هي أزمة «البث المباشر»، فماذا فعل إمام العيد غير أنه ضحية للسهو، وجل من لا يسهو؟!
من منا لا يسهو في صلاته، ومن منا لم يحدث أن صلى إماماً أو مأموماً أو مع نفسه ولم يسه، أو يختلط عليه الأمر فلا يعرف إن كان قد صلى ثلاث ركعات أم أربع؟
نسي الإمام فاتحة الكتاب، على نحو يبطل الصلاة، لكن عذر الإمام أنه وإن كان قد نسي ما لا يجوز نسيانه، فلأن الناس لا يصلون صلاة العيد كل يوم، فلا يكون أول أعماله في كل ركعة هو قراءة الفاتحة، ولكن البداية بالتكبيرات!
يقولون إن المشكلة ليست في سهو الإمام، ولكن في أن من بين الجمع الكريم من لم يرده، ويذكره بأنه سهى، لكن أحد الزملاء قال إنه قام بتكبير الفيديو، وشاهد الإمام الأكبر، وهو يقول «سبحان الله»، وعرض أن يريني ذلك لكي أقف عليه بنفسي، ولم أهتم!
مكبر الصوت في يد الإمام، ولا أظن أن الثلاثة، الذين يقفون خلفه لديهم «ميكروفونات»، والمعنى أنه لو هتف أي من المصلين مذكراً الإمام، فلن يصلنا صوته، والصلاة الرسمية الاحتفالية قد يخدش رونقها إذا وقع الارتباك. ومن هنا تكون المشكلة في البث المباشر.
نقطة مهمة هنا، فالإمام لم يقم، حيث يستوجب الجلوس للتشهد، ولم يجلس للتشهد، حيث ينبغي الوقوف، ولم يهم بخطف ركعة إضافية، كل هذا يمكن معالجته بسهولة بمجرد تذكيره، لكن لك أن تتخيل لو قيل له «سبحان الله» بينما بدأ بقراءة ما تيسر له من آيات الذكر الحكيم، فظن أنه ألحن في القراءة، فأعاد تلاوة السورة من أولها، ولم يعتقد أن التذكير عائد على نسيانه قراءة الفاتحة!
حدث بالفعل؛ كان اثنان يصليان جماعة، قال الإمام «بسم الله الرحمن الرحيم»، فقال المأموم: سبحان الله، فأعاد تلاوة البسملة، بصورة أكثر اتقاناً، ففوجئ مع هذا الجهد، الذي بذله بالمأموم يكرر تنبيهه: «سبحان الله»، فأعادها للمرة الثالثة، فوجد المأمور أنه لا فائدة فسكت، وبعد الصلاة عنف الإمام المأمور: «هل يعقل بعد هذا العمر تعتقد أنني أخطئ في البسملة يا بأف؟!». الحقيقة أنه قال له وصفاً أكثر تعنيفاً من بأف. لتكون المفاجأة من المأموم بأن المشكلة لم تكن في قراءة البسملة، لكن في أنه يجهر بالقراءة في صلاة العصر!
محظوظون بالسيسي!
قالت العرب: «حبيبك يبلع لك الزلط، وعدوك يتمنى لك الغلط»، وخصوم السيسي محظوظون به إذا ظهر، وإذا تكلم، لأنه بكلام صوفي صرف «غير موفق»، وفي مرات كثيرة أقرر الإعراض عنه إذا ظهر على الهواء مع جاذبية الاهتمام، فأجده وقد قال كلاماً أثار الجماهير العريضة على منصات التواصل الاجتماعي، فأقاوم اغراء الاشتباك مع ما قال، وأنجح حيناً وأفشل أحياناً.
انظر كيف أن الدنيا هادئة هذا الأسبوع لغيابه منذ صلاة العيد، ولولا ارتفاع درجات الحرارة، لاستمعت إلى أغنية «الدنيا ربيع.. والجو بديع»، بصوت السندريلا في فيلم «أميرة قلبي أنا»!
المعنى أنه لا أحد يضر بالجنرال وموقفه إلا البث المباشر، ولك أن تتخيل لو أن كل حركاته وأحاديثه عرضت على «المونتاج»، صحيح أن الساعة من كلامه قد تصبح خمس دقائق بعد «التشفية»، لكن في النهاية لن يجد من يمسكه بقول أو تصرف، إلا الباحثين عن الإثارة، وبعض النشطاء على منصات التواصل الاجتماعي يتصرفون على أن صفحاتهم هي صحف يعملون على ترويجها والدعاية لها، ولو ببذل الجهد في القص واللزق.
في الأسبوع الماضي، لم يظهر السيسي، فكان لا بد لأهل الإثارة من البحث عن ضحية، وكانت لميس الحديدي، هي الضحية، فتدخل المونتاج ليحذف جزءاً من سؤال نقلته عن الشباب: لماذا لا يكون الحج عن بعد «أون لاين»، والحذف حول المقطع، كما لو كان هذا الاتجاه فكرتها، ليكون هذا مبرراً للهتاف وا سلاماه، مع أنه يجوز مؤاخذتها على طرح سؤال ليس مطروحاً لا من جانب شباب ولا من قبل الكهول!
بيد أن هذا السلوك سيجد من يكشفه سريعاً، فيفقد من يفعلون هذا الثقة والاعتبار مع الوقت، وفي الحقيقة أن كل هذه الفترة فان الاثارة في كلام الجنرال وفي تحركه هي «مادة خام» لمن يتربصون به، وفي أكثر من مرة يثبت أنه خانق على منصات التواصل الاجتماعي، وإذ قال مؤخراً إنه لا يحاسب الناس على ما يكتبونه عليها، فقد ذكرني اخلاء سبيل زميلنا الصحافي محمد مصطفى موسى، بأنه اعتقل لمنشورات على فيسبوك، ولم يعتقل لأنه حرض على عنف، أو دعا إلى ثورة!
الحط من قدر الرئيس مرسي
الذين قد يتجاوزون بتحريف الكلام يفعلون هذا عن قناعة بأنه يجوز، فما بالك وهم ليسوا في حاجة الى التحريف، في ما يخص السيسي، الذي يرون أن استهدافه فرض عين، لأن الحرب على الرئيس محمد مرسي بدأت بالحط من قدره، وما عبرت عنه في مقال لي وقتئذ حمل عنوان «استهياف الرئيس»، وليس استهداف الرئيس، وإنما قد يكون الاستهداف هو بالاستهياف، وحتى عندما كرمته جامعة باكستانية بمنحه الدكتوراه الفخرية، وما يلزمه تسلمها من ارتداء الزي الجامعي، روباً وقبعة؛ حسب التقاليد، قام مقدم البرنامج الساخر باسم يوسف، بالسخرية من الرئيس، وتقليد الزي الجامعي بابتذال، وكأنه يرتدي ملابس مهرج، وعندما استدعته النيابة للتحقيق ذهب إليها مكملا مسيرة السخرية، بأن دخل على مدير النيابة في دار القضاء العالي، وهو يضع حلة بديلا عن القبعة، وقيل يومئذ إن المحقق ضحك، وضحك أعضاء النيابة، مع أنه بما فعل كان يلزم القبض عليه وحبسه في الحال، بتهمة إهانة النيابة قبل إهانة الرئيس، لكن الجميع تنازلوا عن هيبتهم من أجل أن يقوم باسم بدوره!
كان عدد من النشطاء ينتظرون الزعيم الضرورة باسم يوسف في مظاهرة أمام دار القضاء العالي، وبدا المذيع في نظر العامة شجاعاً لا يهاب أحدا، لكن عندما ذهب الى نفس الجهة بعد الانقلاب في بلاغ تقدم به أحد العامة، كان خائفاً يترقب، ولم يكن هناك أحد يتظاهر، وغادر مصر كلها، ومن مكان اقامته قال إنه لم يقل إنه زعيم أو شجاع، وهذا التراجع في حد ذاته عقوبة، أن يشاهده الناس في هذه الحالة، فيعرفون كيف كان الرئيس محمد مرسي متسامحاً مع هؤلاء، وهو الذي ألغى الحبس في جريمة إهانة رئيس الدولة لينقذ صحافي حبسته النيابة بتهمة إهانة الرئيس، قبل أن يدخل الإعلام مرحلة «استهياف الرئيس»، ضمن مخططه الرامي لعزله!
حسناً، كانوا يقفون لمرسي على الواحدة، ولهذا يجد البعض أن الطريق في الرد باستهداف السيسي، وهو لا يُقصر في تقديم المادة الخام لهذا الاتجاه، ويغري بذلك اغراء لا يقاوم، فحتى صلاة العيد يخطئ فيها الإمام!؟
ابعد عن البث المباشر. لكني لست واثقاً في الخمس دقائق بعد التشفية!
أرض جو:
• سؤال انجانا جادجيل، في هيئة الإذاعة البريطانية، لرئيس وزراء إسرائيل السابق، سؤالاً مهنياً، لكن اعتذار الهيئة عن سؤال المذيعة على أساس أنه غير مهني، هو العمل غير المهني.
المذيعة سألت عن قتل الأطفال في جنين، إذا كانت القوات الإسرائيلية تعتبره عملاً سعيداً، لكن الحملة الإسرائيلية هاجمت المحطة البريطانية، فهرع القائمون عليها خوفاً وطمعاً فخرجوا عن المهنية باتهامهم المذيعة بعدم الحياد، وهل من الحياد اسقاط العدوان، وتجاهل الاحتلال، وعدم ذكر ضحايا الاجتياح لجنين، حيث إنها ليست المرة الأولى؟ وعلى وقع ما جرى هل يمكن للقوم إعادة تعريف الحياد؟!
• على قناة «دي أم سي»، كان المغني عمرو مصطفى ضيفاً بمناسبة اكتمال العام العاشر للانقلاب، وقد قال الفتى «شيلت كفني على ايدي من أجل البلد»، وهي عبارة يخطئ فيها القوم، ومع ذلك يحرصون على ترديدها، فالسيسي وضع كفه على يده في 30 يونيو/حزيران، وهكذا، وصوابها. «حملت روحي على كفي.»
احفظوا الجملة قبل أن تتسببوا للناشئة في خلل في الإدراك!
٭ صحافي من مصر