خبراء أردنيون لـ«القدس العربي»: المشاركة في حفلة «العودة إلى 6 أكتوبر» قد لا تضمن مصالح البلاد

بسام البدارين
حجم الخط
0

عمان ـ «القدس العربي»: «لا بد من وضع خطط أساسية واستراتيجية، لأن المرحلة المقبلة صعبة ومعقدة للغاية». هذا حصراً ما يقترحه الخبير الاقتصادي والسياسي الأردني الدكتور أنور الخفش، وهو يعيد قراءة التحولات الاستراتيجية التي تجري في المنطقة مع ملاحظة بدأ يتفق عليها ساسة كثيرون، فكرتها أن «المملكة لا يبدو أنها تستعد لمثل هذه التحولات حتى الآن» وإن كانت تتهيأ، فالرأي العام لا يشعر بذلك ولا يعرف بأي اتجاه.
المقاربة التي يقترحها خوفاً على مصالح «النظام والدولة» الدكتور الخفش، هي أن الحاجة ملحة لإعادة قراءة الوقائع التي فرضتها إيقاعات عملية 7 أكتوبر، والوضع الجيوسياسي الجديد في المنطقة، والتحولات التي تجري في المجتمع الدولي وفي منظومات العلاقات الدولية. يقول الخفش لـ«القدس العربي»: كل المنطقة الآن في مأزق عندما يتعلق الأمر بالقرارات الاستراتيجية.
لكن ذلك يعني وفي ظل الهشاشة الاقتصادية والوضع الاجتماعي الضاغط في بلد مثل الأردن، بأن حكومته ينبغي أن تتخذ بكل حال قرارات استراتيجية وعميقة وأساسية وسريعة لمقاربة تخفف من الآثار والتحولات أو السلبيات والتداعيات الناتجة عن التحولات الأساسية في الإقليم والمجتمع الدولي أيضاً.
في الشهر السادس لمعركة طوفان الأقصى، لم يعد الوقوف خلف الاشتباك الدبلوماسي مع الإسرائيليين وأدبيات «كسر الحصار» وميكانزيمات «المساعدات» كافياً، برأي المحلل الإسلامي الدكتور رامي عياصرة.
ووفقاً لتعبير دبلوماسي فلسطيني مخضرم زار عمان مؤخراً، فالأردن إزاء مناسبة كبيرة لتحويل الأزمة إلى «فرصة» عبر التقرب أكثر من «أعماق القضية الفلسطينية» ودون مخاوف وتردد. لكن السؤال: كيف تفعل المؤسسة الأردنية ذلك بالحد الأدنى من الخسائر؟ سؤال صعب، وما يحصل خلف الستائر «غير واضح» حتى لشخصية خبيرة مثل رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات.
ويحذر الخفش والعياصرة وآخرون من اشتباك الأردن التفاعلي مع الخطة الوحيدة التي يعرضها الأمريكيون ويتسابق من أجلها الأوروبيون وقد تقبلها السلطة الفلسطينية، وهي «العودة ليوم 6 أكتوبر» فقط. ويشكك الخبراء بأن تلك العودة «ممكنة» أو يمكن أن يسمح بها «محور المقاومة» وما يسجله الملاحظ الخفش هو أن ذلك صعب جداً بعد كل الجرائم الإسرائيلية وهدر الدماء وبعدما سقطت المنظومة الدولية الأممية في الامتحان تماماً.
ويوافق ساسة كبار التقتهم «القدس العربي» عدة مرات، ومن بينهم رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، ورئيس الديوان الملكي، ورئيس الوزراء الاسبق علي أبو الراغب، على أن ما قبل 7 أكتوبر ليس كما بعده، حتى بالمعنى الوطني الأردني.
لكن الانطباع العام أن القراءة العميقة تحتاج أصلاً في إدارة مؤسسات القرار لمن يجيدها على مستوى المهارة والمعرفة والخبرة المتراكمة، حيث لا وجود ملموساً في طاقم اليوم لمثقفين سياسيين كبار ويعتد بهم والإقصاء يستمر لطبقة «رجال الدولة» والألغاز مستمرة.
وكان العناني تحديداً قد حذر من مضيّ الوقت قدماً بدون تشكيل مطبخ حقيقي يشخص مصلحة الدولة الأردنية في هذه المرحلة، أما الخفش فيتحدث عن معطيات تحتاج خطة في محور الاجتماعي السياسي الاقتصادي، وعن معطيات تحتاج خطة موازية لها علاقة بكيفية إدارة العلاقات سواء مع إسرائيل أو مع المنظومة الدولية التي احترقت مؤخراً أخلاقياً، أو حتى مع الولايات المتحدة الأمريكية، فيما تجربة البقاء في الظل بالنسبة للخبراء لم تعد هي المطلوبة، لا بل لم تعد كافية.
وسياسة تقديم مساعدات والقيام بمناورات دبلوماسية بالقطعة والتقسيط هنا وهناك، قد لا تكون دليلاً حقيقياً على مسارات التكيف والتعايش وتوازن المصالح فقط، ولا تشكل بديلاً عن خطة استراتيجية عميقة تعفي دول الجوار من سيناريو «قلة الحيلة».
العالم جديد الآن أو يتجدد، وعلينا ـ يقترح الخفش ـ ألا ننسى أن روسيا والصين في المنطقة، وأن وراثة النظام الدولي المعروف الذي قادته الولايات المتحدة حتى في سياق التحولات الاجتماعية الداخلية الحادة في الولايات المتحدة الأمريكية ومؤسساتها ومجتمعاتها ينبغي التوقف عندها مالياً؛ فالعالم يتغير، والمنطقة تتجدد، والاعتبارات وسط الدول يجب أن تقرأ التفاصيل بعناية.
وليس سراً أن ما يشعر به المواطن الأردني عموماً هذه الأيام هو غياب المطبخ الاستراتيجي أو الرؤية الاستراتيجية التي تنسجم، كما يقول الجنرال الخبير العسكري المتقاعد قاصد محمود، مع الرؤية العميقة لمسارات الأحداث. الخيارات طبعاً أمام المملكة في التكيف والتعايش والتوازن لا تبدو متعددة.
وما لاحظه ضيوف فلسطينيون مؤخراً، أن المسار الوحيد المتحرك هو العودة بالأمور ليوم 6 أكتوبر… «تلك ليست خطة استراتيجية» يقول سياسي أردني رفيع المستوى التقته «القدس العربي» وهو يشرح: «لا نضمن نحن الأردنيين مصالحنا الأساسية عبر المشاركة في حفلة من هذا النوع تظهر قلة الحيلة عند الجميع، خصوصاً في النظام العربي».
الانتظار بأن يعود الظرف الموضوعي في فلسطين المحتلة إلى يوم 6 أكتوبر مع وجود التحولات الحادة في بنية الكيان الإسرائيلي ومجتمعه أيضاً، لا يمكنه أن يكون خطة منتجة أردنياً. الاستراتيجي الأردني في حالة جمود، ولا تزال الخيارات ضيقة للغاية. وفلسفة إعادة تدوير الزوايا التي اقترحها يوماً وزير الإعلام الأسبق المثقف مروان دودين، لا يبدو أنها الدرب السليم؛ لأن الزوايا نفسها أصبحت حادة ومتقلبة وغير متاحة، حيث لا يمكنك تدوير زوايا غير موجودة أصلاً، الأمر الذي يشكل سلسلة تحديات لا يستهان بها أمام صانع القرار الأردني.
ما هو على المحك في الواقع ليس خطط الاشتباك الدبلوماسي وتثبيت المصالح والتمسك بخطاب الثوابت فقط، بل كيفية وطبيعة الوجود والدور مستقبلاً في ظل استقطابات حادة اليوم كان قوامها انهيار المنظومة الأخلاقية والقانونية التي وضعها الأمريكيون بعد الحرب العالمية الثانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية