درس تونس: الاستبداد ليس قدر العرب

حجم الخط
14

أنهى التونسيون أمس الأحد جولة التصويت الأولى في أول انتخابات رئاسية مباشرة في البلاد، بعد انتفاضتهم عام 2011 على حكم زين العابدين بن علي، وهي واقعة تاريخية كبرى ليس في تونس وحدها بل في العالم العربي، لأنها تقدم العلامة المضيئة الوحيدة في ظل المأساة الكبيرة التي تعاني منها البلدان الأخرى التي ثارت فيها الشعوب العربية على أنظمتها وحكامها.
إحدى الناخبات قدّمت تعبيرا بليغا عن المعنى الحقيقي لهذا الحدث حين قالت لوكالة أنباء رويترز: « إنه يوم آخر مميز في تاريخ تونس… نحن الآن الدولة الوحيدة في العالم العربي التي لا تعلم من سيصبح رئيسها إلا بعد انتهاء التصويت»!
«الهيئة المستقلة للانتخابات» في تونس أعلنت أن نسبة المشاركة قاربت 40٪ بحدود الساعة الواحدة ظهرا أي قبل 5 ساعات من إغلاق المكاتب، لكن المتوقع بالتأكيد أن تكون هذه النسبة قد زادت مع انتهاء التصويت، فيما أعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية أن عدد العناصر الذين يؤمنون الانتخابات ارتفع إلى 100 ألف عنصر، ودعا وزير الدفاع غازي الجريبي الناخبين للتصويت «دون أن يخافوا الإرهاب».
رصدت وكالات الأنباء مشاهد عديدة مؤثرة في هذا اليوم منها تظاهرة صغيرة مناهضة للرئيس المنصف المرزوقي ومؤيدة لخصمه قايد السبسي تم تنظيمها أثناء تصويته في شرق تونس نادت برحيله وبـ «الباجي رئيسا» تبعتها تظاهرة أخرى لمناصري المرزوقي تهتف «لا تجمع لا نداء» في ربط بين حركة «نداء تونس» التي يرأسها السبسي بحزب «التجمع الدستوري» الذي يمثّل نظام الرئيس المخلوع بن علي.
كما قدّمت وكالات الأنباء تقارير عن حماس شباب مدينة جربة اليهود للانتخابات إسوة بباقي التونسيين، وعن تفاعل الشباب منهم مع التصويت، وكذلك عن اللحظة الإنسانية التي قدّمها عناق وتقبيل الزعيم اليساري حمّة الهمامي لزوجته راضية النصراوي خارج مركز الاقتراع مما أضاف طابعاً رومانسياً على الصراع السياسي المحتدم.
خارج خطوط التأييد والمعارضة الأيديولوجية، وبطريقتهن الواقعية، عبّرت نساء تونسيات من حي التضأمن الشعبي غربي العاصمة تونس، لوكالة أنباء الأناضول أمس، عن عدم إيمانهن بإمكان تغيير حقيقي في ظروفهن وأن «من سيفوز لن يقدّم شيئا لسكان هذا الحي الفقير، تماما كما كان عليه الحال دائما من قبل»، وجاء عزوف النساء من هذا الحي، واللاتي لم تتجاوز نسبتهن 5٪ مقارنة بالرجال المنتخبين هناك، كشكل من أشكال التصويت السلبيّ الذي يعكس انعدام ثقتهن بالتغيير.
والحقيقة أن إشكاليات الثورة التونسية لا يمكن تلخيصها بأحد عناصرها التي تشتغل آلات السياسة الحزبية والأيديولوجية في تونس (وخارج تونس) عليها، غير أن الانكفاء النسبي للنساء التونسيات في الحيّ الفقير المذكور يؤشر لأحد أهمّ العوامل التي أدّت للثورة التونسية والتي تغطّي الصراعات السياسية الحامية عليها، وهو عامل الفقر، وهو أولوية كبرى للمجتمع التونسي، تفوق بأهميتها، بالنسبة للغالبية الكبرى، مكافحة الاستبداد، بالنسبة للداعين للحرية والديمقراطية، أو مكافحة «الأسلمة»، بالنسبة لأيديولوجيي اليسار (الدوغمائيين منهم أو الرومانسيين).
استطاعت النخبة التونسية مع ذلك من اجتياز قطوعات خطيرة لم تتمكن نخب عربية أخرى أن تتجاوزها (لأسباب لا يمكن إيجازها هنا طبعاً)، وبصفتها هذه، إضافة إلى كونها الدولة الرائدة في ثورات الربيع العربي (الذي تكاثر أعداؤه عليه)، عليها أن تتابع مسيرة التسويات التاريخية وتثبت للعرب والعالم أن الاستبداد ليس قدراً مرصوداً للعرب، وأن الثقافة العربية – الإسلامية ليست موسومة جينياً بالتخلّف والإرهاب، كما يحاول كثيرون، بينهم توانسة، أن يثبتوا.
الحق يقال أن فقراء كثيرين صاروا يأملون في تحسّن أحوالهم الاقتصادية والأمنية ولو بعودة الاستبداد، في فصل لا عقلاني بين بؤس أحوالهم وماكينة الاستبداد التي لا تلتهم الحرّيات والأفراد فحسب بل تفتك بالمجتمعات وتدمّرها من الداخل.
قلوب العرب، وخصوصاً شهداءهم الذين ماتوا في الثورات، تخفق بحب تونس، وتأمل لثورتها النجاح.

رأي القدس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    لا بد من احترام ما قرره الشعب
    فبالرغم من انحسار الثورة والثوار بسبب الأزمة الاقتصادية فالوضع الآن مختلف فالفساد سيحاسب فورا وبالبرلمان والقضاء المستقل

    تونس غيرت رئيس الوزراء 4 مرات ب ثلاث سنوات وقادرة على تغير رئيس الوزراء مرات ومرات فلا خوف من الدكتاتورية لأنها انتهت وللأبد

    هنيئا لشعب تونس ما اختاروه بأنفسهم وعقبال باقي دول الربيع العربي

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول عبد الكريم البيضاوي. السويد:

    لازال الطريق طويلا وصعبا ومحفوفا بالمخاطر‎‫, عملية التصويت ماهي إلا إحدى آليات الديمقراطية , لن تقوم للديمقراطية الحقة قائمة في أي مكان كان إن هم حاولوا فصلها عن قيمها العلمانية في احترام الرأي والفكرللآخر, في القبول بالاختلاف الثقافي والسياسي, في المساواة بين كل مكونات المجتمع على أساس المواطنة والوطن, في سن قوانين تعزز وتحمي الحريات سواءالفردية منها أوالجماعية , وفي قوانين أخرى كثيرة ,كذلك أهمية بث روح ثقافة الديمقراطية بين الناس وإحترام قواعدها وجعل القانون هو الأعلى والأسمى ولاأحد يعلو عليه كان من كان.

  3. يقول داود. إيطاليا:

    أتمنى ان تكون حالة تونس معممة في كل الوطن العربي ولا أتوقع ذالك في غضون عشرة أعوام مقبولة لذا أقول اذا لم يصل العمر كي ما أشارك فيها فاني هناك و ان ضم قبر

  4. يقول ع.خ.ا.حسن:

    بسم الله الرحمن الرحيم.(درس تونس: الاستبداد ليس قدر العرب)هذا هو عنوان رأي القدس اليوم.،وهو النبراس الذي يضيء الطريق للعرب والمسلمين كي يبسيروا على هديه في اختيار الحكام بطريقة حرة ونزيهة وبعيدا عن سطوة بساطير العسكر.وان شاء الله تعالى يكون نجاح حكم الصناديق حليف تونس للحرية والتقدم والازدهار ونموذجا يحتذى به في دول حراك الربيع العربي وغيرها .ان اعدى اعداء حكم الصناديق هم جميع قوى الشر والبغي والاستبداد في الداخل والخارج.والقائد لهذه القوى هم الاعداء الصهيو صليبيون؛مضافا اليهم الاتجاهات النغريبية العلمانية المتنكرة لعقيدة الاغلبية الساحقة من العرب والمسلمين .وهذه القوى هي التي انقلبت على حكم الصناديق في مصر وارجعتها الى الاستبداد والطغيان والعمالة وباشد واظلم من عهد مبارك ومن قبله
    وكما كانت تونس مفجرة ثورة الربيع العربي ،فاننا نتمنى لها من سويداء القلوب ان تكون النموذج في الاستقرار والحكم الرشيد والعدالة واستقلال القرار والتقدم والازدهار حتى تكون الدافع القوي لقوى ثورة الربيع العربي للاصرار والنجاح؛وبخلاف ذلك فان الذيل الذليل سيتكرس في اوطاننا ويعود عنواننا بين الامم.

  5. يقول سامى عبد القادر - الولايات المتحدة:

    أهنئ وبشدة الشقيقة تونس على المسار الديمقراطى المبهج الذى انتهجوه طريقاً لهم والذى سيؤدى بهم -بإذن الله- إلى طريق الإزدهار والتقدم والرقى … وبصفتى من مواليد مصر فإننى أحذر إخوتنا فى تونس -بعد هذه التجربة الرائعة- من أى نصاب ضلالى بتاع ٣ ورقات يخرج عليكم ببندقية رش قائلاً; الشعب التونسى لم يجد من يحنو عليه, أو بكرة تشوفو تونس, أو يسبل لكم عينيه ويقول لكم, إنتم متعرفوش إنكم نور عنينا ولاَّ إيه!!!, أو يعدكم بكام لمبة موفرة وكام عربية خضار لحل مشاكل تونس الإقتصادية!!!, أو غيرها من خزعبلات وأدوات النصب والإحتيال … إياكم من هؤلاء النصابين المحترفين, فقد حكموا دولة شقيقة لكم لمدة ٦ عقود من الزمان فحولوها من دولة عظيمة إلى دولة بائسة يتمنى شعبها أن يصل لمستوى شعب دولة زنزبار العظمى!!! … ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم

  6. يقول أبــومــحــمــد أمـــيــن المـــغــربــي:

    بسم الله الرحمن الرحيم
    لا أظن أن صناديق الإقتراع حتى ولو كانت حرة نزيهة ستمكن الشعوب العربية من النهوض وإعادة كرامتها لأن الإنتخابات هي فقط آلية من العمل الديمقراطي البسيط الذي تسيطرعليه لحد الآن قوى عداء التغييربالوطن العربي،أما تونس فقد أعادت تشكيل نظام البائد بن علي في شخص السبسي وبهذا فالفرق بين تونس ومصر هو نقطة من باء السبسي إلى ياء السيسي.
    فالدولة العميقة سواء بتونس أو مصر هي من بيدها خيوط اللعبة مع تغلغل الفساد في كل مناحي الحياة وجعل المواطن يفضل الأمن إن سولت له نفسه الحلم بالتغيير الحقيقي،فكل أدوات التحكم لا زالت بيد الأنظمة التي قامت تلك الإنتفاضات ضدها،فأغلب نخب الوطن العربي لا زالوا محكومين بالولاء للأنظمة البائدة لأنهاتسمح لهم في الحصول على إمتيازات ومن جانبها تؤثت المشهد التمثيلي لديموديكتاتورية تزين وجهها بمساحيق تجميلية وتزيد في عمرها مع غسل أدمغة الشعوب
    تونس عليها الرجوع إلى بيت الطاعة العربي مع الأخذ بعين الإعتبارالتاأثير الكبير لأتباع فرنسا من مثقفين وساسة وتداخل مصالح فرنسا في تونس مع العصابات السابقة في هيئة رجال أعمال وسطاء لإبقاء تونس ذنب تابع للأم فرنسا.
    أخيرا يجب أن لا تكون تونس شرارة ثانية للمواطن العربي وإعطاءه الأمل في إمكانية التغيير،لهذا أقول مرحبا بعودة السبسي أحد رموز نظام بن علي ،ولتعلم الشعوب العربية أن التغيير لم يحط رحاله بعد في مجتمعات تكالب عليها الفقر والأمية ولم تتحرر داخليا من عقدة الخوف والتطبيل مع كرهها للتضحية إلى أبعد مدى نظرا لجهلها وأنانيتها وخيانة نخبها المثقفة التي يجب أن ترسم طريق التحرر..والسلام عليكم ورحمةالله تعالى وبركاته.

  7. يقول د. اثير الشيخلي- العراق:

    عندما يتم تغليب الحكمة على الجشع ، و مصلحة البلاد و العباد على المصالح الشخصية الضيقة ، و المرونة على العناد … تكون هذه هي النتيجة

    حكمة و جكماء تونس هي و هم من سادت و سادوا و شعب تونس الرائع هو المنتصر في نهاية المطاف فهنيئاً لهم و هنيئاً للعرب و للمسلمين هذه النقطة البيضاء المرجعية.

  8. يقول Visitor:

    طوّلوا بالكم يا شباب؟!, مازال غبار المعارك الأنتخابية لم ينقشع بعد. الا تذكرون كيف أن الرئيس مرسي أنتخب بنفس الطريقة ثم تبين فيما بعد أن وراء الأكمة ما وراءها فانقلب عليه العسكر وهذا ما قد يحصل في تونس, ثم لا تنسوا أن القوى التي تحاول وضع العصي في عجلات الثورا ت العربية هي نفسها الفاعلة في البلدين, ثم اليست تونس دولة عربية؟؟ الفرق بين السبسي والسيسي مجرد نقطة.

  9. يقول ابو ابراهيم:

    ان الاصلاح السياسي علي اهميته ليس هو الهدف
    في حد ذاته،ولكن الهدف الاسمي هو الرقي الحضاري والتميز في كل المجالات وخاصة العلمية منها
    وان شاء الله عن قريب وهي بشري لكل المسلمين
    سيسمعون باختراع علمي سيقلب كل الموازين ويدخل
    العالم في تاريخ جديد وذلك بالاعتماد علي الله سبحانه وتعالي .

  10. يقول Hassan:

    كل من ” الكروي داود النرويج وعبد الكريم البيضاوي. السويد” لقد أحسنتما التعليق وأنا أشاطركما الرأي. أما ” Visitor” فلا وجه للمقارنة بين تونس مصر رغم وجود عامل مشترك ألا وهو التأسلم آفة الألفية الثالثة وفق التقويم الزمني. تونس قد تقدمت أشواطا في الحداثة والفضل يعود لبورقيبة الذي استشرف هذا اليوم. تونس هي المثال لبداية تطور العرب.

    1. يقول الكروي داود النرويج:

      شكرا لك يا عزيزي حسن

      لكني لا أعاتب الأخ فيزيتور فخوفه من انقلاب الأمور مشروع
      لأن الذي جري بمصر كارثة بحق الحرية والرأي الآخر والديمقراطيه ككل والمثل الشعبي يقول أن الذي تقرصه الحية يخاف من الحبل

      مع تحياتي للجميع

      ولا حول ولا قوة الا بالله

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية