خطة “الاقتصاد مقابل الأمن” الإسرائيلية في غزة.. هل تُبصر النور؟

حجم الخط
0

غزة- نور أبو عيشة:
تباينت آراء محللين سياسيين حول جديّة خطة طرحها وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، مؤخرا، تربط بين تحقيق “رفاهية اقتصادية” في قطاع غزة، مقابل استتباب الأمن في العلاقة مع إسرائيل.
ويعتقد بعض المحللين أن إسرائيل جادة بتنفيذ الخطة لتقليل التهديدات التي تتعرض لها انطلاقا من غزة، خاصة في ظل فشل محاولاتها العسكرية لذلك.
فيما يرى آخرون، أن الخطة غير قابلة للتطبيق وأن إسرائيل غير جادة في تنفيذها، لكنها تتماشى مع الموقف الدولي، وخاصة في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن، التي طالبت في أكثر من مناسبة، بضرورة تحسين أوضاع قطاع غزة المعيشية.
وأجمع المحللون على أن هذه الخطة “غير واضحة التفاصيل”، وفيها غموض خاصة فيما يتعلق بكيفية “تحقيق أمن إسرائيل”.

“الاقتصاد مقابل الأمن”
وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، قال الأحد، إن هذه الخطة، مقرر لها أن تنفذ عبر مرحلتين؛ الأولى تكون بإعادة الإعمار وتقديم الاحتياجات الإنسانية في غزة، مقابل إضعاف قوة “حماس” العسكرية عبر قوات دولية، دون تقديم توضيحات بهذا الخصوص.
أما الثانية، بحسب لابيد، فأطلق عليها “خطة اقتصادية كاملة تضمن الأمن”؛ بحيث تساهم في اختلاف شكل الحياة كليا وعلى نحو إيجابي في قطاع غزة؛ بشرط قبول غزة لتفاصيل المرحلة الأولى، وتولي السلطة الفلسطينية زمام الأمور على صعيد الإدارة المدنية والاقتصادية في القطاع”.
وتشمل المرحلة الثانية “تطوير مشروع الجزيرة الاصطناعية قبالة ساحل غزة؛ مما سيسمح ببناء ميناء، كما سيتم بناء شبكة مواصلات بين قطاع غزة والضفة الغربية”.
وأضاف أن المرحلة الثانية ستتضمن، كذلك، تعزيز الاستثمار الدولي داخل قطاع غزة والمشاريع الاقتصادية المشتركة مع إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية.
ويعاني سكان قطاع غزة، وهم أكثر من مليوني فلسطيني، أوضاعا معيشية متردية للغاية؛ جراء حصار إسرائيلي مستمر على القطاع، منذ عام 2007.
وبجانب هذا الحصار، يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي من حين إلى آخر عمليات عسكرية على غزة، أحدثها عدوان استمر 11 يوما بين 10 و21 مايو/ أيار الماضي.

تغيير في الموقف
يقول أسامة محمد، الكاتب والمحلل السياسي، إن “صنّاع القرار في إسرائيل أدركوا بعد عدة سنوات أن سياستهم باتجاه قطاع غزة، لم تكن مُجدية، ولم تنجح في تقويض قدرات المقاومة، أو تحقيق الهدوء في المستوطنات”.
وأضاف أن هناك 4 عوامل أدت إلى تغيّر الموقف لدى بعض أقطاب الحكومة الإسرائيلية.
العامل الأول، وفق محمد، يكمن في “رغبة إسرائيل في التركيز على الجبهة الشمالية (لبنان وسوريا) والتهديد النووي الإيراني”.
والعامل الثاني يتمثل في “وقف استنزاف الجيش الإسرائيلي في معارك وجولات قتالية (في غزة) لم تحقق أهدافها”.
بينما يتمثل العامل الثالث، بحسب محمد، في رغبة إسرائيل بـ”إيجاد أفق سياسي للتسوية مع السلطة الفلسطينية، من خلال خطة تضمن الهدوء على جبهة غزة وعزل حماس”.
وأخيرا، فإن العامل الرابع يعكس مساعي إسرائيل لـ” ضمان هدوء وأمن مستدامين لسكان مستوطنات غلاف غزة، ومنع الانجرار لمعركة مع المقاومة”.
ويعتقد محمد أنه من الممكن “تطبيق هذه الخطة نظرا لرغبة حماس في إنهاء حصار غزة وتحسين الأوضاع المعيشية للسكان، لكنها تصطدم بتحديات”.
من هذه التحديات، بحسب محمد “عدم وجود إجماع كامل داخل الحكومة الإسرائيلية حول هذه الخطة، خاصة في ظل وجود عناصر يمينية متطرفة ترفض مبدأ التفاهم مع حماس”.
وأردف: “هناك مخاوف لدى الأجهزة الأمنية في إسرائيل من استغلال حماس للخطة لمراكمة قوتها العسكرية وتهديد إسرائيل”.

جدية في الطرح
من جهته، يعتقد عمر جعارة، المختص في الشأن الإسرائيلي، أن إسرائيل “جادة في طرحها للخطة الاقتصادية”.
وقال إن إسرائيل “أدركت أنها لا تستطيع أن تغيّر واقع غزة بالقوة العسكرية أو إحراز نصر ضد المقاومة، ما دفعها للذهاب إلى مبدأ الاقتصاد مقابل الأمن”.
واستكمل: “إسرائيل في جولاتها العسكرية بغزة لم تحرز نصرا حاسما يضمن لمستوطنيها الهدوء ولم تضعف المقاومة ولم تمنع إطلاق الصواريخ، بالعكس فإن القدرات العسكرية للمقاومة شهدت تطورا في السنوات الأخيرة”.
ويعتقد أن المقاومة بغزة قادرة على “تحقيق أهدافها التي تريد انتزاعها من إسرائيل بسبب فاعلية مقاومتها، بينما إسرائيل لا تستطيع أن تفعل ذلك”.
ويرى أن إسرائيل تسعى من خلال هذه الخطة إلى “خلق موقف منسجم مع الموقف الأمريكي الجديد”.
ويرجّح أن ترفض الفصائل الفلسطينية، الخطة، في حال عُرضت عليها من أحد الوسطاء، قائلا: “الصراع سياسي وليس اقتصاديا”.

تجاوز للصراع
بدوره، يرى شاكر شبات، الكاتب والمحلل السياسي، أن هذه الخطة غير قابلة للتطبيق في ظل رغبة إسرائيل في أن “يتنازل الجانب الفلسطيني عن حقوقه”.
ويضيف أن الخطة الاقتصادية الإسرائيلية “تتجاوز حقيقة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وتحوله من سياسي إلى اقتصادي”.
وتابع: “الفصائل تتبنى فكرة المقاومة، ليس من أجل تحسين شروط الحياة الاقتصادية فقط، بل من أجل انتزاع الحقوق السياسية وإقامة الدولة”.
ويوضح أن الخطة ما زالت فضفاضة إذ أن ملف “أمن إسرائيل” يعد قضية “مليئة بالتفاصيل لم يتم ذكر كيف سيتم تحقيقها خاصة في ظل وجود جنود إسرائيليين أسرى في قبضة المقاومة”.
ويضيف أن إسرائيل قد تفرض أيضا “اشتراطات أمنية تسبق الموافقة على هذه الخطة، ما يعني أن تطبيق الخطة قد يحتاج إلى سنوات طويلة”.

الضغط على “حماس”
من جانيه، يرى فايز عباس، المختص في الشأن الإسرائيلي، أن هذه الخطة تهدف ربما إلى “توجيه ضغط اجتماعي من سكان غزة تجاه حماس”.
وقال: “هذه الخطة تثير عواطف الفقراء في غزة، الذين يشكلون أغلبية، ما يدفهم ربما للتمرد على قيادة القطاع، ويجرونه نحو مربع الفتنة (تثوير المجتمع)”.
ويستبعد أن تكون إسرائيل جادة في طرحها لهذه الخطة، قائلا: “إن كافة الوعود الإسرائيلية كاذبة”.
ويشير إلى أن إسرائيل قد تبحث الخطة مع عدد من الدول العربية كي “تمارس ضغوطا على قطاع غزة، والفصائل، للموافقة عليها”.
ويعتقد أن إسرائيل لن تقبل تطبيق الخطة إلا اذا “سلّمت المقاومة بغزة سلاحها، وهو أمر مستحيل الحدوث”.
ويتفق عباس مع سابقيه في أن هذه الخطة تهدف إلى “تحويل الصراع من سياسي إلى اقتصادي، بحيث يقتصر على تحسين الظروف المعيشية للسكان، بعيدا عن حقوقهم السياسية والوطنية”.

(الأناضول)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية