مرة اخرى يتحدث معنا بالانكليزية، رئيس الوزراء. هذه المرة من على صفحات ‘واشنطن بوست’. والفكرة التي اقترحها بالذات تأسر القلب. فقط كي نرى بنيامين نتنياهو يجلس في خيمة على خط التماس بين القدس ورام الله، ربما قرب حاجز الرام، حيث يمكن للمرء أن يشهد عن كثب أزمة الاف المواطنين الفلسطينيين، تستحق الفكرة أن نتبناها. ‘الى أن نصل الى اتفاق’، حدد نتنياهو الجدول الزمني المخطط له لجلوسه في الخيمة. مشوق، الجلوس الى الابد في الخيمة؟ وكم ستكلفنا هذه الخيمة؟ يمكن ان ندع الخيال يفلت من العقال. يمكن فقط ان نصف الغثيان الذي سيصيب جون كيري ومحمود عباس من مجرد التهديد بالجلوس ولو لنهاية اسبوع واحدة تحت القماش، في الحر الشديد، بصحبة الذباب، وكل ذلك لتحقيق اتفاق يمكن تحقيقه في مكتب مكيف، الى جانب طاولة من خشب المهجوني واطباق البوريكس. ولكن حتى بالانكليزية يخادع نتنياهو. فهو سيكون مستعدا لان يدخل الخيمة ‘بدون شروط مسبقة’، شعار جميل وكاذب لان نتنياهو يصر على شرطين محبطين للمفاوضات: اعتراف فلسطيني في أن اسرائيل هي دولة الشعب اليهودي، ونقاش في كل المواضيع الجوهرية. هذا ابتكار ‘القفل المزدوج’ الذي بموجبه يكون عباس مطالبا بان يوافق على البحث منذ المرحلة الاولى في موضوع متفجر مثل حق العودة، ولكن ان يوافق مسبقا بانه لا يوجد ما يمكن البحث فيه، لان اسرائيل هي دولة الشعب اليهودي، إذ انه اذا لم يعترف بذلك، مسبقا، فان نتنياهو لن يدخل الى الخيمة. من دون نقاش في حق العودة سيخترق على اي حال شرطا آخر من شروط نتنياهو الذي يطالب بالبحث في كل المواضيع الجوهرية كرزمة واحدة، وهكذا تأتي النهاية للمفاوضات حتى قبل ان تبدأ. نتنياهو يغلف معارضته للمفاوضات بغلاف من الشرعية. فبدلا من الوصول الى المفاوضات وتفجيرها على خلافات مثل ترسيم حدود وبناء مستوطنات، والمخاطرة بذلك في أن تتهم اسرائيل بالرفض وبالنية للسيطرة على المناطق الى الابد، ووضع واشنطن امام معضلات من شأنها أن تهدد مكانة اسرائيل في العالم، يسعى نتنياهو الى منع مجرد بدء المفاوضات. حتى الان استخدم جيدا إرث ‘اللا شريك’ الخاص بايهود باراك، ونجح ايضا في اقناع الجمهور بانه لا يمكن ادارة مفاوضات مع من لا يعترف بدولة اسرائيل كدولة لليهود. ظاهرا، لا يوجد شيء آخر يمكنه أن يشكك بشرعية عدم الدخول الى المفاوضات. حين يستدعي تشخيص الفوارق بين نتنياهو ونفتالي بينيت ويئير لبيد استخدام المجهر، حين دخلت المعارضة في قيلولة الصيف، حين تسير الولايات المتحدة نحو الانطواء على نفسها وايران تبعث على الفضول اكثر مما تبعث الرعب، يمكن لنتنياهو أن يتمتع بالراحة. فهو ليس مطالبا باجندة سياسية، الضفة هادئة، حماس تحت ضغط اقتصادي وسياسي بسبب الشرخ مع مصر وفقدان المداخيل من ايران، واذا كانت هنا وهناك عمليات، فثمنها بخس اكثر بكثير من التنازل عن بضعة كرفانات في احد التلال. تبقى فقط مشكلة هامشية واحدة، باعثة على التثاؤب ولجوجة. ما هي الاجندة الفلسطينية؟ هل تتضمن يقظة عنيفة اخرى؟ هل سيستأنفون توجههم الى الامم المتحدة، هذه المرة لتحقيق مكانة دولة عضو وليس فقط بصفة مراقب؟ الى اين سيوسعون الكفاح لمقاطعة اسرائيل؟ بشكل عادي، كانت مسائل كهذه ستهز الخطاب الجماهيري وتقض مضاجع الحكومة المسؤولة. اما في اسرائيل فيخيل أننا ننتظر فقط الخطوات ‘احادية الجانب’ من جانب الفلسطينيين. إذ أن احادية الجانب هي احتكار اسرائيلي، والمحاولة الفلسطينية للتشكيك بها هي دوما حجة ‘شرعية’ لرفض المفاوضات وفرض العقوبات، مثلما حصل بعد توجه الفلسطينيين الى الامم المتحدة قبل نحو سنة. فالحكومة تقول ان اسرائيل لا يمكن اخافتها بسيناريوهات المصيبة. فهي ‘دوما جاهزة لكل سيناريو’. واذا لم يكن كذلك، فدوما سيكون بوسعنا أن نتهم الاستخبارات بانها لم تتوقع الانتفاضة القادمة، العصيان المدني، الاغتيال لعباس او اعتراف الدول الاوروبية بحماس.