داعشيو روسيا

حجم الخط
9

لاحظ مقال في صحيفة «الفايننشال تايمز» البريطانية تشابهات في سير بعض قادة الانفصاليين الاوكرانيين الموالين لروسيا مع سير الجهاديين في أرجاء العالم الإسلامي، وتستحضر الصحيفة مثال القائد العسكري في إقليم شرق دونباس ايغور ستيريلكوف الذي تطوع للقتال في الخارج خلال مراهقته، مستلهماً طقوساً من القرون الوسطى ونصوصا دينية قديمة، أثناء قتاله لعشرات السنين مع عصابات أمراء الحرب في أسوأ أماكن الأزمات العالمية، التي تمولها وتسلحها أجهزة الاستخبارات.
عاد ستريلكوف الى وطنه مثخناً بالندوب، ومتطرّفا يملؤه شعور بالاشمئزاز من الانحطاط الغربي الأمر الذي أقنعه أن يقوم بتطهير هذه الحضارة من مساوئها.
رغم انه مسيحي ارثوذكسي من موسكو ذهب لتحقيق أحلامه بالقتال في البوسنة والقوقاز، ولكن ما نستقرئه من مقالة الصحيفة، انه يشبه الجهاديين الإسلاميين، في «سلفيّته» عبر طريقة إيمانه بالتقاليد القديمة لروسيا الارثوذكسية، وهو في هذا الأمر يقارب كثيرين من زملائه على طرفي النزاع من قدماء محاربي الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، وكذلك بعض خصومه الأوكرانيين أيضاً.
تلاحظ الصحيفة التغيّر الحاصل لأول مرة على تراب أوروبي حيث تتحول أوكرانيا، كزميلات لها شرق أوسطيات، الى «دولة فاشلة» بسبب التدخل المالي والعسكري الروسي هناك، وهو ما يشير الى تحوّل خطير لم تعهده أوروبا، وينذر بمخاطر لم تتحضر لها.
تكشف المقالة جانباً خطيراً لا تهتم وسائل الإعلام، عادة، بالتمحيص فيه، لأنه يخرج عن نطاق التغطية الغارقة في تفاصيل الشأن الحدثي المشغول بعدد القتلى والجرحى وفظائع الحرب، ناهيك عن التغطيات التي تظهر «داعش» ومثيلاتها كما كانت خاصية جينية بالمسلمين، ولدت معهم بالفطرة، وهي مرتبطة بدينهم، لا بالظروف التي تمر بها بلدانهم.
العودة غير المظفرة لـ «جهاديي الأرثوذكسية» الروس تذكر بفظاعات وانتهاكات يندى لها جبين الإنسانية حصلت في البوسنة وأفغانستان والقوقاز، وشملت مذابح واغتصابات وإبادات جماعية، وهو ما يعيد التأكيد على أن البشر غير قادرين على التخلص من همجية طبعتهم عليها عشرات آلاف السنين، وأن الحضارة ليست غير قشرة رقيقة لإنسان «النياندرتال» القديم، غير أن الفارق أن ذلك الجد الوحشيّ المفترض للبشر ما كان يقتل أكثر من طريدته أو اعدائه المباشرين، ولم يكن يعتبر قتله لهم رسالة مقدسة تدعوه اليها ديانته او قوميته او أيديولوجيته السياسية.
ومما يؤسف له أشد الأسف أن زاعمي مناهضة هذه الحركات، أنظمة دكتاتورية او ديمقراطية، لا يهتمّون بأسباب انتعاش هؤلاء وازدهارهم، ولا يتّعظون من زيادتهم لا نقصانهم، منظّرين لمحاربتهم بالعنف وحده، رغم أن العنف هو البيئة الكفيلة برفد هؤلاء بأعداد جديدة من الملوّعين والأيتام والمظلومين ممن لا يرون طريقاً أمامهم سوى الانتقام وسفك الدماء.
وبذلك يقوم مدّعو مكافحة الإرهاب بتأمين سبل صعوده وتأمين منتسبين جدد وضحايا آخرين له.
مكافحة الإرهاب لا تكون إلا بمكافحة أسبابه: الغلبة الوحشية، الاستبداد والفساد واذلال البشر وتحقير كراماتهم وهو ما توضحه، بكل جلاء، مآلات الأمور من العراق وأفغانستان وسوريا واليمن… الى أوكرانيا والشيشان وشينجيانغ.
الخطير في حالة «جهاديي» روسيا في أوكرانيا أن واحدة من أكبر دول العالم وأكثرها تسليحا تمدّهم بالمال والسلاح والرجال والخبرات والخطط الاستخبارية وهو ما ينذر بتطوّر في أساليب الإرهاب العالمية لم يسبق له مثيل.
ويقابله، في الضفة المقابلة، في العراق وسوريا، الإستهداف المدروس للشباب من مسلمي الغرب وذلك لنقل المعركة إلى أحضان أوروبا.
سيناريو مرعب يبدو الجميع منهمكين في تأجيجه.

رأي القدس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    هذا سناريو مرعب وخطير فعلا

    حتى لو بدأت أوروبا بعلاج هذه الظاهرة فالوقت متأخر
    نحن نرى التطرف في أوروبا وأمريكا في ازدياد
    ويجوز بفعل الصهيونية العالمية باختراع الاسلام فوبيا

    أرى أن تبنى جسور ثقافية حقيقية بين اسلامينا المعتدلين وأوروبا وأمريكا

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول م. حسن هولندا:

    لا يولد الإرهاب إلا الإرهاب بأشكالة , العيب ليس في الدين ولكن في بعض المؤمنين المغالين . في الغرب لايوجد إرهاب إلا نادرا متلما حدث من نرويجي متطرف في الوطنية .

  3. يقول ابن بطوطة -فلسطيني:

    ملاحظات صحيفة الفايننشال تايمز الصليبية لا تمت لا الى الواقع و لا الى التاريخ بصلة – منبع الصليبية هو بلاد الفرنجة بريطانيا و ليس روسيا … منذ 10 سنوات حاربت روسيا الدواعش الشيشان عندها و طهرت بلادها منهم … تاريخيا لم يكن هناك عداوة و لا حروب بين الارثوذوكسية الشرقية و العروبة عندنا … بل على العكس هناك حالة تآلف و محبة مستمرة الى يومنا هذا بين الارثوذوكسية الشرقية و بيننا المسلمون العرب سنة و شيعة … و اكثر من ذلك الارثوذوكس العرب و الفلسطينيون هم رواد القومية العربية و اشد اعداء الصهيونية … نماذج كثيرة قسطنطين زريق – جورج حبش – ادوار سعيد – انيس صايغ – فرج الله الحلوو جورج حاوي – انطوان سعادة – عطالله حنا – بشارة مرهج – ايلي الفرزلي …. عزمي بشارة الخ … و زيادة على ذلك تدخل فلسطين في عمق الثقافة الروسية الارثذوكسية بوشكين- ليرمنتوف الخ … اما بالنسبة لبريطانيا و الدواعش فـفلسطين ليست موجودة على الخارطة و بريطانيا هي من زرعت الكيان الصهيوني في فلسطين … اما في اوكرانيا فالدواعش هم النازيون الجدد الذين استولوا على السلطة في كييف في سبيل ضم اوكرانيا الى حلف الناتو الغربي – و ليس الارثوذوكس الروس الشرقيون اصدقاء العرب و المسلمين التاريخين – و اوكرانيا و كييف شرقية و منبع الحضارة الروسية الشرقية – و قبل الف عام كانت كييف عاصمة روسيا ككل – الذين استولوا على السلطة في كييف و بدعم من حلف الناتو هم اقلية كاثوليكية اساسهم من بولندا و ينتمون للحزب النازي – الذين استفزوا الروس في اوكرانيا بالغائهم اللغة الروسية في اوكرانيا – التشبيه الاقرب الى الوضع في شرق اوكرانيا هو غزة و ليس العراق و لا سوريا فالشعب في شرق اوكرانيا كله يقاوم بعض قطاعات الجيش الاوكراني الموالي للسلطة النازية الغربية في كييف – و الاجانب و الدواعشيون الشيشان يحاربون الى جانب الجيش الاوكراني و ليس الشعب الاوكراني الشرقي الموالي لروسيا – ان حصار لوغانسك و دونيسك من قبل بعض قطاعات الجيش للاوكراني و انصاره الدواعشيون و النازيون الجدد يشبه الى حد بعيد حصار غزة …. و ختاما نهاية الازمة الاوكرانية اصبحت قريبة … يوميا مئات من جنود الجيش الاوكراني يعبرون الحدود مع روسيا و ينضمون لروسيا ….. كان بامكان بوتين ان يحسم الازمة الاوكرانية منذ بدايتها لكنه لاعب شطرنج جيوسياسي مبدع يسعى الى اضعاف النفوذ الامريكي في اوروبا و سينجح ….

    1. يقول جورج هراس - امريكا:

      ماشاء الله عليك شو أنك مثقف شيوعي

  4. يقول كمال رمضان:

    أوروبا مسؤولة بصفة مباشرة عما يحدث اليوم من مئاسى فى العالم .و الله عادل يمهل و لا يهمل.و الله و رسوله أعلم .

  5. يقول طعس بن شظاظ الصميدي:

    لا أرى كل من دافع عن بلاده و عن عرضه و عن أهله و ماله و عن نفسه أنه بإرهابي أبدا !!! :)

    الغرب هو بيت الإرهاب العالمي و على رأسه الصهاينة الذين يريدون إرضاخ العالم لهم و بكل الوسائل و منها القنابل النووية !!! :)

  6. يقول ثائر:

    هذا الداعشي ليس لديه قاعده فكريه الاهيه تحثه على النصر والذهاب للجنه

  7. يقول عاطف - فلسطين 1948:

    ادعم رأي الكروي النرويج. هل الروس غير مسؤولين عن الحرائم التي حدثق في البوسنة والشيشان وافغانستان؟؟
    الارثوذكس العرب ليست لهم علاقة بروسيا. فهم مسيحيون قبل ان تخلق روسيا بل روسيا تعلمت منهم الدين.

    1. يقول ابن بطوطة -فلسطيني:

      بالتأكيد منبع الارثوذوكسية و المسيحية الشرقية هو فلسطين و ما اعتناق الروس للارثوذوكسية و المسيحية الشرقية الا دليل على محبة الروس للعروبة و فلسطين و هذا يعني ان فلسطين تدخل في عمق الثقافة الروسية … بالنسبة للبوسنة الذي افتعل الحرب فيها هو امريكا بهدف تحويلها الى قاعدة امريكية في وسط اوروبا و ليس حبا بالاسلام و قد تحولت … و رفضت البوسنة المسلمة دعم طلب فلسطين لعضوية الامم المتحدة ارضاء للامريكا … اما حرب الشيشان فقد افتعلها الغرب بهدف فصلها عن روسيا و مد أنبوب نفط بحر قزوين دون المرور بروسيا بهدف اضعاف روسيا … و التكفيريون الشيشان ( و ليس كل الشيشانيون ) يعتبرون الفلسطينيون ارهابيون يظلمون المستوطنون اليهود و هذا ما كانوا يكتبونه على مواقعهم … آن الاوان ان نعي ان الحركة التكفيرية هو الوجه آلاخر للصهيونية و ما يقوم به التكفيريون من اجرام ووحشية في وطننا العربي ما هو الا تطبيق حرفي لبروتوكولات حكماء صهيون – الخزر الذين تعود اصولهم للشيشان و داغستان … و احد مؤشرات ذلك هو الزي الذي يلبسه التكفيريون هو زي شيشاني داغستاني قوقازي منبع الايدولوجية الصهيونية و ليس عربيا ….

إشترك في قائمتنا البريدية