تونس- عادل الثابتي:
اعتبر محللان تونسيان، أن التعويل على القبائل في حل الأزمة الليبية يعتبر أمرا غير واقعي لأسباب خاصة بوضع القبائل في ليبيا، ولأسباب تهم الجانب التونسي.
خبيران تحدثا إثر تصريحات للرئيس التونسي قيس سعيد خلال زيارته إلى باريس، الإثنين والثلاثاء، حول مستقبل الحل السياسي في ليبيا.
وفي رد عن سؤال لقناة (فرانس 24) الفرنسية الحكومية حول أي حل عرضه على السلطات الفرنسية للقضية الليبية خلال لقائه بالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، قال سعيد: “الحل يجب أن يكون ليبياً”.
وأضاف سعيد: “الشرعية الدولية التي نعترف بها وهي المرجع، ليست شرعية أبدية، بل دولية بناء على قرار من مجلس الأمن”.
وأردف: “يجب أن نبحث عن شرعية أخرى تنطلق من الداخل الليبي، وتقوم على المشروعية الانتخابية”، لافتا إلى في هذا الخصوص، إلى أنه كان قد “جمع عددا من رؤساء وعماء القبائل الليبية”.
وتابع: “ذلك الاجتماع جاء للنظر في إمكانية تنظيم مؤقت للسلطات العمومية يكون مقدمة للانتخابات، ويكون بعد ذلك تمهيدا لوضع دستور دائم لليبيا”.
ولفت سعيد، إلى مبادرة قام بها الخريف الماضي لجمع القبائل الليبية، إلا أن بعض الأطراف (دون أن يحددها) “تدخلت”، بحسب ما قال، معربا عن أسفه “لعدم حدوث التواصل رغم أنني لا زلت أصر على أن الحل لا يمكن أن يكون إلا ليبياً ليبياً”.
** التعويل على القبائل “مشكوك بأمره”
الرئيس الأسبق للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية (يتبع رئاسة الجمهورية) طارق الكحلاوي يرى أن “الحديث بأن القبائل حل للأزمة الليبية يعكس فهما غير دقيق للوضع في ليبيا، وتركيبة المجتمع الليبي”.
ويضيف الكحلاوي: “صحيح أن القبائل مهمة في ليبيا ولها دور هام، لكن هناك مراكز حضرية أيضا”.
ويتابع الكحلاوي: “طرابلس ومصراتة وغيرها من المدن الليبية لا يمكن اختزالها في القبائل، ليبيا أكثر تعقيدا من مجتمع يمكن اختزاله بالقبائل”.
وينبه الكحلاوي إلى أن القبائل “لا يوجد لديها تمثيل واضح ودقيق يمكن الاعتماد عليه بشكل موثوق”.
ويرجع ذلك إلى “حكم القذافي (1969ــ 2011)”، معتبرا أنه “استعمل القبيلة خاصة قبيلة القذاذفة التي ينتمي إليها، ووظفها وقربها، أما المعارضين له فضرب مشايخهم”.
ويرى الكحلاوي، أن ما قام به القذافي “أسفر في الوقت الحالي أنه لا يمكن الوثوق بأن شخصا ما يمثل قبيلته”.
ويلفت إلى أن الرئيس التونسي “قابل مجموعة من الناس قالوا إنهم يمثلون القبائل، ثم تبين أن ذلك عليه جملة من الشكوك”.
ويوافق الخبير في الشأن الليبي والدبلوماسي السابق بشير الجويني، الكحلاوي الرأي، مشيرا إلى أن “من اجتمعوا مع سعيد عندما عادوا بعد اللقاء إلى ليبيا تم التشكيك في شرعيتهم”.
** القبائل الموالية لحفتر “مُكرهة”
ويوضح الجويني أن “التجربة الليبية تاريخيا كانت في اتجاه جمهوري”.
ويقول: “كانت الجمهورية الطرابلسية الأولى في العالم العربي برئاسة سليمان الباروني، وكان فيها بعض التونسيين”، معتبرا أن “إرث وعلاقة الليبيين بالدولة المدنية ضارب في التاريخ”.
وفي 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 1918 تم الإعلان في الغرب الليبي عن الجمهورية الطرابلسية التي دامت حوالي 6 أشهر قبل أن تحتلها إيطاليا.
ويشير الجويني، إلى أن “ما طرأ من خلافات، وتغيير من التركيبة الاجتماعية الليبية منذ 1969 جعل القبائل تتبوأ موقعا”.
إلا أنه اعتبر أن ذلك “ليس بالضرورة هو الموقع المناسب لكل الليبيين”، لافتا إلى أن “ليبيا فيها القبائل والحضر”.
ويقول الجويني: “أن يكون للقبيلة وجود على الميدان وفي الوطن هذا ممكن ومطلوب ولا أحد يريد أن يحاربه، لكن أن تكون القبيلة هي المرجعية، فذلك باب يجب ألا يُفتح لأن نهايته غير معروفة”.
ويضيف: “عمليا هذه القبائل كلها لا تستطيع فعل أي شيء، بدليل أن قبائل العبيدات، وأولاد علي، والمغاربة، وكل قبائل المنطقة الشرقية سلمت أمرها مكرهة لرجل واحد هو خليفة حفتر يفعل فيها ما يريد”.
** تونس مع الدولة المدنية
ويعتبر الجويني، أن “تونس بين خيارين، إما أن تكون بجانبها دولة مدنية تستأنف من حيث انتهت الجمهورية الطرابلسية، أو دولة عسكرية”.
ويؤكد أن “تونس الرسمية والشعبية تريد بجانبها (ليبيا) دولة مدنية ديمقراطية، مثلما هو الأمر بجانبها الغربي”، في إشارة إلى النظام الجمهوري في الجزائر.
ويشير إلى أن “حداثة التجربة الديمقراطية والصبر عليها أفضل بكثير من الرجوع إلى القبيلة التي تسلم أمراها مكرهة”، لافتا إلى أن حفتر “لا يؤمن جانبه خارجيا ولا استراتيجيا”.
** موقف تونس ورئيسها لم يتغير
ورغم الجدل الذي أثارته تصريحات سعيد، إلا أن الكحلاوي يعتبر أن موقف الرئيس التونسي “لم يتغير إزاء الحكومة الليبية بقيادة فائز السراج”، مشيرا إلى أنه قال فقط بأنها “شرعية مؤقتة”.
ويعتبر الكحلاوي، أنه “في ليبيا الآن لا يوجد دستور، ولا مرجعية واضحة، وأن اتفاق الصخيرات الذي تستند عليه حكومة السراج هو وضع مؤقت”.
ويضيف أن “الإشارة إلى ذلك أثارت بعض الناس، ونظروا لتصريحاته بأنها لا تعكس لغة دبلوماسية مناسبة، وهذا صحيح”.
لكن الكحلاوي يشدد، على أن “تونس لا زالت مع الشرعية القائمة رغم ضغوط واضحة من ماكرون على سعيد”.
ويعتبر الكحلاوي، أن ماكرون “يتخندق مع حلف ضد حلف، عندما يركز فقط على التدخل التركي، فمن الواضح أن فرنسا تتخندق مع حفتر وحلفه”.
وذهب الجويني إلى ذات الرأي الذي أبداه الكحلاوي، معتبرا أن “الموقف الرسمي التونسي هو الوقوف مع الشرعية الليبية المتمثلة بالحكومة”.
ويضيف: “هذا نجده في أفعال تونس ومواقفها، الأقوال قد تأخذ أبعادا من هنا أو هناك، أو سوء تقدير”.
وبالنسبة للجويني، فإن “الأفعال واضحة في تحفظ تونس على النقطة الثامنة في بيان الجامعة العربية حول ليبيا الثلاثاء”.
والثلاثاء تحفّظت كل من ليبيا وتونس وقطر والصومال، على بنود في قرار بشأن ليبيا صدر في ختام اجتماع لوزراء الخارجية العرب، عبر تقنية (الفيديو كونفرانس).
ويشدد الجويني، على أن “التحفظ كان واضحا تجاه دعم الحكومة الليبية، وهذه هي السياسة الخارجية التونسية، والتوجه الشعبي في البلاد”.
ويعتبر أنه “من المفروض استراتيجيا للعلاقات التونسية الليبية ألا تستأنف من 2011 (ثورة يناير)، أو 1969 (تاريخ وصول القذافي للسلطة)، أو 1956 تاريخ استقلال تونس عن فرنسا”.
ويخلص الجويني، إلى أن “التواصل بين تونس وليبيا يستمد من بعده الضارب في التاريخ الذي يعود إلى ما قبل 1881 في تونس (احتلال فرنسا لتونس)، أو 1911 في ليبيا (احتلال ايطاليا لليبيا).
ويضيف أن “التواصل بين تونس وليبيا هو دائما ومنذ القدم تواصل حيوي واستراتيجي”.
(الأناضول)