حدَثان هزَّا المجتمع الجزائري في الأيام الماضية وكشفا، مرة أخرى، أن هناك من يريد الإبقاء عليه غارقا في الهوامش: وفاة مطرب شعبي أثناء عملية شفط دهون، وفوز شابة من أعماق الصحراء بمسابقة ملكة جمال الجزائر. الأول اهتز لموته المجتمع لأنه، على ما يبدو، صاحب ميول جنسية مثلية. والثانية اهتز لفوزها المجتمع لأنها داكنة البشرة وتنحدر من منطقة خارج حزام الجزائر المفيدة.
وفاة المطرب هواري منار في ربيع العمر أثناء عملية جراحية، يُفترض أنها بسيطة وتجرى مئات المرات في اليوم حتى في بلدان متخلفة، لم تحرّك الضمائر الجزائرية إلا من حيث كون الفقيد كان مطربا شعبيا وصاحب ميول جنسية مثلية. لا أحد سأل عن ظروف وفاته. ولا أحد طالب بتحقيق في الوفاة. ولا أحد تحدث عن المنظومة الصحية المهترئة. لكن الدنيا قامت تتساءل هل يجب الترحم عليه أم لا. هل تجوز الصلاة على جثمانه أم لا. هل يستحق الدعاء له أم لا. هل يصح حضور جنازته أم لا!
هذه المأساة الشخصية والعائلية والطبية التي استفزت كل الناس، لم تستفز وزير الصحة باعتبارها وقعت في نطاق اختصاصه وقطاعه المنكوب إلى حد يفوق العقل. لكنها تطلبت تدخل «نجم الشاشة» المفتي غير الرسمي للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، الشيخ شمس الدين بوروبي. كانت فتوى الشيخ بوروبي، على الرغم من أنها في صالح الفقيد، ذروة المصيبة، لأنها كرَّست القضية في إطار ديني ـ أخلاقي، بعيدا عن طابعها المدني والقانوني.
خديجة بن حمو شابة دون العشرين تنحدر من منطقة أدرار (حوالي 1500 كلم جنوب غرب العاصمة)، فازت بمسابقة ملكة جمال الجزائر، فانطلقت آلة التشهير والفتوى. وانتهى الاعتقاد إلى أن النقاش بُني على مشاعر عنصرية، لأن خديجة سمراء البشرة أولاُ وتنحدر من الجزائر الهامشية ثانياً. وبسرعة انشغل المجتمع، عبر وسائل التعبير فيه، بهذا الموضوع كأنه حلَ كل مشاكله
وبقيت له مشكلة خديجة.
وسائل الإعلام، بكل أنواعها واتجاهاتها، غارقة في الضحالة والتسطيح، عاجزة عن تنظيم نقاشات جادة في أيّ مجال. البلد مقفل أمام حركة البشر وأمام السياحة والفعاليات الدولية والإقليمية
يصعب تصنيف المواقف من هذه الشابة تحت عنوان العنصرية. العنصرية شعور يطفو عندما يؤمن شخص بأنه ينتمي إلى عرق أفضل من الآخرين، ثم يبدأ التصرف وفقا لذلك الإيمان. في الجزائر لا يوجد إنسان، أو فئة، لديه إيمان بأنه أرقى من الآخرين. هناك انحرافات نفسية/اجتماعية ضربت الكثيرين: سكان المدن الكبرى يسخرون من سكان البلدات، وسكان البلدات يحتقرون سكان الأرياف، وسكان الأرياف يتنكرون لسكان الأرياف الأبعد منهم وهكذا. وهناك غرور اجتماعي ينبع من أمراض نفسية وأوهام اجتماعية وثقافية. هناك أيضا طبقية اجتماعية واقتصادية، لكنها في النفسيات فقط، لأن الغني لا ينفعه غناه كثيرا بحيث يجعله منفصلا عن الفقير أو المنتسب للطبقة الوسطى: يتسوقون جميعا في سوق واحدة، يقصدون المقاهي ذاتها، ويستعملون الطريق العام ذاته، ويسافرون عبر شركة الطيران ذاتها.
عدا ذلك، الجزائريون متساوون، بل هم ذاتهم ضحايا عنصرية الآخرين خارج بلادهم. وبدلاً من الحديث عن العنصرية، يجدر التأمل في أمراض اجتماعية/نفسية تتكرس وتتعمق باستمرار.
من الإنصاف القول إن كل المجتمعات منكوبة في هذا الزمن، كلٌ على طريقته. والأسباب موجودة في التغييرات البشرية والاجتماعية التكنولوجية التي فرضت نفسها على العالم وفعلت بالناس ما فعلت.
لكن المجتمع الجزائري زاد عن المجتمعات الأخرى بذهابه بعيداً في الاحتفاء بالقضايا الهامشية، وبمعاناته من فراغ سمح لكل الناس بالفتوى في كل شيء. لهذا لا يجب أن يُستغرَب أن الدنيا قامت في القضيتين المذكورتين.
لسوء حظ الجزائر اليوم أنها بلا رموز اجتماعية موثوق فيها، وبلا نماذج. لا رجال سياسة، ولا علماء، ولا فنانين، ولا مثقفين، ولا رياضيين. لا أدب جدير بالذكر، ولا سينما ولا غناء يستحق الاحترام. الأدب القليل الموجود يستهدف غير الجزائريين. الأفلام النادرة جداً تُنتج في جغرافيا أخرى وليس لها من الجزائر إلا اسم المخرج أو عنوان الفيلم. التأليف الغنائي والموسيقي متوقف، ما يفسر أن الجزائريين يطربون حتى الثمالة لأغانٍ عمرها عشرات وربما مئات السنين، يعاد تدويرها كيفما كان. وسائل الإعلام، بكل أنواعها واتجاهاتها، غارقة في الضحالة والتسطيح، عاجزة عن تنظيم نقاشات جادة في أيّ مجال. البلد مقفل أمام حركة البشر وأمام السياحة والفعاليات الدولية والإقليمية. المجال الوحيد المفتوح هو هامش المظاهر والتعبيرات الدينية. لكن حتى رجال الدين فقدوا تأثيرهم الروحي.. يستمع لهم الناس في المساجد والخطب التلفزيونية، ثم يفعلون عكس ما قال الإمام أو المفتي.
نحن، إذن، أمام ظلام دامس هو نتيجة تراكمات طويلة. العنوان هذه المرة خديجة وهواري. لكن هناك عناوين سابقة وأخرى لاحقة.
المجتمع الجزائري في وضع محيّر: هل تشفق عليه أم تقول «هنيئا لأعدائه به». إنه بحاجة إلى «شغل» كثير، بل إلى معجزة.
كاتب صحافي جزائري
كان بالإمكان أن تضيف اهتمام الناس وتأثرهم بمأساة الشاب عياش الذي توفي في ظروف درامية غريبة. لكن المأساة الكبرى يا سيد توفيق هو أننا أصبحنا في البلدان العربية نهتم بالتفاهات لأننا نفتقد كل شيئ: الحياة الكريمة الآمنة والنخبة السياسية النبيلة و النخبة المثقفة المؤثرة و الفن الجميل والذوق الراقي وروح الأخلاق العالية في المنافسات الرياضية.
السلام عليكم
تحية طيبة مباركة
لم أجد أجمل الجميلات كأمي -رحمة الله عليها-وما دون ذلك كلّه نسبي والتعليق عليه والإنشغال به مضيعة للوقت
أمّا أجمل لحن سمعته كان صوت الأذان والنوم يغالبك فقمت متغلّبا علي لذة النوم …وما دون ذلك نسبي …والناس فيما يسمعون(يعشقون) مذاهب
ولله في خلقه شؤون
وسبحان الله
لن أعلق على هذا الجزء( هواري وخديجه ) فليس هنا إلا زوبعه غبار في عصر يوم جزائري في صحار الجزائر الحبيبه ……. ما لفت انتباهي هو إسم رجل هواري ، فظننت أن الموضوع هو الراحل الرئيس الشجاع حبيب العرب وفلسطين البطل “هواري بومدين ” رحمه الله ( الفاتحه على روحه) . كانت الجزائر في أيام هواري بومدين مصدر الاخبار المفرحه وتبعث الأمل وكان هواري رحمة الله صاحب المبادرات والتدخلات والمفاوضات بين الدول لانهاء الخلافات وسند العرب والمسلمين والمظلومين حول العالم حتى المظلومين والمضطهدين السياسيين مثقفين السود الأمريكان منظمه الفهود السود لجأت للجزائر بعد إن اعلنتها أمريكا منظمه أرهابيه وكانت كل مطالبهم انذاك حقهم في المساوة في الحقوق المدنية والمواطنه عاشت الجزائر… يحيىا الجزائريون … ورحمة الله على هواري بومدين
غيرة وحسد ادعو لهذا المطرب بالرحمة والغفران ولهذه الشابة بان تكون ملكة العالم
مذهل يا سي توفيق…. صح عبرت بكل مايجول في خاطر المثقفين الصامتين………