جون كيري و’النزاهة’

حجم الخط
0

تلا يستطيع وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري أن يكون وسيطا نزيها. ولم يكن أي وزير خارجية امريكي قط وسيطا نزيها، فقد كان انحيازهم الراسخ الى اسرائيل صارخا دائما. ولم يكن أقل من ذلك سفورا وقاحة الجهات اليمينية ووزراء الحكومة التي لا تُحتمل والتي يُظهرونها الآن في هجومهم على كيري بقولهم إنه ‘منفصل عن الواقع’، الواقع الذي يُلزم فيه وزير الخارجية أن يؤيد كل أخطاء اسرائيل. وقد تحول كيري ايضا، وهو متزن ومُقدر للامور جدا ومناصر لاسرائيل جدا، تحول في نظر اليمين الى ‘وسيط غير نزيه’. فهل توجد وقاحة أكبر من هذه؟ إن اسرائيل تشاغب في المناطق في ذروة تفاوض؛ وليس في نيتها التوصل الى اتفاق عادل مع الفلسطينيين. وتحاول اسرائيل ايضا أن تُفسد الاتفاق مع ايران، ويهددها رئيس وزرائها بحرب في وقت أصبحت التغييرات العميقة فيه ثابتة وأصبح كيري الذي يحاول بكل ما أوتي من قوة التوصل الى اتفاقات منبوذا في نظرها. بل’ إنها ترتاب فيه أن له قناة محادثات سرية مع ايران فكيف يتجرأ على فعل ذلك دون إذن منها؟.
لو أن كيري كان وسيطا نزيها لمزق منذ زمن قناع التضليل عن وجه اسرائيل وقال بصورة قاطعة: لا يوجد شريك اسرائيلي لا مع الفلسطينيين ولا مع ايران. ولو أنه كان وسيطا نزيها (وصديقا حقيقيا لاسرائيل) لعمل كي تدفع اسرائيل ثمنا عن ذلك. لكن كيري ليس وسيطا نزيها بل هو مستمر في المشاركة في حفل الأقنعة الذي كأنما يوجد فيه نية اسرائيلية وكأنما يوجد تناسب بين الفلسطينيين واسرائيل، ويجب عليه هو الوسيط أن يتوسط بين الاثنين فقط، لكن الحقيقة أن اسرائيل لم تغير شيئا من موقفها العنيد بازاء التنازلات التاريخية التي قام بها الفلسطينيون منذ زمن، وراكمت فقط شروطا اخرى لا تُطاق. ولم تقم اسرائيل بأي تنازل بازاء جهد الفلسطينيين لمنع الارهاب المنظم وامتناعهم عن النضال في الساحة الدولية ما عدا إفراجا سخيفا عن بضع عشرات من السجناء الكبار السن مع حملة تحريض هوجاء. فكان يجب على الوسيط النزيه أن يقول ذلك للعالم.
واسرائيل تضلل في الجبهة الايرانية ايضا: فالحقيقة التي تثير الكآبة هي أن كل شيء ليس قصفا لا تعده شيئا. بل يُخيل إلينا احيانا أنه اذا تم احراز اتفاق استسلام ايراني مع نقض كل المفاعلات الذرية والمواقع وآلات الطرد المركزي فان ذلك لن يكفي اسرائيل بل ستقول إنها خدعة. يجب على جهة ما أن تقصف وليكن ما كان. إن الـ 68 بالمئة من الاسرائيليين المغسولي الأدمغة الذين وصلتهم أذرع التخويف، والذين قالوا لاستطلاع ‘اسرائيل اليوم’ الذي نشر أول أمس إن اسرائيل تستطيع أن تقصف وحدها دون أن يعلموا علما حقا أن الأمر كذلك، يتوقون الى القصف. وأنه اذا كان ذلك ممكنا فلم لا. وكذلك كانت الحال في سوريا إذ أرادت اسرائيل القصف الى أن أدت روسيا والولايات المتحدة الى اتفاق ممتاز أزال التهديد الكيميائي عن اسرائيل وجعل الحاجة الى الكمامات أمرا مُستغنى عنه. ولم يكن هذا جيدا بقدر كاف ايضا في نظر اسرائيل، فلو أن الامر كان معلقا بها لما تم احراز هذا الاتفاق لأنه لم يشمل قصفا.
تواجه اسرائيل الآن في طهران ورام الله أكثر قيادتين معتدلتين يمكن أن تخطرا بالبال. وليس الامر كذلك في تل أبيب حيث تتحصن القيادة الأشد رفضا. فقد كان على كيري أن يقول هذا لو أنه كان وسيطا نزيها. واذا لم يكن هو يعتبر نزيها فمن يكون؟.
ربما يكون ابراهام فوكسمان، رئيس رابطة مكافحة التشهير الذي يعتبر كل تقرير مخالفة سير يكتبه شرطي امريكي لسائق يهودي واقعة معادية للسامية، ربما كان هو يحقق جميع الأشواق الاسرائيلية. إن دعما آليا وصارخا وأعمى لاسرائيل ولشهوتها للقصف وطمعها العقاري واستيطانها الأهوج كان سيجعله وسيطا نزيها في نظر حكومتها. وكان سيُحل بصورة نهائية وباء الفصل العنصري في المناطق ويؤيد قصف سوريا وايران. وقد وبخ فوكسمان كيري وعرّف كلامه النقدي التعريضي بأنه ‘غير مناسب’، وهو شيء يجعله أهلا للمنصب: فليُعين فوكسمان وزيرا للخارجية الامريكية وربما يأتي الخلاص الى صهيون بذلك.

هآرتس 17/11/2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية