أتمنى أحياناً أن أكتب الألم، أشكله حروفاً وكلمات وجُملاً، أزينه بالفتحات والضمات والشدّات ودوائر السكون الجميلة الخارقة، أجمل علامات التشكيل العربية وأكثرها تعبيراً عن اللانهائية والعدمية في كوننا السحيق، علّ كل هذا الألم يخرج من صدري ويرقد بسواده على الصفحات البيضاء، فيمنحني فترة راحة ويسكن روحي بدقائق حداد وأنا أدفنه في بياض الورق. لكن الألم لا يُكتب، عصي على الأحرف والكلمات، متعال على التعابير المتعارف عليها، متفاخر بأصالته ونبله اللذين لا يمكن أن تصورهما لغة. اللغة قاصرة أمام الألم، هي قاصرة عموماً أمام كثير من تجاربنا الإنسانية التي تتعدى كلمات وتعابير اللغة، إلا أنها حقيقة عاجزة أمام الألم، لا هي قادرة على التعبير عنه ولا هي متمكنة من تغطيته بتعابير تَجُبه. الألم يهزم اللغة، أي لغة، دائماً وأبداً.
حين مررنا بتجربة الألم أنا وهو معاً، ومن رحمة القدر أن أطعمنا المرار معاً ومن الملعقة ذاتها، بدونا عاجزين عن الكلام، معطوبي اللسان، مكسوري الروح، غير قادرين على تشكيل الألم في صوت يخرج على شكل كلمة أو جملة، غير قادرين على التعبير عن التجربة سوى من خلال العيون المغرورقة والنظرات الحزينة الكسيرة. أعلم ما في قلبه من ألم، وأستأنس بمحاولته اللطيفة لإخفائه، كأنني أشاهد فيلماً متواضع الصنع، ممثله غير قادر على إقناع مشاهديه مطلقاً. نلتقي أحياناً في منتصف الغرفة فيحتضن أحدنا الآخر، أشعر ببرودة أصابع يده وبحرارة جلد صدره البازغ من دشداشته، فأشد نفسي إليه وكأنني أحتمي به من نفسي، من أفكاري، من روحي المحروقة في داخلي، فيترك هو جسده الفارع يظللني، ثم يتباعد مبتسماً في وجهي، فأعيد ابتسامته بأخرى أظنها أحسن منها. وهكذا يسأل أحدنا الآخر صامتين: هل أنت بخير؟ نعم، أنا كذلك… وأنت؟ أنا بخير دامك بخير. مشهد حزين هذا الذي يواسي فيه أحدنا الآخر وهو مكسور القلب، متوجع الروح، مشهد يدق ضميري دقاً وأنا أتساءل، ألا يكفيه ألمه حتى يتحمل فوقه ألم التمثيل ومسؤولية المواساة؟
للألم هيبة ورهبة تجعل الإنسان أكثر وقاراً وأعظم جاذبية، إلا أن شعور الألم لا يتوانى عن ابتكار مجموعة من الأفكار في العقل، والتي قد تبدو غريبة أو عصية على الربط. منذ أن حل الألم بقلبينا وأنا أتساءل، ألم يكن يستحق شريكة أفضل قادرة على أن تكفيه هذا الشعور الحارق، قادرة على أن تمنع عنه هذه التجربة المريرة؟ اعتذرت منه ذات جلسة بشكل غير مباشر عن سماحي للأقدار أن تسقيه شيئاً من الألم فيما أنا معه، في بيته، شريكته أمام هذا القدر القاسي، فنظر إليّ وقد اتسعت عيناه الرائعتان باستغرابه: كيف وصلت لاستنتاج تلومين من خلاله نفسك على تجربة لم يكن لك يد فيها؟ في عمق قلبي أشعر أن لي يداً، إن لم تكن لي يد في صنع الألم فلي يد بالسماح بمروره، ويفترض أن تكون لي يد في منعه. نجحت في الأولى، وفشلت في الثانية، وما بقي لي سوى أن أجلس ناظرة إلى وجهه، بوسامته وبياضة شعره الذي بدأ يتفوق على سواده، واتساع عينيه المكحلتين طبيعياً، ورعشة يديه الوراثية وهي ترتفع حاملة السيجارة اللعينة إلى شفتيه، وأفكر، أي خير فعلت لأستحق وجوده في حياتي، وكيف سمحت للألم أن يقترب منه؟
يمر الوقت ويخفت الألم وتتحول التجربة إلى ذكرى نسترجعها أحياناً لنحاول فهمها، ونتفاداها أحايين تظاهراً بعدم المرور بها، ونتساءل دوماً، ولا أتصور أحدنا وقد مرت عليه سنون الألم الحادة ولم يفعل، لماذا هذه التجارب الحارقة، أي استفادة يستفيدها الكون من ألمنا، أي معنى لوجعنا في هذا الكون السحيق العدمي الذي سينتهي ذات يوم مبتلعنا كأننا ذرات غبار لا تُرى دون أن يندم على إيذائنا، دون أن يعطي للمعاناة معنى أسمى أو للوجع نتاجاً حقيقياً، دون أن يُنصَف المتألم وينقضي الألم وينسدل الستار الأخير على مشهد سعيد؟
أتسلل أحياناً إلى ورشته، أختلس النظر إليه وهو يمعن قطعاً وحفراً وتشكيلاً في أخشابه، أتجسس، وها أنا أعترف، على مكالماته واقفة خلف بابه لأتأكد من خفوت الألم وعودة الرضا، ثم أتذكر أنه لم يظهر لي ألماً ولم يفترق عن الرضا، سمح متسامح، راض مَرْضي، كأن روحه تعادل عدمية وعبثية هذا الكون، كأنه يواجههما برضاه وبخطته المنظمة بالتحدي الهادئ، كأنه يغيظ الكون بعدم التفاعل مع سخافاته وإيذاءاته العشوائية، تضرب دون معنى أو هدف. ترضى روحي برضاه، وتهدئني ابتسامته، وأقول سيكون كل شيء بخير، وأنا أعرف تماماً ألا ضامن للخير هذا أبداً حتى ولو كنا نمشي على أكثر الصرط استقامة في هذه الدنيا. أعرف أن عبثية الكون قد تضرب في أي لحظة، لكنني أعود لأختبئ بين يديه، في ظل طوله الفارع، في طيات ابتسامته، في رنين كلماته التي يطيب بها خاطري، أحمل معي شكل يديه ورائحة جلده و»تون» صوته، فيطيب خاطري وتهدأ روحي إلى حين.
ترى، لماذا يصنع الكون إنساناً مثله ثم يؤذيه؟ أي عبثية هي تلك؟
حين مررنا بتجربة الألم أنا وهو معاً، ومن رحمة القدر أن أطعمنا المرار معاً ومن الملعقة ذاتها، ” إهـ
بسم الله الرحمن الرحيم :
………… ۚ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ …….. ﴿٥ الكهف﴾
و من الذي يرحم : الله أم القدر ؟ ولا حول ولا قوة الا بالله
ذكرتني بمن كفر الشاعر التونسي الشاب ابو القاسم الشابي عندما قال “اذا الشعب يوما اراد الحيات فلا بد ان يستجيب القدر”. و بعد قرابة قرن ها اننا نسمع بامثال بمن كفر ابو القاسم!
يا اخي هذا البيت جزء من النشيد الرسمي التونسي! هل كفر شعب تونس و بما فيها جامع الزيتونة!
القدر هنا لا يعني التدخل في مشيئة الله سبحانه … و لكن التعايش معه … و الشرح يطول
و السلام
بسم الله الرحمن الرحيم :
(وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ وَلا يَزيدُ الظّالِمينَ إِلّا خَسارًا).
(يا أَيُّهَا النّاسُ قَد جاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدورِ وَهُدًى وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ).
في تلاوة القرآن الكريم راحةً وسكينةً ، وشفاءً لما قد يصيب المسلم من ضيقٍ وحَزن ، وعلاج للألم النفسي !!
ولا حول ولا قوة الا بالله
من أسرار سورة الفاتحة , أنها الشافية !
وفيها دعاء : إهدنا الصراط المستقيم !!
صدق الشاعر حين قال :
يا خادم الجسم كم تشقى لخدمته أتطلب الربح مما فيه خسران
أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسانُ
ولا حول ولا قوة الا بالله
هذا الحديث مجرد حديث نفس ، ما من داء إلا أنزل الله له دواء ، فإذا كان الهم مرتبط بالمكان ، فأرض الله واسعة … قال تعالى : ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) العنكبوت الآية 20 . أما إذا كان الألم يتعلق بالإنسان ، فالعلوم المختلفة و المعرفة كافية بتأدية الدور في البحث عن الحلول ، فالإنسان يملك آليات عجيبة أودعها الله فيه تساعده في التغلب على الصعاب .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . حرف الألم تعبير عن الألم الانسان في جميع محطات الحياة والانسان اذا احب انسان يتألم في حبه واذا مرض الحبيب أيضا يتألم من اجله واذا رأى الحبيب يتعافاه من المرض يتألم أيضا خوفا من عودة المرض مرة اخره له واذا غاب الحبيب يتألم المحب لغيابه وليس شرط ان يكون الحب بين رجل وامرأة او بين زوج و زوجته رغم انا اعتبر أسماء معاني الحب هو بين الزوج والزوجة لما فيه من وفاء الطرفين وفي هذا الزمان اصبح عملة نادرة والحب به من الألم الكثير ولكن اجمل شيء في هذا الوجود الحب رغم ما فيه من الأم للإنسان وممكن ان يكون بين اخ واخته او بين الابن والولدين او الأب والأولاد او الجد والاحفاد المهم هو به من الألم الكثير والحب هو الحب . ولكن علينا الصير في جميع الأحوال . كان لي عمتي اخت ابي ست كبيرة وزوجها رجل كبير وأصيب بجلطة وقعد مشلول عشرة سنوات وكان الجميع يدعو له ربنا يريحه من هذا العذاب ويذهب عند رب كريم . تتبع
وستجاب الله للدعاء وتوفى زوج عمتي وانا في هذا الزمان كان عندي 24 عام ورأيت عمتي منهارة ونادمة على الدعاء عليه وتركت عمتي حتى تم دفنه وتعمل له صوان لم أرى له مثيل وبعد انتهاء كل شيء تكلمت مع عمتي لماذا هذا الانهيار وكان الرد في كلام بسيط هو حياتي وحبي الأول ولم احب غيره ومن حبي له دعوت له ربي ان يريحه من هذا العذاب ويرحني من الأم حبي له فهمت يا حبيب عمتك , رغم زوج عمتي كان لا يشعر بها على الاطلاق . مقال جميل . وشكرا
سبحان الله …..نقش من ذهب يخرج من روح و عقل ” سيزيف الشرق ” الدكتورة ( حقا ) إبتهال الخطيب ….أنت ” حكيمة ” بأتم معنى الكلمة …ما أنبل مشاعرك و ما أجمل كلماتك …. مثل هذا الشريك في العمر نعمة و عدل للتخفيف عليكما من صعاب الحياة الدنيا . صبرا و ثباتا و هدوء . لا خوف عليكما ما دامت بينكما هاته ” الرحمة ” .
إن المرء ليعجب لماذا يخفى البعض إلحادهم ثم يمطرونا غمزاً ولمزاً. لماذا لا يعلنوها صراحة انهم كفروا بالخالق وقضائه و قدره و التبرم والسخريه منهما ؟؟ وكله بإسم الفكر…..
اذا لم اكن مخطئا الهم والحزن والالم من اشد ما خلق الله اشد واقسى من الجبال والرياح والانسان
وذكر الله هو الدواء نحن نؤمن بذكر الله ويطمئن القلب والنفس والروح لذكره .
العبث ايمان البعض بالكون المخلوق والاعتقاد بأنه
الخالق وبالمناسبة هناك صراط واحد مستقيم وليس
صرط عدة او اصرطة والا اصبحت الامور عبثية
كلام رقيق و صادق نابع من قلب اصيل! بعد قراءة مقالك عجزت عن كتابة اي شيء … قرات كل ما كتبت من سنين و لكن هذه اختلفت عن كل كتاباتك …
اختاه، يعجز القلم عن التعبير عن الالم و لكن بعبقريتك اوصلت احساسك لقراءك…
لا ادري ما اقول … اعانكم الله ??