دبلوماسية التخريب بين واشنطن وطهران: البادئ أظلم

نجاح محمد علي
حجم الخط
0

لم يكن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عارفاً برد مرشد البلاد آية الله علي خامنئي على الوساطة اليابانية، وهي لم تكن وساطة بقدر كانت مجرد ناقل رسائل، بالقول إن مسارعة الولايات المتحدة على الفور لتقديم ادعاءات ضد إيران واتهامها بالوقوف خلف الهجمات على ناقلتي النفط – دون تقديم أي أدلة واقعية أو ظرفية – يجعل من الواضح تماماً أن الفريق باء (بومبيو، بولتون، برايان هوك، بنيامين نتنياهو، بن سلمان، بن زايد) ينتقل إلى الخطة باء وهي دبلوماسية التخريب والتستر على الإرهاب الاقتصادي ضد إيران.

كان ظريف حذر منذ أسابيع خلت من تطور الأحداث وإصرار هذا الفريق على جر الأزمة بين واشنطن وطهران لتنزلق إلى حرب قال عنها وزير الدولة للشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي بأنها إن وقعت فهي حرب “أكون أو لا أكون”.

قبل ظريف قال وزير الخارجية الأمريكي “على إيران أن ترد الدبلوماسية بالدبلوماسية وليس بالاعتداء والإرهاب” واصفاً هجوم إيران على حاملات النفط في بحر عمان بـ”هجوم عنيف على الحرية” ومؤكداً أن واشنطن ستحيل ما أسماه “ملف تورط إيران في الهجوم على حاملات النفط إلى مجلس الأمن الدولي”.

هذا التطور يمكن أن يكون بداية غير مريحة لتصعيد خطير أو يؤدي إن أحسن ترامب والفريق الرافض للحرب الاستفادة من مجلس الأمن كقارب نجاة والدخول في مفاوضات مباشرة مع إيران على قاعدة “أزمة اشتدي تنفرجي”.

فمجلس الأمن الدولي نفسه الذي يريده دعاة الحرب مع إيران بحث مسألة الهجمات على ناقلات النفط وتهديد الملاحة في الخليج، هو الذي أصدر بطلب من واشنطن في 20 تموز/يوليو 2015 القرار 2231 الذي صادق على خطة العمل المشتركة الشاملة الخاصة بالبرنامج النوري الإيراني وقضى برفع العقوبات عن إيران، وهذا ما أشارت له قمة منظمة شنغهاي في قرغيزستان في بيان واضح وصريح دعا كافة الأطراف المعنية إلى تنفيذ خطة العمل الخاصة بالنووي الإيراني. وذلك بعد يوم واحد من واقعة الهجمات على ناقلتي النفط.

فكيف يمكن للمجلس الذي صادق بالإجماع على الاتفاق النووي أن يدعم موقف واشنطن التي نقضت القرار وساهمت في التصعيد الخطير وواصلت فرض العقوبات على إيران بدون الرجوع إليه؟

هذا الإجماع الدولي الذي لا يملكه ترامب لخوض حرب مع إيران أو حتى إدانتها، يفتقده في الداخل وقد سارعت الإذاعة الوطنية”NPR”التي تحظى بجمهور واسع من المستمعين في الولايات المتحدة إلى استنكار عجلة بومبيو في اتهام إيران بدون أن يقدم دليلا بالتورط في الهجمات على الناقلات، واعتبرته يعكس توجه فريق واحد سيورط البلاد والمنطقة وربما العالم في أزمات متلاحقة.

ورغم أن تصريحات المسؤولين العسكريين الأمريكيين تؤكد مرة أخرى على عدم الرغبة في الدخول في حرب مع إيران، إلا أن الإيرانيين من رأس الهرم إلى الحرس الثوري والفريق الدبلوماسي والحكومة التي كانت توصف بالمعتدلة، يبدون متفقين على الاستعداد لأي طارئ وقد وضع الجميع أصابعهم على الزناد، وقرروا عدم الاعتماد على موقف الأوروبيين بل وحتى الأصدقاء في روسيا والصين وغيرها من الدول التي تخشى مواجهة الولايات المتحدة، والانكفاء على إعادة ترتيب البيت الداخلي وتعزيز اللحمة الوطنية وتجميد النزاعات الهامشية بين الأجنحة والتيارات العاملة تحت سقف ولاية الفقيه، والضرب بيد من حديد على المفسدين حتى أولاد السادة المسؤولين.

وليس هذا وحسب، أبلغ الإيرانيون زائريهم ومنهم بالطبع وزير الخارجية الألماني ورئيس الوزراء الياباني أنهم ليسوا في حاجة إلى التفاوض مع ترامب في الظروف الحالية وهو يضع السيف على رقابهم، وسيعمدون إلى اتخاذ سلسلة إجراءات لمواجهة تصاعد العقوبات غير القانونية وخارج قرارات مجلس الأمن، بتصفير اعتماد الموازنة على مداخيل النفط ومنتجاته كالبتروكيميائيات، وحذروا في الوقت نفسه من أن أي تصعيد عسكري سيقابل بأشد منه والبادي أظلم، وأنهم لن يبدأوا الحرب لكنهم من سيضع حداً لنهايتها.

وبينما استنكرت طهران الهجوم على الناقلات (التي تصادف أنها تنقل النفط إلى اليابان) أثناء لقاء رئيس وزراء اليابان بالزعيم الأعلى في البلاد آية الله علي خامنئي، ورأته مسرحية مفضوحة، فإن حلفاءها اليمنيين وجهوا ضربة بالطائرات المسيرة إلى مطار أبها الدولي في السعودية الذي تلقى قبل يومين فقط صاروخاً من طراز كروز، في رسالة لها أكثر من مغزى عن نوع الحرب التي ستشهدها المنطقة إذا أصر عليها الفريق باء.

فقد كان واضحاً أيضاً الحملة الإعلامية والحرب النفسية المضادة التي يقودها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وقد وصفها وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش في تغريدة على تويتر الجمعة قائلاً “تزداد إشارة وزير الخارجية الإيراني ظريف إلى الفريق باء هزلية وتتضاءل مصداقيته يوما بعد يوم، العلاقات العامة ليست بديلاً حقيقياً للسياسات البناءة. وقف تصعيد الموقف الحالي يتطلب أفعالاً تتسم بالحكمة وليس كلمات جوفاء”.

علاقات عامة

ومع أن ما يقوم به ظريف يتعدى كونه دبلوماسياً إلى “علاقات عامة” إذ يبدي اهتماماً كبيراً بإجراء لقاءات متلفزة ويستخدم تويتر للرد على ترامب وباقي أطراف الأزمة ويوجه لهم رسائل تحذير واقعية تنطلق من عمق الأزمة وعدم استيعاب الدول المحرضة على التصعيد تداعياتها كما يقول الإيرانيون، خصوصاً وأن ظريف سماها وتحدث قادة الحرس الثوري علانية وبرسوم توضيحية أنها ستكون هدف إيران الرئيسي إذا اندلعت الحرب.

وإذ يكرر المسؤولون الإيرانيون أنهم غير متورطين بشكل مباشر في الأزمة اليمنية، وأن عمليات استهداف أنصار الله للمنشآت الاقتصادية (أرامكو الشهر الماضي) والمطارات هذا الشهر، تمت بدون علم مسبق من طهران التي سارعت وباركت هذه العمليات بل وأعلن الرئيس حسن روحاني في تصريح ملفت أن بلاده تفخر بكونها تملك نفوذاً في المنطقة مشيراً إلى استحقاقات التاريخ والجغرافيا ما سمح لوزير خارجيته ليقول إن دعم الشعب اليمني في مواجهة آلة الحرب والعدوان واجب على الجميع.

‏وبعيداً عن التصريحات في العلن فإن الذين وصفهم ظريف بالفريق باء، يدركون أن وساطة رئيس وزراء اليابان تبدو مختلفة عن غيرها، فعمدوا كما يلمح ظريف إلى إفشال المهمة وإشعال الأجواء في الخليج ودفع المنطقة برمتها إلى الحرب، ذلك أن المستفيد الوحيد من تفجير السفن هو من يسعى لتفجير الحرب مع إيران للخروج من أزمته السياسية في واشنطن والعسكرية في اليمن، والانتخابية في تل أبيب، ومن هنا يشن جمهور إيران على تويتر حملة تغريدات تدعو زعيم أنصار الله عبد الملك الحوثي إلى ضرب مطارات من سموها دول العدوان وأطلقوا هاشتاغ “مطاراتكم مقابل مطاراتنا” و”العين بالعين والسن بالسن” وهم يعيدون التذكير بتحذيرات حسن نصرالله أمين عام حزب الله لبنان، من أن أي حرب على طهران “لن تبقى عند حدود إيران” في وقت كانت فصائل عراقية توزع لافتات في شوارع بغداد تحمل صوراً لنصر الله مكتوب عليها “الحرب لن تبقى عند حدود إيران بل ستشعل كل المنطقة” منبهة إلى أن هذا يعني أن المصالح الأمريكية “ستباح”.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية