دروس للمشتركة الجديدة من الانتخابات الإسرائيلية

 وديع عواودة
حجم الخط
0

الناصرة ـ «القدس العربي»: رغم أن الصورة الانتخابية في إسرائيل لم تنجل بكامل تفاصيلها، لكن هناك جملة أمور مؤكدة، منها فشل نتنياهو في ترهيب المواطنين العرب فيها وإبعادهم عن صناديق الاقتراع وانقلاب السحر على الساحر، إذ حفزّتهم حملاته المتتالية المتصاعدة عليهم منذ 1996 للانتقال من الدفاع والانكفاء للهجوم والمشاركة في حرمانه من تشكيل حكومة يمين متطرفة ضيقة وربما إسقاطه.
هذا المكسب المعنوي للمجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل (حتى على المستوى الفلسطيني العام) ينم عن النجاح بالثأر من «الساحر المحرض» وهو مهم من ناحية تعزيز قوته ومكانته وثقته بنفسه وربما يتحول لمكاسب سياسية عملية.
بالتأكيد كان في مقدور «المشتركة» رغم كل التحديات والمعيقات الموضوعية أن تحقق فوزا أكبر يترك مفاعيل نفسية مهمة على وعي المجتمع العربي ووعي الإسرائيليين لو حرصت على توفير عناصر النجاح كما يجب.
في كل الأحوال سياسيا وعمليا على المستوى البرلماني يقترب المواطنون العرب من حقوقهم المدنية أكثر بازدياد عدد ممثليهم، ناهيك عن التأثير الإيجابي على صورة ومناعة السياسة العربية، والعكس صحيح، فلو أصيبت المشتركة بانتكاسة لانتكست لجنة المتابعة واللجنة القطرية وكل السياسة العربية.
في المقابل يزيد هذا النجاح التحديات أمام «المشتركة» ويجعلها بحاجة ملحة لتعلم الدروس وتطبيقها وبسرعة.
كنت مع النواب العرب بعد إغلاق مراكز الاقتراع وقبل أن تبدأ الاحتفالات والخطابات المبكّرة، ومن أهم ما سمعته منهم جميعا القول إن «مجتمعنا أفضل منا» وصدقوا بذلك. رغم الاستجابة المتأخرة لمطلب تشكيل المشتركة بقيت قضايا مهمة عالقة أو «مسلوقة» دون اكتمال نضوجها، مما ترك أثرا سلبيا خطيرا على الناحية المعنوية والجاهزية العامة للمشاركة في ممارسة حق الاقتراع، علاوة على عوامل أخرى متراكمة وأكثر عمقا ترتبط بالسياسة العربية والإسرائيلية. لكن الأمور بخواتيمها والامتحان بالتطبيق لا بالاعتراف اللفظي فقط، ولا بد أن ترى «المشتركة» الدور المهم الذي لعبه نتنياهو في تحفيز المواطنين العرب ودفعهم للصناديق والثأر منه شخصيا، فقلبوا السحر على الساحر المحرّض، ولذا ربما يستحق باقة ورد موقعة باسمها تحت عنوان: «أبو يائير.. شكرا على حملات التبهير».
هل كان حصاد المشتركة أقل غلالا لو أن نتنياهو لم يزرع الأرض كراهية وعداء وشيطنة؟ سؤال مهم جدا على المشتركة التوقف عنده والانطلاق في مراجعة دفاترها والتخلص من بعض صفحاتها السوداء، وهذا يشمل حملتها الدعائية التي كان يفترض أن تبدأ وتكون رشيقة وفعالة ومبكرا بعد مصالحة حقيقية لم تتم كما يجب مع الجمهور العربي تشمل اعتذارا صريحا ومبادرات حسن نية تعزز الثقة مجددا (ولنا عودة الى الحملة الانتخابية في مقال خاص).
من جملة الدروس الواضحة حتى في هذه المرحلة المبكرة وغبار الانتخابات ما زال يعكر صفو الأجواء السياسية، ما يرتبط بالعلاقة مع المجتمع العربي، وهو التعاون مع أعداد كبيرة من المثقفين والخبراء كمجلس استشاري ونسج سياسات طالما أن المشتركة «إرادة شعب»، وهو مالكها الأساسي وأحزابه تبقى وكلاء له.
مثل هذه الشرائح الأهلية تشكّل بطانة داعمة دائمة ومصدرا للنصيحة والتفاكر تتحول لجزء من المجهود الجماعي ونجاحه بدلا من اللجوء لها كفزاعة ومصدر للنجدة والإغاثة. وهذه فرصة للتأكيد على عبرة قديمة بضرورة التوفيق بين البرلمان والميدان والتواصل المباشر مع كل الناس خارج مواسم الانتخابات دون رفع سقف التوقعات كثيرا.
كذلك تشمل سلة الدروس الحاجة للتخلص من أثقال «الأنا» فـ «الإيغو» عدو صاحبه ويحول دون تغريد الجماعة في سرب سياسي. وهذا ينطبق على تغليب المصلحة العليا على الخاصة، لا سيما أن النتائج الطيبة (13 مقعدا) تظهر أن الخلاف على المحاصصة كان غبيا أيضا، لا غير أخلاقي فحسب وربما لو تحاشت المشتركة كل ما أساء لها لكانت ستصل لـ 14 و 15. هل يمكن أن تتحول الشراكة الانتخابية الى شراكة سياسية تلتزم برؤية متفق عليها وتنتقل من قارب لعبور مضيق نسبة الحسم لسفينة كبيرة تسير برؤية وبوصلة، تحمل برنامج عمل حقيقيا يقوم على التبصر بالواقع الموضوعي والتعاون والاحترام المتبادل وتحديد آلية الأغلبية بدلا من الإجماع على اتخاذ القرارات مع تحديد معالم هامش مناورة أي حزب فيها لا يروق له هذا القرار أو ذاك.
بالذات بعدما سمعنا خطاب غانتس يفضل أن تحرص المشتركة على رصانتها وعدم الهرولة لعرض بضاعتها على « أزرق- أبيض « والتصرف بحكمة وهدوء وبعد الاتفاق داخليا على شروط أي نوع من التعاون السياسي.
تكثر المؤشرات على أن التخطيط السليم والعمل المتقن كفيلان بزيادة هذا التمثيل مستقبلا وتوسيع دائرة وهوامش التأثير لدى المجتمع العربي في واقعه المركب وضمن مسيرته الطويلة نحو ما يراد ويشتهى. علاوة على التمثيل السياسي واستغلال الكنيست منبرا هناك أمثلة كثيرة على وجود فرص للتأثير بيد الذراع البرلمانية العربية من أوسلو حتى الانسحاب من غزة حتى بدون كتلة مانعة، وإن كان هذا لا يكفل تسوية مشاكلنا الكثيرة والمعقدة ودفعة واحدة. هذه رحلة جبلية صعبة واجبنا المضي فيها حتى نصل يوما ما.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية