خياران لا ثالث لهما عمليا أمام الحكومة الأردنية ورجالها في أذرع الإعلام الرسمي عندما يتعلق الأمر بتقييم الخطوة التالية وطنيا بعد الإقرار العلني المؤسسي بما كانت المعارضة تسميه قبل اتهامها وشيطنتها بأطماع اليمين الإسرائيلي في الأردن.
الخيار الأول: إظهار قدر من الاحترام والتقدير لأصحاب الرأي المستقل والخبرة الذين هوجموا في الماضي وتم التشكيك بولائهم للنظام السياسي لأنهم طرحوا علنا ومن صبيحة يوم 7 أكتوبر مقاربة أردنية تقول إن مصالح وحماية البلاد تتطلب فهم وقائع الصراع والانحياز للمقاومة.
إذا أدركنا أن من قالوا برأي مستقل خارج النص الرسمي مبكرا ناصحين أو قلقين على الوطن والنظام هم مواطنون أردنيون صالحون وليسوا أصحاب أجندات لا مع محور أو فصائل المقاومة. ولا مع أي محاور أخرى، فعلى الحكومة والمؤسسات أن تعيد إنتاج المشهد وتبدأ بالإصغاء، فقد خسرنا كأردنيين بكل صراحة 10 أشهر على الأقل ونحن في حالة ترقب وحيرة واضطراب، وهي 10 أشهر مهمة اختلفت فيها الموازين وإن كانت النصيحة أو حتى المقترحات لا تقلل من قيمة لا الثوابت المعلنة والتي نصفق لها جميعا باسم الدولة، ولا حتى الإجراءات التي تعكس بكل الأحوال إيمان ويقين الأردنيين بمؤسساتهم وبخبراتها في الحرب والسلم وفي الاشتباك.
حسنا فعلت بعض الرسائل التي ينشرها صحافيون وكتاب اليوم عندما أظهرت وحدة الأردنيين بصرف النظر عن اجتهاداتهم السياسية مرتين على الأقل بأسبوع واحد ودفعة واحدة؟
في المرة الأولى تقارب التشخيص الوطني عموما وبصورة أفقية من بعضه البعض رغم الاختلاف هنا أو هناك وعلى أساس الإيمان الرسمي المتأخر بأن سياسات اليمين الإسرائيلي تخنق الجغرافيا والمصالح الوطنية.
النص الرسمي اقترب من ضمير الناس مما يعني أن على الحكومة وفورا مخاطبة مؤشرات قلق الأردنيين من انقلاب إسرائيلي أصبح واقعا موضوعيا بالرواية الرسمية وليست الأهلية.
تلك مساحة من المناورة أمام دوائر القرار الرسمي تتيح المزيد في حالات المصارحة والشفافية في الزاوية المرتبطة بأن الأردنيين قيادة وشعبا معا في مواجهة المخاطر مادام إنكارها لم يعد هو الدرب الأسلم.
الخيار الثاني: هو المؤسف والمؤلم وطنيا فلا أحد أصلا يمس بالثوابت أو يشكك فيها ولا أحد يمنح بعض أطراف ما يسمى بمحور المقاومة شيكا على بياض باسم الأردنيين من الثقة المطلقة.
تقارب التشخيص الوطني عموما وبصورة أفقية من بعضه البعض رغم الاختلاف هنا أو هناك وعلى أساس الإيمان الرسمي المتأخر بأن سياسات اليمين الإسرائيلي تخنق الجغرافيا والمصالح الوطنية
وبالتالي مهمة لنخب المسؤولة في الإدارة العليا إعادة تجميع الأردنيين على النص الوطني الواحد والواضح في جزئية العلاقة المرتبكة الإشكالية المرتبطة بمستقبل العلاقة الأردنية ليس مع الفلسطينيين فقط، ولكن مع القضية الفلسطينية ومع الصراع وجوهره وأيضا مع أطماع اليمين الإسرائيلي العلنية والمكشوفة والتي انتخبت على أساسها حكومة تل أبيب الحالية.
رصدنا مع الملاحظين مؤخرا بعض الاجتهادات والآراء والمقالات التي تحاول تبرير المنطق المتهالك القديم. ورصدنا سيناريوهات تريد الإصرار على اتهام كل صاحب رأي أو مجتهد قال شيئا في الصلابة الوطنية وتنويع الخيارات منذ 10 أشهر كما رصدنا محاولات ممجوجة لتبرير مرحلة كانت طويلة للأسف في إنكار المخاطر. ومحاولات أخرى أكثر خبثا في إنكار المخاطر، الأمر الذي يؤشر على أن بعض الأقلام تواصل اللعبة القديمة، وهي الحرص والسهر على إبعاد الشعب عن دولته والتمسك بافتعال أزمات وفتن غير موجودة، لأن دعم أي مواطن أردني بسيط في أي لحظة لفكرة الانحياز للمقاومة كان بالتأكيد جذرها الأساسي هو الحرص على المؤسسات الأردنية ومصالحها في ظل معركة استراتيجية وتاريخية وكبيرة، من الصعب إدارتها بمنطق التكيف مع أطماع إسرائيل.
ما لمسناه مؤخرا للأسف الشديد وفقا لسيناريوهات تهافت التهافت وجود إصرار على أن من حاولوا تقديم النصح وتقدموا بتحليل اختلف مع النص والإجراء الرسمي لا يزالون مخطئين ويمكن بكل بساطة اتهامهم بالتغريد خارج السرب الوطني من شريحة مستجدة في الإعلام والرأي لا يمكن عزلها عن السياق الانتهازي أو السعي ضمن مقتضيات واحتياجات غامضة حتى الآن للاجتهاد في إنتاج وهم يوحي أن قوى الشارع الأردني خارج حسابات الدولة.
هذا الوهم مؤشر كبير على خلل فاضح وفادح. ومن غير المقبول أن تتاح له فقط منابر الإعلام الرسمي في مسلسل أزمة أدوات مسترسلة نتيجتها الطبيعية مجربة سابقا بعنوان السحب دوما من رصيد النظام والدولة، علما أن مواقف الدولة الأردنية هي الأنبل والأجرأ، لكن تعبيرات الإعلام الرسمي لا تملأ الفراغ ولا تجيب على أسئلة الشعب الأساسية لا بل هي الآن التي تغرد خارج السرب وتعبث بالطبق.
لذلك وبكل صراحة آن أوان اتخاذ قرار سياسي مركزي بأن تلجم حرصا على مصالح الدولة تلك الأصوات التي تحترف التأزيم مع المجتمع أو تمتهن شيطنة الناس أو تعاود إنتاج الانطباع بأن البوصلة الرسمية فيما تفعله خلف الستائر في اتجاه وما تقوله علنا في اتجاه آخر، وهو أمر غير صحيح البتة على الأقل هذا ما فهمناه مؤخرا.
إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»