرر انعقادها يومي الجمعة والسبت هذا الأسبوع.
بدت محطة القاهرة الأكثر أهمية من المحطات العربية الثلاث الأخرى في إطار جولة ولي العهد السعودي الأولى خارج السعودية منذ حادثة مقتل جمال خاشقجي.
بحسب البيانات الرسمية، ركزت مباحثات الطرفين على “تسيير الاتفاقيات العالقة بين البلدين”، ومواجهة التدخلات الإيرانية في المنطقة، والتزام مصر بأمن الخليج، وجددا التمسك بالشروط التي وضعتها الدول الأربع (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) وعدم التنازل عنها لإنهاء المقاطعة على قطر.
ورحبت تونس على الصعيد الرسمي بزيارة ولي العهد، محطته العربية الرابعة، خلافا لموجة احتجاجات شعبية ساخطة ورافضة للزيارة، على خلفية ما تشير إليه شعارات المحتجين حول “جرائم حرب” في اليمن ومسؤولية ولي العهد عن مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول في 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وفي تونس الدولة الوحيدة في جولته خارج التحالف الرباعي ضد دولة قطر، قررت مجموعة من خمسين محاميا تكليف نشطاء في المجتمع المدني وصحافيين بتقديم شكوى قضائية لدى المحاكم التونسية لمنع ولي العهد السعودي من زيارة تونس.
ولم يتوان النشطاء التونسيون في رفع شعارات تحاكي شعارات جماعة الحوثي اليمنية في إطلاق (الموت لأمريكا والموت لإسرائيل واللعنة على آل سعود) في استجابة رمزية لرفض ما يعتقده هؤلاء النشطاء بارتكاب جرائم حرب ضد اليمنيين.
اللجنة الثورية العليا في اليمن التي يرأسها محمد علي الحوثي، أصدرت بيانا بشأن ما أسمته “الرفض العربي لزيارة ولي العهد السعودي” توجهت فيه “بالشكر والتقدير إلى الأحرار ممن أصدروا تلك المواقف في الدول العربية كتونس ومصر والجزائر وموريتانيا وغيرها، في دلالة على حرية أصحابها ويقظتهم”.
لم تشهد زيارته لدولة الإمارات والبحرين، أي احتجاجات لافتة أو انتقادات علنية خلافا لما شهدته زيارته لمصر التي قوبلت برفض من بعض منظمات المجتمع المدني وعشرات الصحافيين.
أما الشوارع التونسية فقد شهدت نشاطات واسعة احتجاجا على زيارة ولي العهد السعودي نظمتها نقابات مهنية ومحامون وناشطون في وسائل التواصل الاجتماعي وصحافيون.
تقارير نقلت عن مصادر دبلوماسية “مطلعة” أن محمد بن سلمان سيزور العاصمة الموريتانية في الثاني من ديسمبر/كانون الأول، أي في طريق عودته من العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس التي وصلها مساء الأربعاء 28 نوفمبر/تشرين الثاني.
وقبيل زيارة ولي العهد السعودي، انقسم الشارع الموريتاني بين “مرحب” بالزيارة ورافض لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي يغلب على خطابها العام الرفض القاطع للزيارة.
وزيارة ولي العهد هي الأولى لمسؤول سعودي رفيع المستوى منذ زيارة الملك فيصل بن عبد العزيز عام 1972، أي بعد 12 سنة من استقلال موريتانيا.
واستبقت الحكومة الجزائرية زيارة ولي العهد السعودي بموقف رسمي عبر عن “ثقتها بالعدالة السعودية”، في ذات الوقت الذي أدانت فيه “اغتيال المواطن السعودي جمال خاشقجي”، حيث تربط الجزائر مع المملكة العربية السعودية “علاقات متينة وتتقاسم معها مصيرا مشتركا”.
ويرى مراقبون أن جولة ولي العهد على الدول الست تأتي في سياق مساعيه لـ”تلميع صورته” التي اهتزت بعد إشارات إلى “تورطه” بمقتل الصحافي جمال خاشقجي.
آخرون يرون أن السعودية تحاول شراء تأييد الدول محدودة الموارد، ومنها موريتانيا، والضغط عليها لمسايرة سياسات المملكة في المنطقة في قضايا خلافية تتعلق بالمقاطعة المفروضة على دولة قطر والحرب في اليمن والتطبيع مع إسرائيل وقضايا أخرى.
من بين قلة من الدول العربية، تبنت موريتانيا قرار دول الرباعية في مقاطعة دولة قطر وقطع جميع أنواع العلاقات معها، واتخاذ قرارات إجرائية تضمنت إغلاق الحكومة الموريتانية للعديد من المنصات والمنابر والمنظمات والمدارس المحسوبة على الإسلام السياسي.
ومن المنتظر أن يواجه ولي العهد خلال زيارته المرتقبة إلى موريتانيا حملة رفض واسعة في الشارع الموريتاني.
ومن الواضح أن الجولة الخارجية لولي العهد – التي سبقتها جولات داخل المملكة رافق خلالها الملك سلمان بن عبد العزيز – تهدف إلى إعادة بناء صورة ولي العهد وتعزيز العلاقات مع الدول العربية الحليفة، وضم دول أخرى إلى ما يشبه المحور الذي ينوي ولي العهد تشكيله من دول عربية، لتفادي تداعيات مقتل جمال خاشقجي والحرب في اليمن على سمعة المملكة وصورة ولي العهد.
كما أن جولته الخارجية يراد منها بعث الطمأنينة في رسالة مزدوجة إلى الدول الحليفة، والداخل السعودي، بصلابة نظام الأسرة الحاكمة وتماسكها ردا على تقارير تحدثت عن حالة من عدم الانسجام بين ولي العهد وأمراء آخرين يتخوفون أن تؤدي سياساته إلى تقويض حكم آل سعود.
الجزء الأول من جولته العربية عكس في محطاته الأربع والتغطية الإعلامية المصاحبة له نوعا من الرغبة لدى ولي العهد للظهور أمام قادة العالم في بوينس أيرس بالشكل الذي يوحي لهم بأنه لا يزال يلعب دورا محوريا في بناء التحالفات والشراكات في المنطقة، وقدرته على إدارة البلاد والتعاطي مع ملفات المنطقة من موقع صاحب القرار الأول بالمملكة. (الأناضول)