الناصرة- “القدس العربي”:
دعت مجموعة من الخبراء الإسرائيليين في الشؤون السياسية والاستراتيجية في المعهد للسياسة والاستراتيجية في تل أبيب لبلورة استراتيجية أمن قومي شاملة وجديدة لإسرائيل تعرف الرؤيا، الأهداف والمرامي وسلم الأولويات الوطني.
وتحذر من أن تجاهل المسألة الفلسطينية لن يؤدي إلى إخفائها، بل إلى تغطية التهديد الذي سيزداد على مدى السنين مشددة على الحاجة بخوض نقاش عميق حول مستقبل العلاقات مع الفلسطينيين محذرة من الاستكانة لإدارة الصراع والوهم بأن يتحول الوضع المؤقت الراهن لوضع دائم محذرين من استمرار التوجه الفعلي نحو “الدولة الواحدة”. كما دعوا في ختام يوم دراسي نظمه “المعهد” أن تكون هذه الاستراتيجية المقترحة بوصلة للمنظومة الأمنية والعسكرية والتي على أساسها يمكنها أن تقرر سلم الأولويات، توزيع المقدرات وتحديد المهام والأهداف.
وشارك في اليوم الدراسي الجنرال في الاحتياط عاموس جلعاد والجنرال في الاحتياط الباحث في الشؤون الفلسطينية والصراع دكتور ميخائيل ميلشتاين، دكتور دانا وولف، دكتور ميخا غودمان وآخرون من خبراء مختصين بدراسات الصراع. ومن ضمن مضامينها ضرورة قيام إسرائيل بتثبيت التزام الولايات المتحدة بأمنها من خلال توثيق التعاون الاستراتيجي، حفظ التفوق النوعي، وضمان الدعم لمساقات بناء القوة العسكرية. كذلك برأي هؤلاء الباحثين، على إسرائيل أن تحاول التأثير على المفاوضات في فيينا نحو صياغة الاتفاق النووي مع إيران في ظل التعاون مع الإدارة الأمريكية وليس ضدها، انطلاقا من فهم سلم الأولويات الوطني الأمريكي، والأثمان المحتملة للعلاقات بين الدول في سيناريو معارضة إسرائيلية علنية ضد خطوات الرئيس بايدن.
إلى جانب ذلك، ينبغي برأيهم تسريع بناء القوة العسكرية لغرض تطوير رد مستقل ومصداق للبرنامج النووي الإيراني وقيادة معركة سياسية شاملة في واشنطن وفي أوروبا تبرز الثمن الباهظ لـ”إيران نووية” للساحتين الإقليمية والعالمية. وقالوا إنه في ضوء التقدم المثابر للبرنامج النووي الإيراني برعاية استئناف المفاوضات مع القوى العظمى في فيينا، من المطلوب فحص النقطة الزمنية الحالية لما هو الحل الأقل سوءا للمصلحة الأمنية – القومية لإسرائيل.
ويرون أن التوقيع على اتفاق نووي سيوفر شرعية دولية لحيازة قدرات نووية حقيقية لدى إيران في غضون نحو خمس سنوات وسيمس بشرعية إسرائيل للعمل في المستقبل. بالمقابل فإن عدم التوقيع على الاتفاق سيدفع إيران إلى مكانة دولة حافة، وفي سيناريو خطير حتى إلى قنبلة نووية بسرعة نسبية وبلا عوائق. وفي هذا الإطار ترى هذه المجموعة أنه على إسرائيل أن تعمل على التوقيع على اتفاق نووي فاعل مع الولايات المتحدة والقوى العظمى يعطي جوابا لكل الجوانب المتعلقة بوقف التقدم في النووي، في تمديد زمن الاقتحام (عند قرار استراتيجي إيراني) وإلغاء بند “السان سيت” في ضوء التداعيات الخطيرة وبعيدة المدى لإيران نووية على المنطقة والعالم.
ويعتقد هؤلاء أن تزايد خطر التهديد العسكري الإيراني في الشرق الاوسط (مسيرات، نشر قدرات نار باليستية متطورة، دقة، سايبر هجومي وغيرها) يعزز مكانة إسرائيل كلاعب مركزي مهم لاستقرار وأمن الساحة الإقليمية. كما يرون أنه ينبغي السعي لتطوير القدرة الكامنة على إقامة منظومة دفاع جوي إقليمية، التي تناولها قائد سلاح الجو والتي ستوثق التعاون الاستراتيجي مع الدول السنية، تعزز أهمية إسرائيل، وتؤدي إلى تعميق العلاقات الدولية مع العالم العربي، وتتيح عمقا استراتيجيا لازما للتصدي ضد إيران.
وبرأي هذه المجموعة الإسرائيلية، تشكل “المعركة ما بين الحروب” (الهجمات المتتالية على أهداف إيرانية في سوريا وغيرها) أداة حيوية لكبح التموضع الإيراني في المنطقة وتعزيز الردع الإسرائيلي، الذي يلزم تثبيته بل وتطويره. في هذا السياق يرون بضرورة حفاظ إسرائيل على العلاقة الاستراتيجية مع روسيا، بما في ذلك علاقات العمل بين الرئيس بوتين ورئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت، إلى جانب تعزيز التنسيق الأمني الجاري، حفاظا على حرية العمل العملياتية في سوريا، ومنعا لسوء تقدير لا داعٍ له.
كذلك يرى هؤلاء أنه يجب بلورة استراتيجية بعيدة المدى في المسألة الفلسطينية في ظل الفهم بأن سياسة “إدارة النزاع” ليست أمام الاقتراب من واقع “الدولة الواحدة” وتدحر حل الفصل و”الدولتين” إلى هوامش التاريخ. ويقولون إن حقيقة أن فكرة الدولة الواحدة تتسع في أوساط السكان الفلسطينيين تشكل تحديا لهوية الدولة اليهودية، ولمكانتها في الساحة الدولية. وبالتالي يجب العمل برأيهم على سياسة فاعلة تعزز فكرة الفصل بين السكان من الطرفين – ماديا وفكريا وتعمل على تصميم وهندسة الواقع في ظل الحفاظ على افق سياسي يتناسب واعتبارات الأمن القومي الإسرائيلي. ويعتقدون أن إسرائيل ملزمة في سياق قطاع غزة والتصدي لحماس، بان تبلور سياسة أكثر تصلبا من تلك التي تنتهج حتى الآن، وأساسا لمطالبة حماس بتنازلات حقيقية ولا سيما في موضوع الاسرى والمفقودين، مقابل الخطوات المدنية (شرط تحدد في اثناء حملة حارس الاسوار ولكنه لم يتحقق عمليا).
ويعتبرون أن مثل هذه السياسة من شأنها أن تؤدي إلى استئناف الاحتكاك الامني في القطاع ولكنها واجبة لتثبيت قواعد لعب متصلبة من ناحية إسرائيل والحفاظ على قوة الردع حيال حماس.
وترى هذه المجموعة ضمن رؤيتها وتشخصيها للواقع أن علاقات إسرائيل والفلسطينيين تواجه اليوم مفترق طرق مصيريا يستوجب فهما عميقا للواقع المتشكل وللسيناريوهات التي قد تتطور، وليس اقل أهمية – بحث عميق، موضوعي وشجاع حول مسألة هل السياسة الحالية المتبعة (عديمة الرؤيا أو العمق الاستراتيجي عمليا) كفيلة بان تمنح إسرائيل الأمن على مدى الزمن وان لم يكن فما هي التداعيات التي قد تكون لمثل هذه السياسة وما هي القرارات الوطنية التي يتوجب العمل عليها.
ويرون أنه على مدى ثلاثة عقود تأرجح الشعبان بين قطبين متعارضين وتمسكا باستراتيجيات متنوعة تراوحت بين التعاون بينهما، عبر طريق المواجهة المباشرة وانتهاء باتخاذ خطوات من طرف واحد. وبرأيهم شهدت التسعينيات من القرن الماضي احساسا لدى الكثيرين من بين الشعبين بالاقتراب من تسوية النزاع طويل السنين؛ في منتصف العقد ما بعد سنوات الالفين تأرجحت مرة أخرى منظومة العلاقات بين الطرفين مع نشوب الانتفاضة الثانية وعودة الفلسطينيين إلى الكفاح المسلح ضد إسرائيل؛ وبعد عقد من ذلك، تمسك الفلسطينيون بـ”الاستفزاز وبخطوات من طرف واحد” نهج لم ينجح في نهاية المطاف هو أيضا في أن يحقق انجازات استراتيجية من ناحيتهم ويغير الواقع”.
ويتابع هؤلاء في تلخيصاتهم “هكذا بينما تتحفز إسرائيل لتحقق سيناريوهات مهددة بانتفاضة ثالثة أو بتفكك السلطة الفلسطينية – ضمن امور أخرى بتأثير تهديدات الماضي أو في ضوء تحليل الواقع من زوايا ضيقة نسبيا ودون فهم التيارات العميقة في الساحة الفلسطينية – يخيل أن التحدي المركزي المحدق بها يكمن بالذات في الهدوء الذي يعكس دمجا زاحفا بين المجتمعين في ظل طمس “الخط الأخضر”.
ويحذرون من أن الانشغال الإسرائيلي في الموضوع الفلسطيني يستوجب نظرة واضحة وحديثة أيضا تجاه تحدي قطاع غزة. ويرون أن التسوية التي تعمل عليها إسرائيل مع حكم حماس تشكل عمليا اعترافا بوجودها كحقيقة على المدى الطويل، والتسهيلات غير المسبوقة التي تسمح بها إسرائيل تساعد الحركة على تعزيز سيطرتها في المنطقة – والاستعداد للتحديات المرتقبة لها في المستقبل في الصراع على قيادة الساحة الفلسطينية)، وتقلل الاحتمال في أن تتطور بدائل في شكل سيطرة متجددة للسلطة الفلسطينية. وعلى خلفية ذلك يعتقدون أنه على إسرائيل في هذا السياق بلورة سياسة أكثر تصلبا مما تعمل عليه حتى الان ولا سيما مطالبة حماس بتنازلات حقيقية، واساسا في موضوع الاسرى والمفقودين مقابل الخطوات المدنية حتى بثمن تصعيد التوتر والاحتكاك معها.
وتخلص هذه المجموعة للقول إنه في نظرة إلى الأمام – في السنوات الأخيرة يخيل أن الاهتمام في إسرائيل تجاه الموضوع الفلسطيني يتضاءل باستمرار، سواء كان في ضوء الانشغال بمشاكل أخرى أو اليأس من امكانية تحقيق التسوية في السياق الفلسطيني. ويحذرون في السطر الأخير من أن تجاهل المسألة الفلسطينية لن يؤدي إلى إخفائها، بل إلى تغطية التهديد الذي سيزداد على مدى السنين.
وتابعت تلخيصاتهم “الجمهور والحكومة في إسرائيل ملزمان باستيعاب فهم كهذا وفي ضوئه أيضا الشعور بالحاجة إلى خوض نقاش عميق حول مستقبل العلاقات مع الفلسطينيين. هذا النقاش، كما أسلفنا، لا يمكنه أن يتلخص بحلول مرحلية بروح “إدارة النزاع” وإيمان واهم بأن هذه الحلول كفيلة بأن تصبح حلولا دائمة”.
هذا حلم الصهاينة أن تتحول فلسطين المحتلة إلى دولة مشكّلة من أصحاب الأرض والمحتلين ، فلسطين ستكون للفلسطينيين وبس ، وكل صهيوني سيعود بإرادته أو مجبرا إلى البلد الذي قدم منه أحب من أحب وكره من كره !
وهذا وعد الله، وقد اقترب