لا يعرف قيمة أمه الا من يتعامل مع زوجة أبيه، ولا يعرف قيمة الرائد المتقاعد صفوت الشريف، الا من عمّر ليُنكث في الخلق على يد درية شرف الدين، وزيرة الاعلام حماها الله، تماماً كما لا يعرف مساحة الحرية التي كانت متاحة لنا في عهد الدكتور محمد مرسي، الا من يرى حكم الاستبداد على يد الانقلاب العسكري الحاكم في مصر الآن.
درية شرف الدين، أثبتت أنها تحمل بين ضلوعها جينات بوليسية، كامنة فيها، وجدت الفرصة هذه الأيام لتتفجر فتصبح ينبوعاً، على نحو كاشف عن رغبات مكبوتة، وربما كانت تتمنى في صباها أن تلتحق بكلية الشرطة، لكن من سوء حظها أن هذه الكلية في المحروسة هي للرجال فقط، وذات عام استقبلت دفعة من الفتيات، وجاء وزير الداخلية زكي بدر فألغى السماح للمرأة بالالتحاق بهذه الكلية!
ولا بأس، فقد اثبت الانقلاب العسكري، أن من بين المثقفين من كانوا يودون الالتحاق بمعهد أمناء الشرطة لكن مكتب التنسيق حال دون ذلك، ولأن المثل المصري يقول: ‘اذا فاتك الميري تمرغ في ترابه’، فقد انحازوا للعسكر، ودافعوا عن انتهاك حقوق الانسان، وبعضهم تفجرت عواطفه الجياشة فكتب عن الاستبداد من منطلق ‘الحب العذري’، وعبرت عن هؤلاء كاتبة، كتبت مقالاً في صحيفة معروفة، تتمنى ان تكون جارية في بلاط الفريق السيسي.
بعض هؤلاء يودون أن يعطوا لمواقفهم المنحازة للقمع منطقاً فينفخون في قائد الانقلاب على أساس أن فيه من ‘رائحة الحبايب’، وأن روح عبد الناصر قد حلت فيه، والبعض لا يرى في الرئيس الراحل سوى البدلة العسكرية، وبيادة كان ينتعلها قبل أن يصبح رئيساً، ورتبة عسكرية، وان ناصر ليس أكثر من بكباشي، وان السيسي هو فريق، فهنا لا مانع من التصايح: ‘هذا ربي .. هذا أكبر’.
درية، التي يمثل اختيارها وزيرة للإعلام، علامة على أن ما حدث يوم 30 يونيو هو ثورة مضادة، أعادتنا الى زمن المخلوع، وهي التي صنعها النظام البائد على عينه، وجرى اختيارها عضوا في محكمة الأحزاب، اذ كان القانون ينص على ان يكون نصف اعضاء هذه المحكمة من غير القضاة، ويختارهم وزير العدل، ليعوقوا أي قرار للمحكمة بتأسيس حزب جديد، يريد اهل الحكم حجب الشرعية القانونية عنه.
ودرية، كانت تقدم برنامجا سبب شهرتها، هو ‘نادي السينما’، وهو الذي كان يعرض افلاما اجنبية، ويتم خلاله التعليق عليها، وكان اداؤها فيه بارداً، وان تمتعت بجمال الصوت، ثم تمت مكافأتها بمنصب اداري هو رئاسة الفضائية المصرية، لتؤكد في الموقع فشلها، وأنا الذي رشحتها يوماً رئيسة للتلفزيون، لكن سبحانه وتعالى قدر ولطف، فلم يستجب أحد لمطلبي هذا.
البدلة العسكرية
أن تصبح درية وزيرة في حكومة يشكلها حسني مبارك والسيدة حرمه، فان هذا طبيعي، لكن ان يجري تعيينها في حكومة يدعي المنحازون لها انها افراز لثورة يونيو المجيدة التي هي موجة من موجات ثورة يناير، فان الأمر لا يكون مقبولاً، الا اذا سلمنا بأن ما جرى هو ثورة مضادة، كاملة الاوصاف.
عندما تتحدث درية شرف الدين هذه الأيام فانه لا ينقصها سوى أن ترتدي البدلة العسكرية، لتذكرنا بخالد الذكر أحمد الربيعان، الضابط السعودي الذي كان يلقي بيانات جيش التحالف المكلف بتحرير الكويت، اذا تتمدد سيادتها بالحرارة، وتنكمش بالبرودة، وفي لحظة من لحظات الانتفاخ البوليسي الفطري، قزمت مصر، وضخمت ذاتها، وأعلنت ان من يظهر على شاشة قناة الجزيرة ليس مرحباً به على أرض مصر، كما لو كانت مصر عزبة مملوكة لها، آلت اليها بالوراثة وقديماً قال القائل: ‘من حكم في ماله فما ظلم’.
وما تريد درية قوله، أن من يظهرون على شاشة الجزيرة، مشكوك في وطنيتهم وفي انحيازهم لمصر، ولهذا جاء فرمانها، شبيها بفرمان الحاكم بأمر الله الذي حرم على المصريين أكل الملوخية.
الجزيرة، هزمت الإنقلابيين هزيمة نكراء، عندما اظهرت الصورة الأخرى، وعرضت الرأي الآخر، وكان مطلوباً ان يتم التعتيم الكامل على هذا الرأي وتلك الصورة، حتى يتمكن الفريق السيسي من الادعاء بأن الشعب كله معه، وأنه ‘دعاني لبّيته’، مع أن الجزيرة تحتفي بالكائنات المؤيدة للانقلاب، وعندما وقعت مذبحة ‘رابعة’ و’النهضة’ كان على الجزيرة مباشر مصر، احد المدافعين عن الانقلاب، والمبررين للقتل، وكان مثله على ‘الجزيرة الأم’، على نحو دفعنا للمغادرة لقناة ‘الحوار’ فلم يكن لدي فائض من صبر لاحتمال هذه الأصوات المضللة، والمزعجة!
بل ان اللافت انه في ذات اللحظة التي اقتحمت فيه قوات الأمن مكتب قناة الجزيرة بالقاهرة كانت نوران سلام تدير حواراً في المكتب على الهواء مباشرة مع حسن نافعة، وعبد الخالق فاروق، وهما من اعوان الانقلاب، ونافعة في نفسه شيء من الاخوان لانهم تلاعبوا به عندما رغب في ترشيح نفسه لعضوية مجلس الشعب، تماماً كما تلاعبوا بي، فضلاً عن أنه لم يحصل في عهدهم على وظيفة ميري مرموقة، وهناك مشكلة نفسيه تصيب كثير من اساتذة العلوم السياسية اذا لم يتم تعيين الواحد منهم وزيراً حيث ينتابه شعور طافح بالاضطهاد، وعلى الرغم من حظوظ مصطفى الفقي مثلاً الا انه يعاني من هذه الأزمة.
علبة الكبريت
صفوت الشريف كان في نفسه شيء من قناة الجزيرة، لأنها كشفت ضعفه، وهو انه في مجال الاعلام، وحولت من اسطوانته المشروخة ‘اعلام الريادة الاعلامية’، يقصد اعلامه، الى نكتة تضحك الثكالى، باعتبار أن شر البلية ما يضحك، لكنه مع هذا اكتفى بالهجوم على الجزيرة، لاسيما بعد ان زارها مبارك، واندهش لأنها كعلبة الكبريت، ومع هذا أقامت الدنيا وأقعدتها!
حسين عبد الغني كان مديراً لمكتب الجزيرة بالقاهرة، وعندما قامت بعض البلدان العربية بسحب تراخيص مراسلي الجزيرة، طالب البعض بأن تحذو مصر حذوها بسحب ترخيص صاحبنا، الذي يعمل في قناة الاعداء، لكن الشريف دافع بأن القاهرة لا يوجد بها مراسل للجزيرة، فقد تركه يعمل وفق نظرية ‘الاريحية’ قبل منحه الترخيص بممارسة العمل، وعلى الرغم من حملة الهجوم التي كان يحرض عليها ضد الجزيرة عبر تلفزيونه الا أنه، وايماناً منه بأهمية هذه القناة، فقد رحب، وربما سعى، لان تبث عبر القمر ‘نايل سات’، لأنه وجد عزوفا جماهيرياً عن الاشتراك فيه من قبل المواطنين، ومن كان يتعامل مع الاطباق اللاقطة، كانت الجزيرة هي المستهدفة بالمشاهدة، وقد تربع الاعلاميون على عرش النجومية، وصارت خديجة بن قنة أكثر شهرة من أي نجمة سينمائية، وان كان احداً غيري لم ينشغل بجمانة نمور.
وانتقلت ليلى الشايب من مذيعة الى نجمة الشاشة الاولى، واعتقد ان الركن الخاص بالتعريف بالقوم على موقع ‘الجزيرة نت’ هو الأكثر اطلاعاً من قبل القراء، الذين يتابعونه.
لقد حدث في احدى الحملات الاعلامية، ان تمت المطالبة بإسقاط الجنسية المصرية عن العاملين في الجزيرة، وخصوا بذلك المؤسس صلاح نجم، لكن هذا لم يكن توجهاً من السلطة، وان كان ممن يتقربون اليها بالنوافل، ولم يجر تجريم ضيوفها، وأحد الذين كانوا في هذه الفترة من نجوم الجزيرة، وضيفاً مستديماً على شاشتها، هو الان يتهم من يظهرون على شاشتها بأنهم من الشياطين، ولم يحدد ما اذا كانوا من صنف العفاريت، أم من الجن، في المطلق؟!.
صحيح أنه جرى اغلاق مكتب الجزيرة في أيام ثورة يناير، ومطاردة مدير مكتبها زميلنا عبد الفتاح فايد ‘بيت بيت.. زنقة زنقة’، لكن جرى هذا بعد خروج صفوت الشريف من الوزارة وفي زمن انس الفقي.
الخطاب النازي
يقولون أن من انجب لم يمت، ومؤكد ان صفوت الشريف انجبت لنا مدرسته درية شرف الدين، التي تمارس الاستبداد بشكل أكثر صرامة، فلم يتم الاكتفاء في عهدها بإغلاق مكتب الجزيرة بالقاهرة، بدون سند قانوني، كما تمت مطاردة الجزيرة مباشر مصر، فالذي زاد وغطى هو الخطاب النازي لدرية شرف الدين، ‘هتلر مصر’، التي تعاملت على ان المحروسة ما هي الا عزبة، وعليه قالت ان من يظهرون على شاشتها غير مرحب بهم في مصر، والمؤسف أنه احداً ممن ظهروا عليها لأسابيع من الموالين للانقلاب ومن أول حسن نافعة، مروراً بسعد هجرس، و عمرو هاشم ربيع، وغيرهم، وانتهاء بمن يستجد من ضيوف، لم يقولوا لها: مكانك!.
الجزيرة تقول انها تنقل الرأي والرأي الآخر، ومشكلة القوم مع الجزيرة ليست في المهنية، بدليل ان النموذج المختار لا علاقة له بالمهنة، فلا يمكن ان يكون التلفزيون المصري، او الفضائيات الحليفة، لها علاقة بالمهنية من قريب أو بعيد، وقد كان مدهشاً ان استمع الى ضياء رشوان نقيب الصحافيين المصريين، المنحاز بالفطرة لحكم العسكر، عبر الجزيرة مباشر مصر فيحمل على عدم مهنية الجزيرة، مع انه يشارك في تقديم برنامج يمثل العنوان الابرز، باعتراف مقدمه الرئيس عمرو اديب، بأنه لا علاقة له بالمهنية ولا يلتزم بالقواعد الاعلامية.
على ذكر الجزيرة مباشر مصر، فقد صدر حكم قضائي بمنعها من البث عبر القمر المصري ‘نايل سات’، وجاء في حيثيات الحكم ‘كنا نظن انها ملاكاً’، والمعنى انه ثبت أنها شيطان، ولا اعرف حقيقة ‘حجية الظن’ من الناحية القانونية، فهل يمكن لنا ان نختلف مع هذا ‘الظن’ القديم ومع ‘الظن’ الجديد، ام أنه ظن محصن من النقد والاختلاف باعتباره يمثل العدالة مغمضة العينين، وتشمله حصانة عدم جواز التعليق على أحكام القضاء؟!
فأنا مع احترامي الشديد لجلال الحكم لم أكن اظن يوماً ان ‘الجزيرة مباشر مصر’ هي ‘الملاك الطاهر’، ولا اعتقد انها الشيطان المخيف، فهي نتاج عملي بشري يصيب ويخطئ، ومن يعملون بها يحاولون الالتزام بالموضوعية، وضيوفها من كل الاطياف السياسية، لكن هناك من يريد ان يتم حجب المظاهرات الموالية للشرعية، باعتبار ان التلفزيون المصري هو النبراس.
طوفان البشر
المظاهرات تعم ربوع مصر لحظة كتابة هذه السطور، وطوفان من البشر في محافظة الاسكندرية بالذات، ومع هذا فان الفضائية المصرية امامي وكأنها تبث ارسالها من تحت ثلج الاسكيمو، وفي الجمعة الماضية كان النقل من ميادين فارغة، لتاكيد أن المتظاهرين عشرات أو مئات، حتى قناة نجيب ساويرس ‘أون تي في’ تجاهلت تماماً هذه المظاهرات وكأنه لا احد هناك، وكان مثيراً للدهشة ان يدعو ساويرس في تغريدة له عبر ‘تويتر’ الى وقف المظاهرات للنهوض الاقتصادي، وهو ليس له الا معنى واحد انه لا يشاهد فضائيته وانما يتابع الجزيرة وعليه فعلينا ان نطالبه الى تركها وللانتقال الى ‘اون تي في’ ليشعر بالأمان العاطفي’
الجدير بالذكر أنه قبل الانقلاب العسكري صدر حكم قضائي قال شعراً في ‘الجزيرة مباشر مصر’، وتغزل في التزامها بالموضوعية، وتوافر التراخيص لديها للبث من القاهرة، كما صدر حكم في واقعة اغلاق محطة بعينها وازالتها من ‘نايل سات’ قضي بأن القمر المذكور وباعتباره شركة مساهمة ليس تابعاً لجهة حكومية فانه لا يخضع لرقابة القضاء الاداري، الان نحن امام حكم يقضي برفع ‘الجزيرة مباشر مصر’ من ‘النايل سات’ ولا مانع عندي، فقط نريد ان نعرف أين هو صحيح القانون لننحاز له وندافع عنه، لكن بعيداً عن الجزيرة ملاكاً او شيطاناً.
عموماً لن يرضى الانقلابيون عن فضائية حتى تتبع ملتهم، والاستبداد ملة واحدة، والمدهش أننا نسمع لمن يتهمون عهد محمد مرسي بالقمع والاستبداد، وهذا هو الظلم البين، فالرجل وفر حرية لخصومه غير مسبوقة او متبوعة في التاريخ المصري.
ففي هذه نقول: ولا يوم من أيامك يا مرسي، فلن يعرف قيمته الا من يتعامل مع الانقلاب، فالحرية في عهده نعمة لم نحمد الله عليها فزالت منا، وقديماً قال الشافعي: كثرة المعاصي تزيل النعم.
صحافي من مصر
[email protected]
مقال رائع وممتاز كعادته الاستاذ سليم غزوز ونتمنى النصر لمؤدي الشرعية والخزي والعار لكل من ساند الانقلاب الا من تاب توبة نصوحة واعلنها امام الملأ
لا فض فوك أ. سليم
ورحم الله كل من قال كلمة حق في وجه سيسي وأمثاله
اسمح لي استاذ عزوز بان ارفع لك القبعة احتراما فقديما كنت اقرا لك لاضحك لان شر البلية ما يضحك وانت تجيد السخرية من البلاوي اما الان فانني انظر اليك وانت على شاشة الجزيرة كصنديد يقف شامخا امام انقلاب دموي لا يرحم
لا فضّ فوك يا سيد عزوز
حفظك الله يا أخي سليم عزوز …
سلام الله عليكم
صدقت ووفيت وجزيت…الصبر الصبر… حتى يعقل كل من يغني تسلم الأيادي
أظن الثاء كتبت سهوا… وصحتها السين
“وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ” يس68
دمت موفقا
تحية طيبة يا سيد عزوز يا طيب اللآصل الحمد لله انك رجعت الينا بسرعة بعد ان فقدنا فيك وفي أخرين الآمل في أول ايام الآنقلاب الغاشم اشكرك انا وكل زملائي في ارض المهجر —–ان هذا الآنقلاب الغاشم وقع في نفوسنا اليساريين الحقيقيين مثل هزيمة حزيران من عام 1967ولكن ان الشعب المصري العروبي لن يركع الا لله مهما حاول الآنقلابيون واخوانهم الصهاينة من الاعيب
الله الله عليك يا أستاذنا سليم عزوز طول عمرك كبيـــر دائمًا منورنـــا
كالعادة مقال رائع وشكرا لك سيدي العزيز فانت في نظري تعبر عن ضمير مصر الحقيقي الذي شوهه الانقلابيين ,ولازلت تعبر عن المصري الحقيقي ابن البلد الذي نعرفه والذي كان مضربا للمثل في اسلامه ووطنيته وتلاحمه مع قضايا الامه قبل ان يتحول كائن فضائي يقصي الاخر ويشيطنه بعد الانقلاب
أصدقك القول . . بأننى أستمتع بكل كتاباتك . . وأسعد بأن أجد فى زماننا هذا . . من يجمع بين (الصدق) و(الابداع) . . فى آن واحد
أسأل الله لك الحفظ والسداد
lمقال رائع
طولت علينا يا شهم سليم عزوز- رجل في زمن عز فيه الرجال