دراسة إسرائيلية: أجهزة مخابرات صهيونية شاركت في تهريب الحشيش لبلدان عربية

وديع عواودة
حجم الخط
2

الناصرة- “القدس العربي”:

كشف تحقيق لصحيفة “هآرتس” مبني على مصادر تاريخية تورط جهات إسرائيلية رسمية في تجارة الحشيش ونشرها في بلدان عربية مجاورة بهدف إفسادها ويقول إن فلسطين كانت همزة وصل في طرق التهريب قبل 1948 حيث شارك ضباط بريطانيون به.

ويقول ميلمان إن موظفة في البعثة الإسرائيلية في الأمم المتحدة تدعى زانا هارمان قد بعثت في مايو/ أيار 1955 رسالة سرية مشفرّة لوزارة الخارجية في حكومة الاحتلال حذرّت فيها مما بلغها على لسان “مصادر مطلعة” بأن الجامعة العربية تستعد لتقديم تقرير يتهم إسرائيل بالمشاركة العميقة بتجارة السموم من لبنان إلى مصر.

وتقول “هآرتس” استنادا لأرشيفات تاريخية إن فحوى الرسالة كان دقيقا منوهة إلى أن الجنرال عبد العزيز صفوت رئيس قسم مكافحة السموم في الجامعة العربية قد قدم بعد وقت قصير تقريرا حول ذلك للأمم المتحدة في نيويورك. وحسب ملحق “هآرتس” قالت رسالة الجامعة العربية إن إسرائيل تهدف “تسميم العرب بشكل عام والمصريين بشكل خاص”.

وأشار تقرير الجامعة العربية وقتها لطريقتين استخدمتهما إسرائيل: إقامة مختبرات لإنتاج المخدرات من الكوكائين حتى الحبوب المسممة من أجل تسريبها إلى دول معينة في الشرق الأوسط أما الطريقة الثانية فهي توزيع حشيش القنب بعد تهريبه من لبنان والأردن لتخدير العرب في مصر وغيرها.

ويستذكر ميلمان أن بعض الصحف المصرية تناولت لاحقا المسألة هذه فقالت صحيفة “الأهرام” مثلا إن الجيش المصري ضبط خلال حرب السويس كمية حشيش كبيرة مع مهربين بدو من النقب اعترفوا خلال التحقيق معهم أن جنودا إسرائيليين قد منحوهم ترخيصا بالانتقال لسيناء مع المخدرات. ونوهت “هآرتس” إلى أن إسرائيل وقتها نفت التهمة وزعمت أنه لم يهرب الحشيش يوما من البلاد للخارج وأن ما يصنع فيها يستخدم لأغراض البحث والتحقيقات البوليسية فقط.

التاريخ الاجتماعي للحشيش

 لكن “هآرتس” تنسف هذه المزاعم الإسرائيلية وتقول إنها جزء من الحرب الدعائية بين إسرائيل وبين مصر مؤكدة أن كميات كبيرة من  الحشيش تم تهريبها من لبنان عبر إسرائيل لمصر التي اعتبرت وقتذاك العدو الأكبر للدولة اليهودية.

وتعتمد “هآرتس” على عدة مصادر منها كتاب جديد بعنوان “تسميم صهيون – التاريخ الاجتماعي للحشيش في فلسطين الانتدابية وفي إسرائيل” صدر عن جامعة “ستانفورد” في الولايات المتحدة بالانكليزية للبروفيسور الإسرائيلي حجاي رام المحاضر في قسم الشرق الأوسط في جامعة “بن غوريون” في بئر السبع.

وطيلة سنوات كثيرة بحث رام الشرق الأوسط خاصة إيران وهذه المرة أصدر دراسة مميزة وريادية منوها في حديث لهآرتس “أن ما دفعه لها عدم وجود مواد كافية حولها والرغبة بالاستزادة عن عالم الحشيش واستخداماته في البلاد زاعما أنه يوثق التاريخ الاجتماعي من خلال دراسة الحشيش والمخدرات، مهربيها وتجارها ومستهلكيها كمرآة تعكس الواقع”.

وحسب هذه الدراسة بلغ الحشيش إلى فلسطيني في عشرينيات القرن الماضي، مشيرا لوجود قواسم مشتركة بينها وبين تاريخ الحشيش في دول أخرى ولفوارق أيضا أبرزها أن الحشيش وصل للبلاد في مرحلة متأخرة جدا، موضحا أن التقييدات الدولية قد أجهز على قنوات تهريب الحشيش من اليونان إلى مصر مما دفع مستهلكيه للبحث عن مزوديه في بلدان أخرى كسوريا ولبنان وهكذا تحولت فلسطين الانتدابية لخلية مركزية في سلسلة تزويد الحشيش إلى مصر.

ويقول إن سكة الحديد في فلسطين شكلت قنالا مركزيا لتهريب الحشيش من حيفا إلى القنطرة على ضفاف قناة السويس ولاحقا وبعد مد المزيد من الخطوط الحديدية انضمت بيروت وطرابلس اللبنانية واللد ويافا الفلسطينيتين لدائرة نشاط التجار والمهربين.

وضمن محتويات كتابه يستذكر رام أن المندوب السامي الإنكليزي في مصر جورج امبروز لويد قد استقل القطار للعودة من دمشق للقاهرة عام 1929 وفي استراحته في مدينة اللد تم ضبط 24 رزمة من الحشيش مخبأة في مقصورته داخل القطار، وقال رام إن المشتبه بهم كانوا حراسا وخدما مصريين وفقا لتقرير نشرته صحيفة “دفار” العبرية وقتها.

وحسب الكتاب تم استخدام الجمال لنقل كميات كبيرة من الحشيش بعدما تم تجويعها وإجبارها على ابتلاع صناديق بلاستيكية فيها حشيش وبعدما بلغت هدفها المراد تم ذبحها وانتشال المخدرات من بطونها كما أكد رئيس جهاز المخابرات البريطانية في مصر راسل باشا الذي قال إن خسارة الجمال كانت أمرا بسيطا مقابل الأرباح الكبيرة التي جنيت من تجارة الحشيش التي تم تهريبها عبر غزة إلى الأراضي المصرية.

“تم نقل من فلسطين إلى مصر قبل 1948 في بطون الجمال”

 35 ألف جمل

وحسب سجلات شرطة الانتداب اجتاز نحو 35 ألف جملا في سنة واحدة الحدود مع سيناء بعدما تم فحصها في مركز الجمرك في القنطرة. وتنوه الدراسة الإسرائيلية هذه إلى أن القوات البريطانية سرعان ما اكتشفت طريقة التهريب وبدأت بمكافحتها بشكل منهجي.

ولذلك قامت قوات الاستعمار البريطاني بتثبيت ماكنة تصوير “رينتغن” لتعكس ما في بطون الجمال التي تجتاز الحدود. وفي حالات أخرى ومن أجل تقصير المسافات من سوريا ولبنان بدأت عصابات التهريب بتربية القنب في حقول طول كرم وجنين.

وحسب الدراسة الإسرائيلية كانت هناك طريقة أخرى للتهريب عبر البحر وزوارق صغيرة تنطلق من موانئ لبنانية كبيروت وصيدا وكذلك عن طريق راس الناقورة إلى عكا وحيفا بل حتى غزة والعريش وردا على ذلك أنشأ الاستعمار البريطاني خفر سواحل صغير  لكنه بقي عقيما. ويؤكد الباحث الإسرائيلي رام أن الشرطة البريطانية لم تنجح كثيرا في مكافحة ظاهرة المتاجرة بالمخدرات وتهريبها لأنها كانت مشغولة بمهام حارقة كثيرة وميزانيتها محدودة فكان رجالها عاجزين بإمكانياتهم المتواضعة عن قطع طرق إمدادات المخدرات والمتاجرة الكبيرة بها بين فلسطين  ومصر.

وتتابع الدراسة “منذ 1922 وصف داغلاس داف قائد شرطة الموانئ في فلسطين للمهربّين بالقول إنهم بدون ضوابط ولا يخافون الله ولا البشر وهم مستعدون لفعل كل شيء مقابل عدة قروش”. أما حاكم سيناء كلود سكودمور غرابيس فيقول وفق الدراسة إن صدّ تهريب الحشيش مثله مثل وقف تدفق النهر بواسطة حاجز من طين فإن أغلقت ثقبا هنا فإن المياه ستخترقه من مكان آخر.

وقائع الأرشيفات

وحسب الدراسة شارك عرب ويهود وإيطاليون ويونانيون وأحيانا ضباط بريطانيون في العمليات تهريب الحشيش وكذلك أدت هذه لزيادة استهلاكه في فلسطين أيضا خاصة في أوساط العمال في المدن كيافا، حيفا، القدس، عكا، نابلس، طبرية واللد والرملة وكذلك في المدينة اليهودية الأولى تل أبيب خاصة في المقاهي.

وحسب بروفيسور رام ابتعد الناشطون الصهاينة واليهود عن تعاطي الحشيش بسبب الخوف من تبعاتها على مناعتهم الوطنية وبسبب الرغبة ببناء شخصية اليهودي الجديد. لكن الاشمئزاز من الحشيش توقف عندما يصل الأمر حد الأمن القومي عند اليهود كما يقول رام ويكشف استنادا على أرشيفات مخابرات الهغاناه (شاي) إن أوساطا صهيونية تاجرت بالحشيش والسطو عليه طمعا بالأموال لتمويل عملياتهم.

ويستند على تقرير لصحيفة “معاريف” من 11 مايو/ أيار 1948 يقول إن منظمات صهيونية حازت على السلاح المهرب من سوريا ولبنان لقاء أموال تم جمعها من صفقات بيع الحشيش. وقبل ذلك بثلاث سنوات نشرت صحيفة “هاتسوفيه” العبرية نبأ تحدث عن عصابة عسكرية يهودية اعتقلت في مصر بعد تورطها بتهريب حشيش بكميات كبيرة.

وبموجب مصادر أخرى تم توظيف أرباح تجارة الحشيش لتمويل النشاط السري لمنظمات صهيونية عام 1945 عبر طائرة طارت من مصر لفلسطين. ويشير رام لنشر صحيفة “يديعوت أحرونوت” عام 1964 نبأ عن تورط منظمة “الايتسل” في تهريب الحشيش لمصر من أجل تمويل نشاطاتها.

السادات أيضا

وغداة النكبة وقيام إسرائيل تراجعت التجارة بالقنب “حفاظا على المجتمع الإسرائيلي” خاصة بعد إحاطة البلاد بالسياج الحدودي لكنها ما لبثت أن تجددت بسبب استهلاكه من قبل المهاجرين اليهود الشرقيين كسائر مجموعات المهاجرين والطبقات المهمشة في العالم كما تؤكد الدراسة رغم النزاع مع الدول العربية.

وعلى خلفية اشمئزاز اليهود الغربيين من تعاطي اليهود الشرقيين للمخدرات، يتابع رام في استبيان دلالات ظاهرة الحشيش بالقول “في إسرائيل كما في مواقع أخرى في العالم تم تحميل معان وشحنات ثقافية وسياسية وعرقية بالأساس استشراقية لا صلة حقيقية لها مع المادة ذاتها”. ومن ضمن الأمثلة التي يسوقها الباحث الإسرائيلي على ذلك يشير إلى عنوان الفصل السادس من كتاب “الشرقيون وخطر تعاطي الحشيش” ويعتبره فرصة لفهم الوصمة التي ألصقها اليهود الغربيون لليهود الشرقيين بالخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.

احتياجات أمنية سياسية

ورغم اشمئزاز المؤسسة الإسرائيلية- اليهودية الغربية من عادات وممارسات جنائية لليهود الشرقيين فإن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وقتها استخدمت الحشيش خدمة لاحتياجاتها وينوه الباحث إلى أن الصلة بين الأجهزة الأمنية وبين الحشيش عالمية. ويتابع “طالما سمعنا عن اتهامات توجه لدول بنشر المخدرات بغية المساس بدول أخرى كما اتهمت اليابان قبيل وخلال الحرب العالمية الثانية ولاحقا الصين خلال فترة الحرب الباردة”.

ويشير الباحث لاعتقاد جهات إسرائيلية الرسمية أن تعاطي الحشيش لم ينحصر بطبقات شعبية بل طال كل الطبقات في مصر بما في تلك الحامة وحتى الرئيس جمال عبد الناصر كما قال المستشرق بروفيسور شيمعون شمير حينما عمل ضابطا في الاستخبارات العسكرية ولاحقا عاد ووضع تقريرا قال فيه إن السادات أيضا اهتم بتعاطي الحشيش.

ويؤكد أن الحديث عن تعاطي ثلث المصريين للحشيش في خمسينيات القرن الماضي قد صبّ الماء على طاحونة الدعاية الإسرائيلية التي سعت لتصوير مصر كدولة فاشلة من جهة ورفع معنويات الإسرائيليين من جهة أخرى. ويضيف “لذلك ليس صدفة أن مصر اتهمت إسرائيل بنشر وتهريب الحشيش في الدول العربية خاصة في الأراضي المصرية بهدف إشغال العرب بأنفسهم.

تورط ضباط إسرائيليين بالحشيش

وردا على سؤال “هآرتس” هل يصدق تهمة مصر لإسرائيل بتهريب الحشيش للبلدان العربية لمآرب سياسية قال الباحث رام إنه لا يعرف وتابع “لكنني لا أنفي ذلك خاصة حينما أقرأ تقارير إسرائيلية حول محاولاتها تسميم آبار في مصر وتطوير جراثيم لدى العرب في عكا وحول تيد كروس ضابط مخابرات إسرائيلي نشط في مصر في 1948\1950 وساهم في تمويل عمليات تهريب حشيش لمصر.

كما يشير لشهادة رجل مخابرات الهغاناه (شاي) شيمعون ماشبيتس الذي اقترح برسالة لقادة منظمته قبل 1948 بالمتاجرة بالحشيش من أجل تمويل فعالياتها وتابع “صحيح أن الفكرة لم تخرج لحيز التنفيذ لكن لا يمكن الجزم أنها لم تطبيق لاحقا  قبيل وبعد قيام إسرائيل بسبب الضائقة المالية خاصة أننا قرأنا تقارير تتحدث عن مشاركة ضباط إسرائيليين بعضهم في الاستخبارات العسكرية في سنوات السبعين والثمانين في تهريب الحشيش من لبنان. حينما نستعرض عمليات الاستخبارات العسكرية يمكن تصديق أمور كثيرة قاموا بها ونفوها أو رفضوا الاعتراف بها بسبب الخجل”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ابو نظاره:

    مثل هؤلاء لا يؤتمن جانبهم.من اول ظهورهم وهم يفسدون في الارض،وبمباركة من حاخاماتهم.!

  2. يقول ل و:

    وتعاتبون من يؤمن بانضرية المؤامرة

إشترك في قائمتنا البريدية