القاهرة ـ ‘القدس العربي’: في كتابه السردي الأول (خبّرني العندليب)، والذي ينتمي إلى أدب السيرة الذاتية كما يتضح على غلافه الذي كتب المؤلف عليه بجانب العنوان ‘شهادة عن ثورة 25 يناير’، يتناول عمر قناوي الكثير من أسرار الثورة المصرية من قبل اندلاعها.
وحتى لحظة تفجُّرها من زاويةٍ خاصةٍ للغاية، ربما لم يتطرق إليها أحدٌ من قبله، حيث يبدو الصوت السارد، على تواصلٍ مع أحد الأشخاص الذين لهم علاقة وثيقة بالأحداث قبل وقوعها، هذا الشخص المنتمي إلى المؤسسة العسكرية المصرية، والذي لا يبوح المؤلف باسمه، يُرسل برسائل وإشارات إلى المؤلف مستشرفاً أحداثاً ستقع أو أموراً يتم الإعداد لها، يفاجئنا المؤلف بأنها تقع بالفعل في اليوم التالي مباشرةً لاتصال هذا الشخص به، تاركاً له الحيرة والمتابعة القلقة لما ستتطور إليه الأحداث، التي تتصاعد حتى تصل إلى لحظة الثورة وانفجارها، والتي كان قناوي مشاركاً بها وملتحماً مع زملائه في الميدان.
العمل الذي يقع في ستة فصول هي (أيام كفاية)، (القاهرة تحترق)، (تونس تشتعل)، (أيام الغضب)، (مشاهد من المرحلة الانتقالية)، (الختام). يبدو بمثابة رواية تسجيلية توثيقية ينقلها حكّاء امين يحاول أن يحلل بموضوعية ونزاهة ما يحدث أمامه، دون الانحياز سوى للوطنية وحتمية التاريخ عبر استقراؤ شواهده. ربما هذا ما دفع الكاتب الكبير جمال الغيطاني إلى أن يخط على غلاف الكتاب شهادته قائلاً ( لأول مرةٍ أقرأ شهادة صادقة عن الثورة المصرية لا توجد فيها ذات متضخمة ولا ادعاء بالبطولة أو هجوم على الآخرين مستخدماً الثورة، عمر قناوي صحفي ينتمي على الجيل الجديد الذي أسهم بقدر كبير في الأحداث، ومن هنا تأتي قيمة الشهادة التي كُتبت ببساطة وصدق وعمق).
تأتي القيمة الفنية للعمل، إضافة إلى قيمته التوثيقية من كونه يعتمد فكرة المعايشة والتتبع اليومي لأحداث الثورة منذ التمهيد لها، وحتى الاحتشاد في الميادين، والتفاعل الهائل وغير المُرتَقَب الذي حدث إبانها من كافة أطياف الشعب المصري، ويعد بمثابة وثيقة ‘بصرية’ يعتمد فيها المؤلف كثيراً على خبرته الصحفية، وعمله الميداني في الاستقصاء الصحفي، متناولاً مشاهد ومواقف عُدّت إشارات فاصلة في تاريخ الثورة المصرية.. خطاب التنحي، المجلس العسكري وإدارته للمرحلة الانتقالية، موقعة الجمل، موقف الإعلام وتبايناته وفق توجهاته المختلفة، الأزمات التي مرّ بها الشعب المصري، وطنية وإخلاص الجيش المصري، حِراك الأحزاب وموقفها من الثورة.
عنوان العمل المأخوذ من أغنية للسيدة فيروز يأتي كظلٍّ ناعمٍ على ملحمةٍ حقيقية لشعبٍ ثائر، قد يبدو للقارئ من الوهلة الأولى بعيداً عن طبيعته، غير أنه بعدما ينتهي من قراءة الكتاب يكتشف أن العنوان موفّق إلى حدٍّ كبير في الإشارة إلى ما يدور به.. فالعندليب، مصدر الأخبار، كان هو طائر الثورة الذي حلَّق بأنبائها إلى أسماع المؤلف الشاب ليطيّرها بدوره إلى آفاقنا بأمانةٍ لم تقلل من فنية العمل وحذقه.