باشر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن جولة أولى في الشرق الأوسط تشمل القدس ورام الله والقاهرة وعمّان والتقي برئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، والرئيس الفلسطيني محمود عباس وسيلتقي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني. وقد سبقت وصول بلينكن تصريحات من الرئيس الأمريكي جو بايدن ترسم إطارات عريضة لأهداف اجتماعات وزير خارجيته، في أنها أساساً سوف تبحث التزام الولايات المتحدة «الراسخ» بأمن دولة الاحتلال، ومساعي الإدارة لبناء العلاقات ودعم الشعب الفلسطيني والقيادات الفلسطينية بعد سنوات من الإهمال».
وتبدو هذه التصريحات بمثابة تتويج لسلوك إدارة بايدن خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، سواء لجهة تمكين دولة الاحتلال من متابعة العدوان خلال 11 يوماً وتعطيل أي إجراء داخل مجلس الأمن الدولي يتوخى وقف إطلاق النار بما في ذلك الاكتفاء بإصدار بيان، أو لجهة الامتناع عن ممارسة ضغط ملموس وفعال على نتنياهو خاصة بعد أعمال القصف الهمجية التي طالت الأبراج السكنية ولم توفر مكاتب وسائل الإعلام العالمية والأمريكية. كذلك لم يتأخر بايدن في ارتكاب الخطأ المزمن الذي وقعت فيه إدارات أمريكية سابقة، أي وضع كامل أبناء القطاع المحاصر في سلة العداء الأمريكي لحركة حماس، والتصريح بأن بلينكن سيناقش «الجهد الدولي لضمان وصول مساعدات فورية إلى غزة بطريقة تفيد الشعب هناك وليس حماس».
وتجدر الإشارة هنا إلى أن إدارة بايدن عادت مجدداً إلى اعتناق مبدأ «حل الدولتين عن طريق التفاوض» وهو الخيار الذي اعتمدته سائر الإدارات الأمريكية السابقة في أعقاب اتفاقيات أوسلو وسعى الرئيس السابق دونالد ترامب إلى تقويضه عبر ما سُمي بـ«صفقة القرن» والاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لدولة الاحتلال وإقرار الاستيطان وضمّ الأراضي في الضفة وغور الأردن والجولان. ولهذا فإن جولة بلينكن الراهنة لن تحمل الكثير من المفاجآت، ولن تسفر عن تحقيق المعجزات في تغيير مسارات أربع سنوات من الانحياز الأمريكي التامّ لسياسات دولة الاحتلال.
ومع ذلك فإنه ليس من الإعجاز أن يفلح بلينكن في رسم خارطة طريق واضحة تعيد وضع الإدارة الأمريكية في مواقع فاعلة سبق أن حدد ملامحها رؤساء مثل بيل كلنتون وجورج بوش وباراك أوباما، مع التذكير بأن بايدن كان نائباً للرئيس خلال ولايتَيْ أوباما وشهد أو شارك في صياغة الكثير من السياسات تجاه المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية. ليس عسيراً على البيت الأبيض إعادة التشديد على أن مسألة القدس جوهرية في تشكيل هوية الدولة الفلسطينية المقبلة، وهي أكثر تعقيداً من مجرد اختزالها إلى موضوع نزاع حول العبادات والمقدسات وملكية العقارات وأركيولوجيا التاريخ.
وليس من الإعجاز إجبار الاحتلال على وقف الاستيطان والالتزام بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة في هذا الصدد، أو الكف عن سياسات التهويد والتمييز العنصري وإنكار الحقوق الأبسط للفلسطينيين سواء أكانوا تحت الاحتلال أو في أراضي 1948، أو تخفيف الحصار (الإسرائيلي والمصري معاً) الذي يخنق قطاع غزة على مستويات إنسانية مريعة تشمل الغذاء والدواء والماء والكهرباء.
خريطة كهذه سهلة التصميم، ولكنها صعبة التنفيذ لاعتبارات كثيرة لم تعد خافية على أحد.
اسرائيل وامريكيا والغرب لن يعطوا العرب شبرا واحدا بالتفاوض اذا لم يكن هناك قوة تنتزعه منهم