الإسرائيليون قادة وكتاب صحافيون ومحللون استراتيجيون وخبراء في الشؤون العربية يجاهرون بمواقفهم المعادية للنظام السوري والمؤيدة لخصومه ‘ الثوار’ و’المتمردين’، كما يطلق عليهم الاسرائيليون. هؤلاء ‘الثوار’ الذين اسندت الى البعض منهم مهمة تدمير سورية، الدولة القومية والكيان والوطن. او بالأحرى، الإسرائيليون مع استمرار القتل والتدمير بغض النظر عن هوية الضحايا.
وقد حرصت على الاستشهاد ببعض النصوص من الصحافة الاسرائيلية باقلام خبراء تعكس هذه المواقف. وربما ان هذه النصوص ـ المواقف لا تحتاج الى تعليق معمق، لانها صريحة وواضحة من حيث انها تعبر عن السياسات الاسرائيلية التقليدية القائمة على السعي الحثيث لتدمير الوطن العربي، من خلال تقسيمه وتفتيتيه.
‘التعامل مع الف عصابة للقاعدة افضل من أسد جريح’
فقد نقلت وكالة يونايتد برس عن اذاعة الجيش الاسرائيلي أن مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية يفضّلون أن يحكم تنظيم ‘القاعدة’ في سورية على انتصار الرئيس السوري بشار الأسد على المتمردين الذين يحاربون من أجل إسقاط نظامه. وقالت الإذاعة، إنه يسود تخوّف في الحكومة الإسرائيلية من تزايد قوة الأسد، خلال المعارك بين الجيش السوري والمتمردين في الأيام الأخيرة، ونقلت عن مسؤولين في الحكومة قولهم إن ‘حكم القاعدة في سورية أفضل من انتصار الأسد على المتمردين’. وأضافت أن المسؤولين الإسرائيليين برّروا أقوالهم بأنه ‘في حال صمود الأسد في المواجهة المستمرة ضد المتمردين واستمراره في حكم سورية، فإنه سيكون متعلقاً كثيراً بإيران ومديناً لها’، معتبرين أن ‘وضعاً كهذا سيعزز مكانة إيران كدولة عظمى إقليمية تهدد إسرائيل’. وأضاف المسؤولون، بحسب الإذاعة، أن ‘العلاقة بين سورية وإيران وحزب الله ستتعزّز، وستصبح أكثر خطورة بالنسبة لإسرائيل’.
‘ لتستمر الحرب الأهلية ولتتقسّم سورية ‘
وقد نقل البروفيسور موشيه ماعوز الخبير في الشؤون السورية موقف بعض قادة اسرائيل من المسألة السورية (هآرتس 12/6/2013 ) فقال: ‘وهنالك أيضاً مسؤولون كبار يفضلون أن تستمر الحرب الأهلية ويستمر القتل المتبادل، وأن تنقسم سورية إلى مناطق طائفية ذات استقلال ذاتي، واحدة تابعة للعلويين وأخرى للدروز وثالثة للأكراد. وفي رأيهم، يتعين على إسرائيل ألا تتدخل في هذه الحرب، وأن تتمنى فناء سورية أو تقسيمها’. وفي تقدير الخبير الاسرائيلي انه يمكن اجراء مفاوضات مع ‘الاخوان المسلمين ‘ بعد وصولهم الى السلطة، وبث رسالة الى ‘الثوار السنة والى الدول السنية، بانها (اي اسرائيل) تريد الانضمام الى الحلف الإقليمي، الذي يعمل على اسقاط الاسد واضعاف حزب الله وايران (الحلف المكوّن من) الدول الاسلامية السنية، مثل تركيا والسعودية والأردن وبعض دول الخليج، ويمكن من خلال الجهد المشترك والمنظم بين تركيا والسعودية وقطر والأردن، والمساعدة الكثيفة من الولايات المتحدة والناتو، تقوية الجيش السوري الحر، وإقامة منطقة عازلة واسعة بالقرب من الحدود الشمالية في سورية، ومنع نشاط سلاح الجو السوري في هذه المنطقة’.
وخلص الدكتور ماعوز الى القول: ‘كما يتعين على إسرائيل أن تستغل علاقاتها الجيدة مع الولايات المتحدة، من أجل تقديم الحماية العسكرية والاستراتيجية للثوار’.
‘ الأسد سيئ لإسرائيل ‘
كتب المعلق اليميني عاموس غلبواع (معاريف، 4/6/2013) ‘في تقديري ان عائلة الاسد والحكم الذي اقامته سورية منذ السبعينات شكل ويشكل، الى جانب ايران، العدو الاكثر خطرا، الاكثر دهاء والاكثر وحشية بالنسبة لنا،
اكثر من ‘الف’ عصابة لـ’القاعدة’ وأمثالها. كل يوم يواصل فيه البقاء في الحكم سيئ وخطير لدولة اسرائيل. وبالفعل من ناحية اسرائيل سيكون دوما التعامل مع ثعالب صغيرة تعض افضل من التعامل مع أسد جريح وغاضب مسنود بملك الاسود الاقليمي الايراني’.
‘فليقتلوا بعضهم بعضا بهدوء’
وتحت عنوان ‘دعوهم يقتلون بعضهم بعضا بهدوء’ كتب الكس فيشمان الخبير الاستراتيجي في صحيفة ‘ يديعوت احرونوت’ (12/6/2013 ) ان ‘الحركات الاسلامية الجهادية والسياسية كفيلة بانهاء الخطر العربي الذي يتهدد اسرائيل’. وتساءل: ‘لا ينبغي لاسرائيل القفز الى بوتقة الشرق الاوسط المشتعلة، سعيا وراء منع وصول شحنات السلاح الروسي لمقاتلي حزب الله. هل هذا المنع اكثر أهمية من الهدف الاستراتجي الآسمى لاسرائيل وهو: دع العالم العربي يدمر نفسه بنفسه من دون ان نوفر له الاسباب ليحول جهوده ضدنا’. واضاف فيشمان ‘يقتل في كل يوم ما بين 400 – 500 مواطن عربي في الدول المحيطة باسرائيل’. وفي طرابلس اللبنانية، تتقاتل الميليشيات الشيعية والسنية، والحكومة مشلولة ووزن حزب الله السياسي في تراجع. في سورية يموت 80 سوريا يوميا. العلويون يستعدون لاقامة دولة. ولا يوجد حل للمشكلة الفلسطينية، اذ ان الانقسام بين حماس والسلطة مرشح للاستمرار. وفي ليبيا القبائل تذبح بعضها بعضا. وفي تونس يسقط قتلى في حروب مع جماعات سلفية على الحدود الجزائرية. والعراق بات مفتتا الى ثلاث دويلات. والحرب الأهلية على وشك الاشتعال من جديد. والأكراد يقومون بانتاج البترول وتصديره من دون دفع المستحقات للحكومة العراقية. ناهيك عما يجري في الصومال وتشاد والسودان واليمن والبحرين من تفتت وتقاتل مماثل. واستنادا للاحداث التي بدأت خلال العامين الماضيين، فهذه الأحداث مرشحة للاستمرار بسهولة لسنين عديدة’.
وبناء عليه تساءل فيشمان ‘لماذا ينبغي علينا الاستماع الى بعض الجنرالات (الاسرائيليين) العصبيين ورئيس الوزراء (نتنياهو) يعشق الضغط على الزناد فيوحد العرب على كراهيتنا، التي هي القاسم المشترك بين الجميع. وبالفعل، وصول الاسلحة الروسية الى سورية خطر كبير، ولكنه لا يشكل تهديدا وجوديا. فدعوهم اذن يقتلون بعضهم بعضا بهدوء’ .
الإسرائيليون يفضلون حكم ‘القاعدة’ في سورية على حكم الأسد. وهذا قول لا ينم عن أية مفاجأة، القاصي والداني يعرف الفوائد التي تجنيها الصهيونية والغرب من دور ‘القاعدة’ وأمثالها لمحاربة المد القومي العلماني العربي .
والحقيقة ان ما يقلق الإسرائيليين ليس انتصار الأسد بحد ذاته، وانما اندحار ‘القاعدة’ . فاذا انهزمت ‘القاعدة’ يتيتم ‘الكيان الصهيوني’. وسوف تنكشف طبيعته العنصرية، اذا اختفت ‘القاعدة’ عن المسرح من سيوفر الغطاء للعمليات الإرهابية التي تستخدمها الصهيونية لتوجيه اصابع الاتهام للعرب والمسلمين واتهامهم بالإرهاب؟ اذا اضمحلت ‘القاعدة’ من سيتولى عمليات ارهابية بحجم عملية ايلول/سبتمبر 11 أو تفريخاتها؟ ‘إلحقونا البعبع الاسلامي الارهابي خرج من قمقمه؟’ و’بن لادن يدمر العالم الغربي حتى لو كان قابعا في كهفه’. الارهابيون العرب يقتلون 3000 امريكي بريء، فهل تلومون اسرائيل اذا قتلت آلاف ‘الارهابيين’ العرب؟ واذا اندحر دعاة التقسيم والتطرف الديني، من سيقوم باشعال الحروب الأهلية، ومن سيتولى عملية تدمير الوطن العربي وتفتيته؟
وخلاصة القول، ان الإسرائيليين يرقصون طربا على ما وصل اليه الحال في الوطن العربي، وكأن الحلم الصهيوني يتحقق. ولكن يبقى السؤال حتى متى سيستمر هذا ‘الرقص’ الصهيوني؟ هل ستبقى الشعوب العربية عاجزة عن مقاومة المشروع التقسيمي؟ فليكن هذا الفرح الصهيوني مؤقتا، لان ما يجري الان في الوطن العربي هو ضد مجرى التاريخ وضد الأماني العربية التي لن تموت ما دامت الشعوب متعلقة بها.
ومهما يكن يبقى الخطر الأشد يتمثل بالصهيونية التي اغتصبت الأرض العربية وتحاول اغتيال الهوية العربية. في حين ان الحركات التقسيمية عاجزة عن اغتصاب الأرض، ولكنها تحاول اغتيال الهوية .
‘ كاتب فلسطيني مقيم في كندا