يحتوي ألبوم «موسيقى من أعمال جيمس جويس» الصادر سنة 2004، على خمس عشرة أغنية، ذكرها الأديب الأيرلندي جيمس جويس في مؤلفاته، وربطها بأحداث وشخصيات قصصه ورواياته، بالإضافة إلى مقطوعة موسيقية تم ذكرها أيضاً، وقصيدة من أشعاره الملحنة.
تؤدى جميع الأغنيات بصوت التينور كيفين ماكديرموت، الذي يصاحبه عازف البيانو رالف ريتشي، ولا وجود لأي آلات موسيقية أخرى. وتطغى أجواء أواخر القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين، وكذلك الأجواء الخاصة بعالم جيمس جويس الأدبي، من خلال بعض الإشارات والملامح، فهذا الألبوم ليس ألبوماً عادياً، وعند الاستماع إليه، لا يكون الهدف هو تذوق جمال الأغنيات، والتمتع بها حسب، بل الرغبة في الاقتراب من جيمس جويس، واكتشاف جانب من نفسه وإبداعه، مهما كان هذا الجانب بسيطاً، ولا يمثل سوى نقطة في بحره الهائل، وكذلك الفضول الذي يغلب المرء، ويدفعه إلى معرفة الموسيقى التي كانت تدور في ذهن هذا الكاتب الفذ، الذي يعد من أهم كتاب القرن العشرين، والكلمات الغنائية التي كان يرددها، إلى درجة أنه قرر حفظها وسط كلماته الخالدة. كما يتيح هذا الألبوم فرصة الدخول، السهل نوعاً ما، إلى عالم جيمس جويس من خلال الشروح المتوفرة للأغنيات، بعيداً عن أبوابه المغلقة وأسواره المرتفعة، والإحباطات المتتالية التي قد تصيب بعض من يحاولون قراءة أعماله الصعبة، وتحديداً رواية «يوليسيس» أو «عوليس» أو «أوليسيس» وفقاً لترجماتها المختلفة.
وجويس هو الأديب الذي استطاع أن يحول ثماني عشرة ساعة، الزمن الكامل الذي تقع فيه أحداث الرواية، إلى ما يزيد على سبعمئة صفحة.
رواية القرن العشرين
خرجت رواية «يولسيس» إلى الوجود سنة 1922، لتكون تحفة القرن العشرين الأدبية، وتفتح الطريق أمام تقنيات الحداثة، والأدب الجديد وتيار الوعي، بهيكلها الفريد وكل ما يقال عنها، من أنها ليست مجرد رواية، وإنما هي إلياذة العصر الحديث، التي وظفت إلى جانب تقنيات الأدب، كلا من تقنيات السينما والموسيقى والمسرح، والهندسة والرياضيات والفيزياء. وجويس هو الأديب الذي استطاع أن يحول ثماني عشرة ساعة، الزمن الكامل الذي تقع فيه أحداث الرواية، إلى ما يزيد على سبعمئة صفحة. وتتكون الرواية من ثمانية عشر فصلاً ومئتي شخصية، لكن الشخصيات الأساسية هي، السيد بلوم، وموللي بلوم، وستيفن ديدالوس. أما ذلك اليوم الذي تتناوله الرواية، وخلّده جويس في عمله الكبير، فهو يوم الخميس 16 يونيو/حزيران من سنة 1904، ويقال إنه اليوم الذي التقى فيه جيمس جويس، بحبيبته نورا بارنكل، التي صارت زوجته في ما بعد، وأنجب منها ابنه وابنته.
ولد جيمس جويس في أيرلندا سنة 1882، وتوفي في سويسرا سنة 1941، ويقال إنه كان عاشقاً للموسيقى والغناء، يؤدي بصوته ويمتلك صوت تينور خفيف، ويضع بعض الألحان، كما أن له بعض الصور وهو يعزف على الغيتار والبيانو، وكذلك كانت ابنته لوسيا راقصة باليه محترفة، لكن مسيرتها في هذا الفن تأثرت بفعل مرضها النفسي.
لهذا الألبوم إذن تجربته السماعية المختلفة، ولا يُفتقَد فيه جمال الصوت والموسيقى، وثراء الكلمات المغناة، حيث تذهب كل أغنية بالسامع إلى مشهد من روايات جيمس جويس وأشعاره، وأشعار لكتاب آخرين، وحكايات قديمة، ومناطق جغرافية بعيدة عن موطن الأديب، والمزاج الغنائي في نهايات القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وكما أن رواية يوليسيس هي الأشهر من بين أعمال جيمس جويس، فإن الكثير من أغاني الألبوم تقود سامعها إلى هذه الرواية، كما تقوده بعض الأغنيات الأخرى، إلى قصص «أهالي دبلن» ورواية «صورة الفنان كشاب» ورواية «يقظة فينيغان» وغيرها. وتقوده إلى بعض الشخصيات أيضاً، كشخصية ليوبولد بلوم، وشخصية ستيفن ديدالوس، التي تمثل شخصية جيمس جويس نفسه، كما يقال، وستيفن ديدالوس شخصية خيالية مهمة في عالم جويس الأدبي، تكرر ظهورها في أكثر من عمل، فقد ظهرت للمرة الأولى سنة 1916 في رواية «صورة الفنان كشاب» ثم في رواية يوليسيس سنة 1922، بالإضافة إلى شخصية موللي بلوم، وبعض الأماكن المهمة المذكورة في رواية يوليسيس كبيت دعارة بيلا كوهين.
أغنيات الألبوم
كما تذهب بعض الأغنيات بالسامع إلى الكاتب الأيرلندي توماس مور، وهو من الكتاب السابقين على جويس، ويبدو أن جويس كان معجباً بكتاباته وبأشعاره المغناة، ذلك أنه كرر ذكرها في أعماله. أما أشعار جويس نفسه وما كتبه من قصائد، فهي ما يبدأ به الألبوم، وأول ما يصغي إليه السامع، ليتعرف على جويس كشاعر، من خلال أغنية «وداعاً للأيام الطفولية» وهي قصيدة قصيرة تحمل غنائيتها وموسيقاها في داخلها، وتتحدث عن فتاة تودع أيام الطفولة، بعد أن عرفت الحب ووقعت في الغرام، وصارت أنثى عاشقة. هذه الأغنية هي القصيدة الوحيدة، من قصائد جيمس جويس التي تضمنها الألبوم.
ومن أشعار توماس مور 1779 – 1852 المغناة في هذا الألبوم، أغنية «مويل» التي ذكرها جيمس جويس في رواية يوليسيس، ورواية يقظة فينيغان، وكذلك في قصة من قصص أهالي دبلن، والأغنية مستوحاة من حكاية قديمة عن الأميرة ابنة لير ملك البحار، التي حولتها زوجة أبيها إلى بجعة، وربما يكون لهذه الحكاية ارتباط بمسرحية الملك لير لشكسبير. وقصيدة أخرى لتوماس مور أيضاً، عنوانها «الليلة الثابتة» وضع لها الموسيقى جون ستيفنسون، وذكرها جيمس جويس في رواية «صورة الفنان كشاب» حيث يستمع بطل الرواية إلى هذه الأغنية وتؤثر فيه، إلى درجة أن تجعله يرغب في البقاء في أيرلندا، بالقرب من إخوته، بدلاً من السفر لتحقيق ذاته كفنان. وهناك كذلك بعض الأغاني التي ألفها كتاب آخرون، لكنها مستوحاة من قصائد توماس مور، وكان لها مكانها في روايات جويس.
وتعد أغنية «ذا بلوم» من أكثر الأغنيات المرتبطة برواية يوليسيس، وشخصية ليوبولد بلوم تحديداً، وأغنية «ماباري» التي يغنيها سيمون ديدالوس، ويسمعها بلوم وهو يفكر في موللي، ويكتب خطاباً إلى صديقته مارثا.
ومن أغنيات الألبوم الطريفة، أغنية «فتاتي من يوركشاير» وهي ترتبط برواية يوليسيس، وتدور حول رجلين يكلم كل منهما الآخر عن حبيبته، فيلاحظا التشابهات تدريجياً، ويكتشفان أنهما يتحدثان عن فتاة واحدة، وعندما يقرران الذهاب إلى بيتها لمواجهتها بخداعها لهما، يجدان زوجها هو من يفتح لهما الباب.
وكذلك أغنية «المدينة المقدسة» التي ذكرها جيمس جويس للمرة الأولى في رواية «البطل ستيفن» حيث كان الأب موران ينصح ستيفن بتعلم الأغنية، والمرة الثانية التي ذكرت فيها هذه الأغنية، كانت في رواية يوليسيس، عندما كان ليوبولد بلوم، يحلم بأن يصبح رئيس مدينة دبلن، وهو يستمع إلى هذه الأغنية الصادرة من الغراموفون الموجود في بيت دعارة بيلا كوهين.
وتعد أغنية «ذا بلوم» من أكثر الأغنيات المرتبطة برواية يوليسيس، وشخصية ليوبولد بلوم تحديداً، وأغنية «ماباري» التي يغنيها سيمون ديدالوس، ويسمعها بلوم وهو يفكر في موللي، ويكتب خطاباً إلى صديقته مارثا. وترتبط أغنية «سقوط الجندي» بقصة «الموتى» من مجموعة أهالي دبلن، حيث تم الحديث عن تينور إيطالي، كان يغني هذه الأغنية ويذهل الجمهور بنغمة السي المرتفعة، التي يستطيع أن يؤديها بإتقان لخمس مرات متتالية. وهناك بعض الأغنيات الأيرلندية القديمة، من رواية يوليسيس أيضاً، كأغنية «باكد كار» وأغنية «كروبي بوي» ومن رواية «صورة الفنان كشاب» توجد أغنية بعنوان «روزي». وأغنية «صالات الرخام» من مجموعة أهالي دبلن، وتحديداً قصة «إيفلين» والأغنية في الأصل آريا من أوبرا أيرلندية قديمة، بعنوان «الفتاة البوهيمية، المستوحاة بدورها من قصة الغجرية لسيرفانتس، وفي قصة جويس، كان البطل كلاي، يصحب البطلة إيفلين لمشاهدة هذه الأوبرا.
والقطعة الموسيقية الوحيدة في الألبوم، هي قطعة بعنوان «بلومنلايد» للمؤلف جوستاف لانج، ويأتي ذكرها في رواية يوليسيس عندما يشتريها السيد بلوم. وكذلك أغنية «الفتيات الجميلات» يتم ذكرها في إحدى الرسائل الخاصة به. وأغنية بعنوان «أغنية الحب القديمة» التي تغنيها موللي بلوم في الرواية. وهناك أغنية بعنوان «أغنية بريجيد» مستوحاة من كلمات جيمس جويس، على لسان بطله ستيفن ديدالوس في رواية «صورة الفنان كشاب». أما أغنية «سأغني لك أغنيات عربي» فهي مستوحاة من القصة الثالثة من مجموعة أهالي دبلن، التي تحمل عنوان «عربي» وفيها يعد البطل حبيبته بالحب على الطريقة العربية، عندما كانت الحضارة العربية مثال الرومانسية والمشاعر الدافئة والخيال البديع.
كاتبة مصرية
نفتقد كثيرا في هذا الركن حقا كتابات الكاتب المثقف والمبدع نضال جمهور عسى المانع من نشر كتاباته ان يكون خيرا – وحشتنا اوي
مع احترامنا و تقديرنا للكاتب الدي ذكرته .. و هو قد زج باسمه ههنا بدون ارادته ..
.
فهذا الركن هو للدكتورة مروة صلاح متولي .. و ارى ان هذا بديهي
هذا المنبر ، وليس فقط هذا الركن، مفتوح على مصراعيه لكل الناس المحترمين والمحترمات
لكن المعلقة اعلاه تحدتث عن الركن .. و ليس المنبر .. اليس كذلك ..
شكرا على هذه اللمحة العامة – العميقة والطريفة – عن “موسيقى” دجويس.
شكرا جزيلا لك
@ حنان درويش
صحيح هذا الركن ركن يوم الثلاثاء خاص بالزميل المحترم الكاتب الأردني نضال جمهور، وأنا موجودة هنا بشكل مؤقت فقط لحين عودته إلى هذا الركن الخاص به قريبا إن شاء الله. تحياتي
شكرا للدكتورة مروة التي تناولت في هذا المقال مجالا إبداعيا قلما ينتبه إليه القراء الذين يتابعون النتاج الشعري للشاعر جيمس جويس. كنت دائما أعتقد أنه شاعر إنجليزي إلى حين قراءة هذا المقال المتميز كما تعودنا في مقالات دكتورتنا العزيزة خصوصا و أن الانجليز دأبوا على اعتبار كل البريطانيين إنجليزا كما يقول أهل اسكتلندا بالخصوص. تحياتي الصادقة.
تحياتي أستاذ هيثم . ما أسعدني وأنا أكتب لحضرتك وأنا أشاهد الآن احتفالات استقبال المنتخب المغربي العظيم على شاشة القناة الأولى المغربية. وتجولهم في شوارع الرباط العزيزة رافعين العلم المغربي. ربنا يديم الفرحة والتقدم ويحفظكم من كل شر يا رب.
كامل شكري وتقديري على المشاعر الإنسانية النبيلة التي عبرت عنها.
ألبوم موسيقى من اعمال روائي عظيم فكرة مدهشة تحيلني على سؤال هل ممكن ان تستسنخ الفكرة عربيا و نشهد ألبوما
–
موسيقيا وردت اغانيه على لسان ابطال روائي عربي سيكون الامر مثيرا اتمنى حدوث ذلك اشكرك اختي مروة على فكرة المقال
–
الواصلة بين الادب و الموسيقى مزيدا من التوفيق تحياتي
تحياتي أخي خليل. وقبل كل شيء ألف مبروك الاستقبال الرائع. ولا غلطة ما شاء الله. وشكرا للمغاربة على لحظات الفرحة والجمال والأمل. أما الألبوم يا سبدي فالفكرة رائعة فعلا . هم يعرفون كيف يستفيدون من كنوزهم الأدبية ويقدرونها. أحيي فيك دائما تلك الرغبة في أن ترى مثل هذه الأشياء الجميلة منفذة عربيا. وأنا كنت أشاركك في هذا. لكن الآن أصبحت أخشى أن يحدث وأن يقترب أحد من أدبائنا وفنانينا العظماء وأن يتركوهم فقط يرتاحون في قبورهم. ويتركون لنا الذكرى الجميلة على الأقل بلا تشويه. فعلا بقيت أتوتر كلما سمعت عن معالجة لرواية قديمة أو إعادة انتاج فيلم قديم او مسرحية قديمة. أو اللهم احفظنا مسلسل سيرة فنان قديم وتمثيل شخصيته بممثل جديد.
أخ (قلم الرصاص) لا أعتقد أن استنساخ الفكرة عربيا، كما تأمل، ممكن إن لم يكن مستحيلا، لماذا؟ – لأننا هنا أمام شخصية عبقرية مبدعة فذة كمثل جيمس جويس بوصفه روائيا وشاعرا وناقدا من الدرجة الأولى، وبالإضافة إلى كونه مؤلفا موسيقيا ومغنيا أوبراليا من الدرجة الأولى كذلك