مدريد ـ ‘القدس العربي’ ـ من حسين مجدوبي: يعود الماضي الإستعماري الفرنسي بمظاهره المأساوية الى منطقة المغرب العربي مجددا بعدما كشفت وزارة الدفاع الفرنسية وتحت ضغط القضاء على خريطة تبرز الرقعة الجغرافية للأاشعاعات النووية لأول تجربة أجرتها باريس في الجنوب الجزائري، وامتدت علاوة على الجزائر الى كل من المغرب وتونس وموريتانيا وليبيا.
وبدأت فرنسا تجاربها النووية في جنوب الجزائر، ونفذت أول تجربة تفجير يوم 13 شباط / فبراير 1960 وتلتها تجارب أخرى في هذا البلد المغاربي، ولاحقا في منطقة البولينيزي في المحيط الهادي بعد استقلال هذا البلد المغاربي. وأجرت فرنسا ثلاث تجارب نووية أقواها ‘اليربوع الأزرق’ سنة 1960 وفاقت قوتها قنبلة هيروشيما 15 مرة.
و يبرز تعرض المنطقة لأربع تجارب خلال سنة واحدة مدى خطورة الاشعاعات المتراكمة.
ولجأت فرنسا الى أخطر التجارب النووية وتتجلى في تفجير القنبلة النووية في الهواء، وتمثلت التجربة الفرنسية في تفجير نووي على علو مائة متر فقط ولم تكن هناك تجارب تحت البحر أو سطح البحر أو خارج الغلاف الجوي. والتجربة الفرنسية تسببت في أكبر نسبة من التلوث والإشعاع لأنها تمت في الجو وتستمر تأثيراتها زمنا طويلا.
وطيلة عقود تسترت فرنسا على الجرائم المترتبة عن هذه التجارب، والتزمت الصمت بعدما لم تتعرض لضغوطات من أنظمة المغرب العربي لفتح تحقيق. لكن التحقيق بدأ عندما تقدم مؤخرا مواطنون فرنسيون عملوا في هذا المشروع برفع دعوى الى القضاء للمطالبة بفتح تحقيق وتعويض عما لحقهم من أضرار صحية جراء هذه التجارب، ويتعلق الأمر بمرض السرطان أساسا.
واضطرت وزارة الدفاع الفرنسية، وتحت ضغط القضاء، للكشف عن خريطة خطيرة للغاية تتضمن رصد الرقعة الجغرافية للإشعاعات. وانفردت جريدة ‘لوباريسيان’ بنشرها يوم الجمعة الماضية، وتبين أنها شملت مجموع إفريقيا الغربية ومست كل منطقة المغرب العربي وحتى سواحل اسبانيا علاوة على غرب إفريقيا.
ويشكك خبراء الطاقة النووية في خرائط الجيش، حيث يعتقدون أن التأثير الإشعاعي أكبر وأقوى، وفقا لما نشرت جريدة ‘لوباريسيان’.
وتلتزم دول المغربي العربي الصمت تجاه هذه الخريطة، علما أن نسبة من وفيات السرطان في المغرب العربي وأمراض أخرى مرتبطة نسبيا بهذه التفجيرات خاصة في جنوب المغرب العربي وشمال موريتانيا.
ولم يصدر سوى رد فعل واحد حتى الآن عن الجزائر التي طالبت بتحقيق في هذا الملف على لسان وزارة المجاهدين، وكانت تطالب بذلك منذ مدة، ولكن ظهور الخريطة كوثيقة رسمية تؤكد وجود إشعاعات سيزيد من قوة الموقف الجزائري.
وبدأ هذا اللمف يحظى باهتمام في شبكات التواصل الاجتماعي في المغرب العربي، ومن ضمن ما وقفت عليه ‘القدس العربي’ تعليق لمواطن جزائري يقول ‘البرلمان الفرنسي ندد بمجزرة الدولة العثمانية ضد الأرمن التي وقعت بعيدا زمنيا وجغرافيا عن فرنسا، لكن سادة باريس يرفضون فتح تحقيق في جريمة ارتكبوها في حق شعوب المغرب العربي وإفريقيا من خلال هذه التجارب النووية’.