رام الله- “القدس العربي”:
أوصت دراسة فلسطينية الولايات المتحدة الأمريكية بضرورة العمل على سن أنظمة شاملة وممتدة الأثر لتنظيم بيع ونقل تقنيات المراقبة الجماعية والموجهة في ظل امتلاك المؤسسة الأمنية الأمريكية وشركات التكنولوجيا التي تتخذ من أمريكا مقرا لها نفوذا هائلا على قطاع المراقبة الإسرائيلي.
وطالبت الدراسة (ورقة الموقف) الصادرة عن المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، “حملة”، أنه في ضوء فشل الكونجرس الأمريكي حتى اللحظة في تمرير تشريع واحد وشامل لحماية مستخدمي التكنولوجيا وتنظيم تكتلات شركات البرمجيات التكنولوجية فإن وجود تشريع يحظر المراقبة الجماعية والعشوائية من الكيانات العامة (الدول) والخاصة بات أكثر إلحاحا، وهو ما سيؤدي في حال تم إنجازه إلى كبح الطلب على برمجيات المراقبة الأكثر توغلا في حياة المواطنين والأفراد.
وطالبت الورقة، التي أنجزتها الباحثة صوفيا ُچـدفْـرند، الولايات المتحدة الأمريكية بضرورة الانضمام إلى الجهود الرامية لوضع أنظمة دولية فعالة بشأن بيع ونقل تقنيات المراقبة في جميع أنحاء العام في ظل ممارسات الشركات التي تبيع منتجاتها من دون تميز بين الحكومات والشركات والأنظمة القمعية.
واعتبرت الدراسة أن القيود المفروضة على “الأسلحة السيبرانية” مثل إدراج شركتي CANDIRU ومجموعة NOS على القائمة السوداء لن تحد من المخاطر التي تشكلها تقنيات المراقبة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي مثل: تقنية التعرف على الوجوه وتعقب الواقع.
وبرأي الباحثة فإن انضمام الولايات المتحدة الأمريكية إلى الجهود الرامية لوضع إطار عمل تنظيمي دولي ناظم لبرمجيات المراقبة يمكن للولايات المتحدة من منع الشركات الجديدة في إسرائيل وخارجها من تطوير تقنيات أكثر توغلا.
وكان مركز حملة قد وثق في أعمال بحثية وتقارير سابقة كيف تستخدم إسرائيل غير المنظم لأنظمة كاميرات المراقبة وأدوات المراقبة البيومترية والمراقبة المكثفة لوسائل الإعلام الاجتماعي بشكل يقيد حرية الفلسطينيين في التعبير، ويعيق حرية التنقل، ويقيد الحق الأساسي في الخصوصية.
وأشارت الدراسة إلى أن المسؤولين الإسرائيليين يعملون على تصوير تقنيات المراقبة الجديدة على أنها حلول أمنية إنسانية، لكن الحقيقة أنها أنظمة تتسبب بأضرار نفسية كبيرة وتعتمد على ممارسات شرطية ذات أبعاد توغلية وتدخلية في حياة كافة أفراد الشعب الفلسطيني.
واعتبرت الدراسة أن قطاع تكنولوجيا المراقبة يصلح أن يطلق عليه مصطلح “قطاع أفلت من العقاب لفترة طويلة جدا. وهو ما يتطلب مزيداً من الأنظمة والسياسات لوقف استنهاض صناعة المراقبة الخطرة واتخاذ خطوات للسيطرة على السوق.
وقدمت ورقة الموقف تحليلاً سياساتياً لتأثير السّياسات الأمريكيّة وممارسات الشّركات على قطاع المراقبة الإسرائيلي، حيث أتاح التّعاون بين “الـسيليكون ڤالي” (Silicon Valley) والحكومة الأمريكيّة المجال للاستثمار في برمجيات المراقبة دون أي رقابة وتحديدا دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تعتبر لاعبا مهما في هذا المضمار.
ويوثق التقرير أنه منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين تهافتت الشركات الإسرائيلية الناشئة لسد الطلب المتزايد على وسائل أكثر ابتكارا لمراقبة وتتبع حياة الأفراد، إذ عمد عدد من مؤسسي هذه الشركات لاستخدام أنظمة المراقبة لمعرفة الكيفية التكنولوجية التي تم تطويرها في الجيش الإسرائيلي للمراقبة الجماعية للمدنيين الفلسطينيين المحرومين من حقهم في حماية خصوصياتهم.
كما خلص التقرير إلى أن تكتلات شركات التكنولوجيا وصناديق التحوط التي تتخذ من الولايات مقرا لها تعمل دون رقيب أو حسيب على شراء هذه التقنيات التجسسية التوغلية، حيث يوفر طلب هذه البرمجيات الأرضية اللازمة لصناعة برمجيات المراقبة الخاصة العالمية.
وكان قد شهد مطلع عام 2022 موجةَ إدانة دوليّة لقطاع المراقبة الإسرائيلي عقب أنباء عن ممارساته التّعسفيّة الّتي تصدّرت عناوين الصّحف. حيث زعم ائتلاف من الصحفيين والصّحفيات ومنظمات المجتمع المدني أنّ برامج تجسّس إسرائيليّة استُخدِمت لاستهداف زهاء 50000 صحفي ومدافع عن حقوق الإنسان، عدا عن العديد من رؤساء الدّول.
كما كانت صحيفة واشنطن بوست قد كشفت، في تحقيق صحفي، أنّ الجيش الإسرائيلي نشر حشدًا من كاميرات التّعرف على الوجوه وقواعد البيانات البيومتريّة لمراقبة المدنيات والمدنيين من الفلسطينيين في الضّفّة الغربيّة، بل وتعاقد مع شركات خاصّة لتوسيع نطاق مراقبته.
ويحذّر خبراء قانونيون دوليون من أنّ تقنيات المراقبة الإسرائيليّة باتت تُهدّد حقوق الإنسان في مختلِف أنحاء العالم.
وترى الدراسة أنه غالبا ما ينظر الصحفيون، والسّياسيون والمدافعون عن حقوق الإنسان إلى ماكينة المراقبة الإسرائيليّة على أنّها “حالة استثنائية”، إلّا أنّها لم تتطور بمعزل عن غيرها. وعليه، يقدّم هذا التّقرير السّياق والتّحليل الأساسيَيْن للسجالات المُلحّة الّتي تُحيط بتطويع التّقنيات الجديدة وإساءة استخدامها.
كما أنه يضع نتائج البحث ضمن ثلاث نقاط أساسيّة: أولًا، يُحلّل التّقرير كيفيّة تطبيق إسرائيل لنموذج مراقبة بالتّعاون ما بين الدّولة والقطاع الخاص― جرى تطوير هذا النّموذج في الولايات المتحدّة في أعقاب أحداث 11 أيلول/سبتمبر من خلال التّعاون الرّسمي بين الأجهزة الأمنيّة في البلدين.
ويبحث التّقرير ثانيا في موقف الولايات المتحدّة المناهض لتنظيم شركات التكنولوجيا موضّحًا بالتفصيل كيف ضخَّت شركات وجهات استثماريّة أمريكيّة ملايين الدّولارات في قطاع المراقبة المُتنامي في إسرائيل.
وأخيرًا، يسلّط البحث الضّوء على الآثار السّياسيّة لتأثير الولايات المتحدّة على قطاع المراقبة الإسرائيلي ويحدّد كيف يمكن للجهات التّشريعيّة الأمريكيّة وضع معايير تنظيميّة عالميّة.