عمان- «القدس العربي»: هل يمكن القول بأن تغيير قواعد الاشتباك على أو في المنطقة العازلة على الحدود بين الأردن وسوريا له أغراض استراتيجية وسياسية تحديداً أعمق مستقبلاً؟
سؤال يجول بحساسية وحرج وبدون كثير من الشفافية بين نخبة كبيرة من الدبلوماسيين الغربيين وكبار الساسة والمراقبين والخبراء الأردنيين على هامش التطورات الأخيرة على واجهة الحدود الشمالية الأردنية، حيث زاد معدل الإفصاح بالنسبة للقوات المسلحة الأردنية عن طبيعة عمليات الاشتباك التي تجري في جزء من الحدود من الجانب السوري، وتحديداً مع قبل عصابات منظمة وصفت بأنها إجرامية تسعى لتهريب المخدرات وأشياء أخرى، كما قال رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، والتمترس وراء محاولات مسلحة هذه المرة للتسلل واختراق الحدود الأردنية.
اعتداء… واسترخاء سوري
طبعاً، قوات حرس الحدود الأردنية تتصدى لهذه المحاولات بكل تفصيلاتها وبكل أوقاتها وبروح قتالية عنيدة، وتم الإعلان عن عدة مواجهات مؤخراً تسلط الضوء على المستجدات التي تجرى عبر الحدود الأردنية السورية، لا بل وفي ظل الواجبات المهمة والأساسية في عدة الاتجاهات التي يقوم بها الجيش العربي الأردني في العمق السوري أيضاً. ولا يوجد الكثير من التفاصيل، ولا تسمح السلطات الأردنية بالكشف عن تفصيلات فنية أو عسكرية أو ذات بعد أمني.
لكن الانطباع قوي بأن التطورات الأخيرة اتخذت شكل محاولات تسلل واختراق مسلحة للاعتداء على الأرض الأردنية تحت عنوان تهريب المخدرات بصفة خاصة، والرد عليها من قبل قوات حرس الحدود الأردنية قبل الإعلان عن تغيير قواعد الاشتباك؛ بمعنى تنميط العمل الاستخباري العسكري والأمني ومراقبة ما بعد نقاط الحدود بمعناها الرسمي والدولي.
ثمة من يتحدث وسط النخبة الأردنية عن استرخاء سوري وعدم القيام بالواجب على الجانب الآخر، مما يدفع الأردن لمراقبة لا تتعلق بحدوده المرسومة دولياً، لكن أيضاً في العمق السوري. وهي آلية لحماية الذات، تتيحها طبعاً قوانين الشرعية الدولية والتفاهمات الأمنية مع الجانب السوري، بمعنى أن عناصر تغيير قواعد الاشتباك في عمق الأراضي السورية أحياناً أو على الأقل في المنطقة المحرمة؛ بمعنى الفاصلة جغرافياً التي قد تمتد إلى ثمانية كيلومترات، مسألة من الواضح أن المؤسستين العسكرية والسياسية تفاهمتا ولو ضمنياً عليها.
وثمة من بين السياسيين والخبراء من يتحدث عن تفاهمات أمنية أصلاً بين الجانبين على كيفية التعامل مع محاولات اختراق الحدود، خصوصاً في ظل انشغالات المؤسسات السيادية السورية.
في كل حال، الاعتقاد راسخ بأن تسليط الأضواء على النشاط المتعلق بتهريب المخدرات إلى الأردن والذي يستهدف بكل الأحوال أسواق دول مهمة في الإقليم من بينها دول الخليج والمملكة العربية السعودية بشكل خاص، هو نشاط يعيد تذكير الأردنيين بالأرق الأمني الحدودي المرتبط بالأزمة السورية، فيما المنطقة التي يجري فيها تهريب المخدرات تحديداً أو بعض محاولات التسلل والاختراق هي تلك التي يوجد فيها بقايا قوات المعارضة السورية أو ما يسمى بالجيش الحر السوري المعارض. وهو أمر يعيد تذكير بعض الأردنيين والسوريين بالقاعدة التي سبق أن تبناها الرئيس السوري دوماً بشار الأسد، القائلة بأن درعا وما يجري في محيطها بالمعنى الحدودي الأوسع طبعاً والأشمل هي مشكلة أردنية.
لكن جوار درعا كانت وستبقى مشكلة بالمقياس الأردني، وإن كان الكثير من التفاهمات ذات البعد الأمني والمتعلق بحراسة الحدود يعتقد بأنها ناتجة عن كيمياء من التواصل والتفاهمات الضمنية أحياناً، والمباشرة التفصيلية أحياناً أخرى، بين مؤسسات البلدين المعنية.
بمعنى أن سوريا لا تعترض على مقولة الأردن التي رفعت شعار تغيير قواعد الاشتباك، وأن دمشق في المؤسسة السياسية على الأقل تصدر منها أدبيات أو تعليقات يمكن أن تنتقد العمليات في البعد الأمني التي يقوم بها الجانب الأردني في المنطقة الحرام أو العازلة على الحدود مع سوريا.
لكن مسألة المخدرات -برأي محلل مثل الدكتور عامر سبايلة – دائماً ما تغري المجموعات المنحرفة أو المسلحة، والحديث هنا عن أموال تتحرك وعن أسواق في المخدرات تبرر بالنسبة لأصحابها الانحراف والمواجهة.
البعد المالي
وبالتالي، البعد المالي موجود وبكثافة، لكن لاحظ الجميع أن القوات المسلحة الأردنية وبعد الزيارة التي قام بها إلى الواجهة الشمالية رئيس الأركان الجنرال يوسف الحنيطي وبصورة أعقبت إصدار العديد من البيانات عما يجري على الحدود، بما في ذلك البيان الذي تحدث عن مقتل 27 شخصاً من الجانب السوري حاولوا اختراق الحدود ونفذوا عدة عمليات تسلل.. هذه الزيارة انتهت بإجراء أردني له بعد تاريخي وتكتيكي واستراتيجي؛ فقد تم تغيير تسمية إدارة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة الأردنية بصورة علنية إلى إدارة الإعلام العسكري.
وهذا النمط من التغيير الإجرائي يعني بأن جهازاً مستحدثاً باسم الإعلام العسكري سيبدأ بالإفصاح عن الروايات التي تعتمدها حول حقيقة ما يحصل على الأرض، سواء عبر الحدود مع سوريا أو الحدود مع غيرها في كل القضايا ذات الصلة بالمؤسسة العسكرية الأردنية، مما يعني توفر مؤشرات على أن الحاجة قد تصبح ملحة لاحقاً لممارسة أنماط مهنية دقيقة من الإفصاح العسكري تطلبت اليوم الإعلان عن تسمية مديرية الإعلام العسكري.
والانطباع متشكل مبكراً في الجزء السياسي الآن بأن نطاق العمليات تحت عناوين تغيير قواعد الاشتباك والاقتراب من المنطقة المحرمة على الحدود الشمالية على الأقل، إضافة إلى الأبعاد الإنسانية التي تكفلت بها القوات المسلحة الأردنية طوال الوقت، إنما هي مسائل وإجراءات بدأت تسهم في كسر الحاجز النفسي أو السيكولوجي السياسي الذي يتم الإشارة اليه بين ثنايا الأسطر وقراءة الأحرف في الموقف السياسي الأردني، مما يكرس القناعة بأن التفاهمات وترتيبات دولية وإقليمية ومع كل الأطراف القوية بالإقليم قد تنتهي لاحقاً بأن الأردن ودفاعاً عن مصالحه الحيوية والأساسية في حالة تضطره للتعامل بجدية مع مستلزمات أمن الحدود مع سوريا.
وأن العديد من مناطق جنوب سوريا وبعض مناطق شمال سوريا وشرقها لا يوجد فيه مظاهر عسكرية للدولة السيادية السورية، وبالتالي فإن كسر الحاجز هنا في مسألة الجنوب السوري والمناطق الشمالية الأردنية في البعد السيكولوجي والنفسي قد يكون بحد ذاته نوعاً من التنميط والتأطير السياسي، وهو أمر بدأ يعيده بعض الخبراء جداً، وتعيده بعض التقارير الدبلوماسية المغلقة إلى دور مفترض إنساني الطابع وسياسي النتيجة، يتطلب سياقاً عملياتياً في عمق الحدود السورية، وهو قد يأتي مستقبلاً، لكنه من الصنف الذي لا يمكن توقعه من الآن.