الجزائر- “القدس العربي”:
تثير مواقف بعض الروائيين الجزائريين الذين ذاع صيتهم في السنوات الأخيرة خاصة في فرنسا، الاستغراب من حيث تماهيها التام مع الرواية الفرنسية للأحداث في فلسطين والتي في أحسن الحالات، إن لم تنحاز لإسرائيل، تحاول المساواة بين الضحية بالجلاد، وهو ما يتناقض كليا مع الموقف الشعبي والرسمي الداعم بقوة لفلسطين من حيث كونها قضية تحرر ومقاومة.
من أبرز هؤلاء، الكاتب الشهير محمد مولسهول المعروف بياسمينة خضرا (الاسم المستعار لزوجته) بعد صمت طويل، خرج بمقال نشره على صفحته التي يتابعها مئات الآلاف، يساوي فيه بين ما فعلته المقاومة الفلسطينية يوم 7 أكتوبر ورد فعل جيش الاحتلال الإسرائيلي، “من يفرح بما قامت به حركة حماس لا يستحق أن يكون إنسانًا”.
وزعم خضرا أن “حماس قامت بذبح المدنيين الإسرائيليين بلا رحمة، والقضاء على عائلات إسرائيلية، دون سابق إنذار أو ضبط النفس، ومن يفرح به لا يستحق أن يكون إنسانًا”. وحاول الكاتب موازنة هذا الموقف بالقول “رد فعل إسرائيل يتجاوز الفهم، إن التفكير في الأمر هو بالفعل تجديف يصم الآذان في صمت الضمائر. ضمائر؟ هل ما زالوا موجودين؟ أشك”.
واستدرك قائلا: “حبس الناس في “غيتو” لدهور، وحرمانهم من الماء والكهرباء والغذاء عن طريق قصفهم ليلا ونهارا، دون تمييز ودون هدنة، وسحقهم في نفس نبع النار والفولاذ الأمهات والأطفال والشيوخ والمرضى والأطفال إن هذا ليس الرد الصحيح على الهجمات، مهما كانت وحشية، من جانب حماس”.
وفي اعتقاد الكاتب، وهو ضابط متقاعد في الجيش الجزائري، فإن “التاريخ ليس سوى جرد للأهوال والأعمال الانتقامية التي لم تتحقق، والخسائر الفادحة لعدم قدرتنا على استحقاق العيش في سلام وفرح”. واعتبر أن “الإدانة ليست كافية. الإدانة ليس لها صدى أكثر من صرخة تحبس الأنفاس. إن دعوة الحكمة هي مناشدة العقل، لقد اتضح أن العقل، مثل الحقيقة، لم يعد له رأي”.
وتحسر الكاتب ، على ما يجري في فلسطين التي تعيد حسبه في كل مرة “إنتاج مخيفة لنفس الحلقة المفجعة، التي أصبحت لا تطاق على نحو متزايد، ولمدة ثمانية عقود تقريبًا، لم يكن الأمر سوى مأساة ودموع ودماء وكراهية خيالية ودمار واستشهاد وانتقام”.
وأضاف قائلا: “لقد أصبحت أرض الأنبياء ساحة العصر الحديث وكأن حروب الأمس لم تكن كافية لجعل الجميع يفهم أن الشيء الوحيد الحقيقي هو الحياة والشيء الوحيد المقدس هو واجب العيش ودع غيرك يعيش”.
أما الكاتب الآخر كمال داود، فموقفه لم يعد مفاجئا، منذ كتب مقالات سابقة، بينها مقال عن “عدم تضامنه مع فلسطين”، وأخرى بلغة اعتبرت تبريرية لإسرائيل، واتضح ذلك مرة أخرى بشكل واضح في مقاله الأسبوعي بمجلة “لوبوان”، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول. وقد ذهب في مقاله الأخير إلى أن يكتب نصا اعتذاريا تحت عنوان “رسالة لإسرائيلي مجهول” في المجلة اليمينية الفرنسية، ذكر فيه أنه تربى على كراهية (الإسرائيلي) لكنه بذل مجهودا ليفهمه.
وجاء في هذا النص “لقد استغرق الأمر مني وقتًا طويلاً حتى أتمكن من مقابلة شعبكم ومحاولة فهم تاريخكم. وأعتقد، وربما أخطئ، أنّنا لا نفهم في بلادنا غضبك من العيش بعد قرون من محاولات الإبادة. ولا نفهم شيئًا من معاناتك القديمة أو الثقل المروع للأرض التي تم استعادتها أخيرًا. ولا نفهم أنّك في حربك تريد الدفاع عن نفسك ضد الموت المطلق، واختفاء أحبائك نهائيًا، سواء كانوا أحياء أو أمواتًا”.
وأضاف صاحب رواية ميرسو تحقيق مضاد التي يحاكي فيها ألبير كامو: “من ناحية أخرى، في بلادنا، لا نتذكر سوى نهب الأراضي، والاستسلام، والشعب الملعون، بينما أنتم شعب استيقظ أخيرًا. ولم نر فيكم سوى استعمار، وفي السنوات الأخيرة، ملحمة عتيقة للشعب المختار الذي يرفض قانون الإله الذي انحاز إلى جانبنا.
وتابع داود، الذي يحظى بحفاوة واضحة في الإعلام الفرنسي، يقول مخاطبا “الإسرائيلي المجهول”: “في الوقت الحالي، أجد صعوبة في مشاهدة صور المدنيين الذين قُتلوا في غزة، وليس لأنني أريد قتلكم، أو لألومكم أو أقاتلكم. فقط لأنني أجد صعوبة في إيجاد صوت وطريق. لقد أدركت أخيرًا، بعد عقود، رغبتك، سيدي، في العيش والسكن في مكان بعد ثلاثة آلاف عام من الباب إلى الباب في عالم من التمييز. أفهم شيئًا فشيئًا، في الضجيج والظروف التي عانيت منها في طفولتي، حقك، ورغبتك في الحياة والثروة. لا أريد أبدًا أن أضيف صوتي أو ترددي إلى أولئك الذين يتخيلون أن قتلكم، واتهامكم، وجريمته منذ قرون يكفي ليشعروا بأنهم في جانب الله أو المستعمر”.
واستطرد الروائي الجزائري الذي يعد من أصدقاء الرئيس الفرنسي قائلا: “لكنني لا أستطيع قبول الحرب من أي مكان تأتي، وأي اتجاه تدعي أنها تذهب إليه. أرفض أن يمنح الإسلاميون أنفسهم الحق “الإلهي” أو “المقاومة” لقتلكم، وقتل أطفالكم، وأفهم أنكم تلجأون إلى القتال والحرب من أجل البقاء. لكن لا يمكنني تخيل الألم والصرخة لمن يقعون محاصرين بين غضبك، ورغبتك في الانتقام، وحاجتك إلى الأمن، وهذه الجماعات الإرهابية التي تتذرع بحرب الاستقلال لتوسيع خلافتها. أقتنع أنه لو كنت مكانك، لكنت فعلت الشيء نفسه، لكنني أقول لنفسي أن الحرب لا تمنع الحرب التالية، بل تغذيها. أشرح لك رغبتك في الحفاظ على حياة أحبائك، لكنني ما زلت مقتنعًا أن كل حرب غير عادلة، حتى لو كانت مبررة”.
من جانبه، ذهب الكاتب الجزائري بوعلام صنصال الذي سبق كمال داود في التبرير لإسرائيل، وكان أثار جدلا واسعا سنة 2012 بزيارته لها وارتدائه الطاقية اليهودية، للتعبير عن صدمته وغضبه من هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023.
وطرح صنصال وهو موظف سابق في وزارة الصناعة الجزائرية عدة أسئلة رآها كثيرون متحاملة في عمود له على مجلة “ماريان” الفرنسية، قائلا “هل كان محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، على علم بمخطط حماس؟ هل حاول منعه؟ هل أبلغ الحكومة الإسرائيلية عن الاستعدادات؟ لماذا دعمت إيران، التي تشارك في مشاريع ضخمة في إطار التكوين الجيوسياسي الجديد الذي رسمته مجموعة بريكس، خطة حماس الإجرامية؟ لماذا يظل الفلسطينيون، وخاصة سكان غزة، سلبيين؟ لماذا لا يثورون ضد حماس وأجهزة السلطة الفلسطينية الفاسدة التي تحكمهم منذ النكبة في عام 1948؟ متى سيأخذون مصيرهم بأيديهم ويتوقفون عن الاعتماد على الحكومات العربية التي تستخدمهم كأدوات ضغط في سياستها الخارجية أو شعارات في مطبخه الداخلي لقمع شعوبها؟”.
أما حول إسرائيل، فتساءل الكاتب بنعومة قائلا “هل الديمقراطية العظيمة والجميلة، تتحول بسرعة إلى جمهورية ثيوقراطية متطرفة على غرار إيران أو السعودية؟ هل سيصل الأمر إلى أن تمتلك النخبة الدينية ذات القبعات الكبيرة جيشها الخاص، مثل الحرس الثوري أو حزب الله؟ هل استسلم الإسرائيليون، مثل العرب، لإرادة النظام الديني؟”.
وتمثل فلسطين موضوع تباين كبير بين هذه القلة من الكتاب الذين يظهرون في المناسبات الكبرى بهذه المواقف وبين عموم الكتاب والمثقفين المنسجمين مع الخط الوطني الداعم لفلسطين والمقاومة بمختلف أشكالها ضد الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي. وكان أحد أشهر الروائيين في الجزائر رشيد بوجدرة قد خصص مؤلفا كاملا لظاهرة الكتاب الذين يتحدثون بلغة متعاطفة مع الظاهرة الاستعمارية ويقيمون مراجعات حتى حول الثورة الجزائرية، واصفا إياهم بـ “زناة التاريخ”.