ربّ ضارة نافعة. إن انتشار فيروس كورونا في معظم دول العالم أدى إلى نوع من الشعور بأننا ننتمي جميعاً إلى كوكب واحد قد يكون مهددا وبشكل مفاجئ، بخطر ماحق. هذا ما وضع على المحك سياسات الدول وأظهر هشاشة الأنظمة، خصوصاً تلك المفروضة على شعوبها، وعدم كفاءتها. فبينما تضع أوروبا أو الصين أو الولايات المتحدة مليارات الدولارات للحد من انتشار المرض، وتعويض المتضررين، في إطار عال من الشفافية نجد كثيرا من الدول الأخرى، وخصوصاً تلك التي تفتقد إلى أي شفافية أو مصداقية بتعاملاتها مع شعوبها، تتخبط بين التصريحات والإعلانات الفوضوية، والتي لا تنجح إلا بمزيد من انتشار المرض، وتعريض مواطنيها للخطر، والمثال المصري أو الإيراني خير دليل على ذلك.
العولمة بالمفهوم التجاري
نكتشف أننا على كوكب صغير، وأن مرض شخص واحد في مدينة صينية، يهتز منه العالم كله. العولمة بمفهومها التجاري، أي حرية تنقل البضائع وكثرة المسافرين حول العالم، ليست هي السبب الوحيد، لعودة اكتشاف الإنسانية ذاتها، بل سرعة انتشار المرض، وافتراض تعديه جميع الحواجز، وخطورة مضاعفاته، خصوصاً عند كبار السن والمرضى.
في سابق الزمان كانت هناك أوبئة مثل الطاعون في القرون الوسطى، وأمراض حديثة شبيهة بكورونا في بداية القرن الحالي، أو الإنفلونزا الاسبانية في مطلع القرن الماضي. نحن إذاً أمام ظاهرة تتكرر بشكل منتظم، وتظهر أن الطبيعة، ترفض التقهقر أمام الإنسان، وأن التقدم العلمي، مهما كان، لن يسبقها ويتغلب عليها، وإن استطاع ترويضها في مجالات عديدة. علينا أن نتحلى بنوع من التواضع أمام الطبيعة وجبروتها ومقدرتها على إعادتنا إلى فترة ما قبل الإنسانية. لحسن الحظ إن الوباء الحالي هو في طريقه للدخول إلى بيت الطاعة الإنساني، على الأقل هذا ما نأمل، والعودة من حيث أتى، أي إلى حالات استثنائية في موطنه الأصلي.
فيروس كورونا أظهر للعالم أن العولمة الرأسمالية، أي البحث عن الربح دائماً، هي من ضاعفت خطر المرض، بإعطائه ارتداداً اقتصادياً، فليس من المعقول، أن دولا مثل فرنسا أو ألمانيا، لا تملك ما يكفي من المواد المعقمة أو الكمامات الجراحية البسيطة، لأنها تستوردها من الصين، والتي وضعت حجراً على صناعاتها. ولو استمرت هذه الأزمه، لفترة أطول، فسنقع في مشكلة الغذاء والدواء.
العودة إلى نظام اقتصادي عالمي أكثر فعالية بالنسبة للمصلحة العامة، وليس فقط البحث عن الربح للرأسماليين، قد يكون إحدى النتائج المباشرة لهذا الوباء. من المأمول أن نعود إلى مفهوم الإنتاج والاستهلاك المحلي، أي أن نشتري ونأكل مما ننتج، وألا نكتفي فقط بالاستيراد من الصين أو غيرها بحجة قلة الكلفة.
من الضروري برأيي أن نعود بدولنا العربية والعالم الثالث بشكل عام، نحو تطوير هذا المفهوم، والاعتماد على الذات، وهو ما سيؤدي إلى التطور الاقتصادي المبني على الإمكانيات الزراعية والصناعية المتاحة لكل منطقة.
ثلاثة ميادين يجب أن تتوفر في كل منطقة في العالم، وهي الغذاء والدواء والصناعات الاستراتيجية ( مثل إنتاج الكهرباء وأشكال الطاقة المختلفة)، بدون ذلك سنبقى ضحايا لرأس المال العالمي الذي لن يقدم لنا شيئا عندما يزورنا كورونا كل سنة مرة.
الاعتماد على الاقتصاد الريعي، كبيع الثروات الطبيعية مثل البترول أو الذهب، هو حقيقة كارثة على الاقتصاد ومدمر للأجيال المقبلة. ليس فقط لأنه لا يبني اقتصاداً متنوعاً وإنتاجياً، إنما لأنه أكبر أسباب وجود وبقاء الديكتاتوريات التي لا تترعرع إلا إذا سرقت ثروات الأوطان لصالح مجموعة مافياوية في السلطة بدون أي اكتراث بالمواطن وصحته وحاجاته ومستقبل أبنائه.
ثروات الوطن يجب أن تبقى فيه لبنائه وتأمين مستقبل أبنائه. وباء كورونا أظهر من جديد عدمية وعبثية هذه الأنظمة، وضرورة العمل الملح للخروج من كنفها، فهي رغم غناء أفرادها المفرط، ليست ذات كفاءة لوضع أي سياسات فعالة لمواجهة أي شيء.
خطر أكبر من فيروس
ما أريد أن أطرحه في هذا المقال هو أن هناك خطرا داهما أكبر من فيروس كورونا لكننا لا نراه قريباً أو خطيراً، بسبب بطء تطوره، ألا وهو التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة.
هذا المرض هو من صنع الإنسان وفي الوقت نفسه يرفض جزء كبير من الإنسانية، مثل الولايات المتحدة والصين وحتى الهند، قبوله والعمل على الحد منه جدياً. ماذا ستفعل تلك الإنسانية البائسة، والتي بالكاد تستطيع مواجهة فيروس شبه معروف، بوجه الأعاصير والفيضانات، بوجه زحف الصحراء، بوجه ارتفاع مستوى البحار، وبوجه الهجرة بالملايين للهاربين من كوارث الطبيعة المتوقعة نتيجة التغير المناخي، والذين سيكونون أضعافاً مضاعفة بالنسبة لما نرى اليوم من هجرة بسـبب الفقر أو الحـروب.
قد يكون الشعور أخيرا بأننا إنسانية واحدة جمعتنا الأوبئة بعد أن فرقتنا المصالح الضيقة هو الوسيلة لبناء عولمة جديدة مبنية على حرية الأفراد والشعوب وتوحدهم بوجه الكوارث وجشع رأس المال.
كاتب ومحلل سياسي فلسطيني
تحليل في غاية الاهمية والواقعية. ليت قومي يعقلون!
نظره ثاقبه سباقه و واقعيه لحال العالم اليوم .
هي الحرب الخفيه بين العالم الرأسمالي و دول العالم الثالث ذات الموارد الطبيعية و التي سلمت رقابها للدول النافذه ، تلعب بمقدراتها كما تشاء.فتصبح هذه الدول لعبه بأيديهم يقلبوا مصائرها كما يشاؤون و يعبثون بثرواتها ينهبون .
و ما ربك بغافل عما يفعل الظالمون.