تونس- يسرى ونّاس:
قبل أيام من عرضه على الرئيس قيس سعيد، لا يزال مشروع الدستور التونسي الجديد محل جدل في البلاد، رغم عدم وضوح كامل ملامحه بعد.
“دستور سيكون فيه الرئيس أعلى من الهياكل الدستورية والحزبية”، وفق ما صرح به رئيس الهيئة الاستشارية المكلفة بصياغة الدستور الصادق بلعيد.
بلعيد أكد أيضا في تصريحه للقناة الوطنية (الرسمية) أن “الرئيس في الدستور الجديد ستكون له مهمة اختيار وتعيين رئيس الحكومة، التي ستصبح بدورها هيئة حُكمية لتقديم المبادرات ومهمتها ليس تنفيذية”.
وتابع بلعيد أنه “لا داعي لإدراج الهيئات الدستورية والمحكمة الدستورية (المعنية بمراقبة مشاريع تعديل الدستور، والمعاهدات ومشاريع القوانين) الهيئات في الدستور.
أما البرلمان فسيكون دوره تشريعي فحسب، بحسب بلعيد.
كما رجح بلعيد سابقا، إمكانية “محو الفصل الأول من الدستور التونسي في صيغته الحالية الذي ينص على أن “تونس دولة حرّة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها” وهو نفس النص الذي تمت المحافظة عليه منذ دستور عام 1959.
وفيما يتعلق بأبرز المسائل الاقتصادية التي قد تكون ضمن المشروع الجديد، نشرت صحيفة “المغرب” التونسية الخاصة، نسخة من المشروع الأولي للفصول الدستورية المتعلقة بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية التي سيتضمنها الدستور الجديد.
وينص المشروع في فصله الأول، وفق الصحيفة، على أن “النهوض بالاقتصاد الوطني وتحديثه والعمل على ملاءمته وتطلعات الشعب التونسي في الازدهار والتقدم ومع متطلبات المحيط الاقتصادي الجهوي والعالمي يمثل الركيزة الأساسية للسياسة التنموية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية للبلاد” .
كما ينص المشروع على أن “الحكومة تقدم برنامجا تنمويا إصلاحيا بالتشاور مع الرئيس وتقدمه بعد موافقته إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي ومن ثمة إلى البرلمان للتصويت عليه”.
وفي هذا السياق، أكد زهير حمدي الأمين العام للتيار الشعبي (قومي/ شارك في الحوار الوطني) أنهم دافعوا عن وجهة النظر التي تحث على التوازن بين الدولة التي تلعب دورا تعديليا واستراتيجيا وبين السوق الذي يجب أن يبتعد عن الفساد، فضلا عن التكامل بين القطاعين العام والخاص وعلى الإدماج الاقتصادي والاجتماعي للفئات المهمشة”.
وأضاف حمدي أنهم ” شددوا خلال نقاشات الحوار الوطني على ضرورة إقامة شراكات اقتصادية مع قوى جديدة صاعدة وعلى أن التنمية يجب أن تكون مستقلة غير تابعة للمنظمات المالية المانحة”.
وفي 4 يونيو/ حزيران الجاري، انطلقت في تونس جلسات “الحوار الوطني” الذي دعا إليه سعيد تمهيدا لتنظيم استفتاء على دستور جديد في 25 يوليو/ تموز المقبل، بهدف الخروج من الأزمة السياسية في البلاد.
دستور يؤسس للمستقبل
ويقول حمدي: “الفارق بين الدستور الذي سيعلن عنه قريبا ودستور 2014 هو أن هذا الأخير كان قائما على تقاسم السلطة بين مختلف الأطراف السياسية وفق ترضيات وتوزيع مصالح في حين أكدنا على أن يكون الدستور القادم عكس ذلك وأن يكون ديمقراطيا”.
واعتبر أن “الدستور الجديد سيبني ويؤسس للمستقبل وأنه ليس من مصلحة سعيد أن يخلق وفقه نظاما ديكتاتوريا او دستورا يكرس للاستبداد”.
وأردف حمدي: “الدستور سيضمن وحدة السلطة التنفيذية والتوازن بين السلطات والحقوق والحريات كما سيضمن النظام الديمقراطي وفقا لنظام رئاسي”.
وتابع: “إضافة للنظام الرئاسي شددنا على مبدأ الديمقراطية خلال مشاركتنا في جلسات الحوار، وأن يكون في تونس حكم غير استبدادي فضلا عن تشريك المواطن في العملية السياسية على غرار سحب الثقة وتقديم العرائض الشعبية”.
وشدد حمدي، أنه “لا تراجع عن الحقوق والحريات وأنه تم التأكيد على عدم إغراق فصوله بهيئات دستورية لم يكن لها دور كبير وكانت في بعض الأحيان تمارس دورا فوق الدولة”.
وفيما يتعلق بمسألة الدين والهوية أكد حمدي، أن “المعركة لا يجب أن تأخذ أكثر من مداها فالجميع يعرف أن تونس دولة عربية شعبها ينتمي للأمة العربية دينه الإسلام”.
إضراب للقضاة والأمنيين
وفيما يتعلق بحظر الإضراب في الدستور بالنسبة للقضاة والأمنين، أكد حمدي أنه “في كل دول العالم ليست هناك قوى حاملة للسلاح تقوم بالإضراب ونحن نريد دولة عادلة وقوية لا مجال للعبث فيها”.
واستدرك، أن “حق الإضراب سيكون مكفولا في الدستور لبقية القطاعات الأخرى”.
وأضاف: “وفق الدستور ستكون هناك سلطات يمارسها البرلمان ورئيس الجمهورية ولن يكون للأخير مجال مطلق للانحراف بالسلطة فنحن نؤسس لمن سيأتي من بعده وليس لشخصه فقط”.
وفي تصريحات إعلامية سابقة له قال عضو اللجنة الاستشارية التي تعد لمشروع الدستور أمين محفوظ، إنّه “سيتم حظر الإضرابات في قطاعي القضاء والأمن في الدستور الجديد”.
دستور ارتجالي
من جانبه، شدد المفكر التونسي يوسف الصديق أن “الدستور لا بد أن يكون نابعا من أكثر من شخص ومؤسسة لا أن يكون نابعا من نزوة حتى لو كانت صادقة من رئيس الدولة”.
وقال: “يجب أن يستند الدستور أيضا لتاريخ الأمة فنحن في المسألة الدينية لدينا تاريخ”.
ويرى الصديق أن “هذا الدستور الجديد سيمحى بسرعة ولن يدوم لأنه محكوم بالتسرع في التأسيس له”.
ولم يخف الصديق تخوفاته قائلا: “أنا متخوف ومنزعج من التسرع والارتجال الذي حام حول هذا الدستور، سيما إبعاد مساهمة الجميع فيه من مختصين في القانون ومفكرين”.
وأردف: “قائمة المشاركين في تقديم مقترحات للدستور الجديد طلب منهم عن تسرع أن يساهموا في ذلك في حين هناك كفاءات أخرى أقدر”.
واعتبر الصديق، أن “السرعة التي يعد بها الدستور غير طبيعية فاجأت الجميع سواء من مختصين في القانون أو مفكرين وغيرهم”.
وأكد أن “المساحة التي منحت لصياغة الدستور ضيقة جدّا فيما أسماها بالورشة الكبيرة (في إشارة لجلسات الحوار الوطني) وأنه من غير المعقول أن يصاغ دستور جديد في مدة قصيرة”.
بينما يقول حمدي، إن “العبرة ليست في أن تأخذ عملية صياغة الدستور سنوات وإنما في أن يحمل قيم ومبادئ تدوم”.
وأضاف أن “النقاشات التي دارت حول الدستور لم تبدأ من الصفر بل لتونس إرث دستوري يعود لعقود من الزمن”.
مخاوف كبيرة
ويلفت الصديق إلى أن الدستور “إذا جاء من إرادة شخص واحد فقط، فإنه قد يكون ردعيا وقمعيا وأتمنى أن أكون مخطئا”، وفق تعبيره.
كما اعتبر أن “التركيز على شخص الرئيس في الدستور حتى لو كان محقا في بعض الأحيان شيء خطير جدا، والأجدر التركيز على آفاق البلاد وفي مشاكل الناس من صحة وتعليم ونقل وغيرها”.
وتابع: “كان الأجدر أن يتم الالتجاء إلى أفكار جديدة توضع في الدستور تهم الناس وتكون سلسة ويفهمها الجميع أينما كانوا”.
وأعرب الصديق، عن “احتجاجه على إبعاد المؤرخين والفلاسفة وعلماء الاجتماع من عملية صياغة الدستور، سواء سابقا فيما يتعلق بدستور 2014 أو في هذه الفترة”.
الهوية الإسلامية
وفيما يتعلق بالفصل الأول (المتعلق بالهوية الإسلامية للدولة) قال الصديق: “هو محور أصبح حديث الشعب البسيط ولا بد من الابتعاد عن اتهام الناس بالكفر”.
وأضاف: “أنا من دعاة الاستغناء عن الفصل الأول؛ لأن الدين واللغة لا يصنعان المواطنة، وإنما هي تصنع بالواجب وإسداء الخدمات والتضحية من أجل الوطن”.
واعتبر أن الدستور “يجب أن يكون حكما وهو فوق كل المؤسسات الأخرى وهو الفيصل”.
وأقر الصديق، بأنه “لم تتم استشارة الشعب حول فصول الدستور المقترح وأن الإقبال على الاستفتاء القادم سيكون ضئيلا”.
وتعاني تونس منذ 25 يوليو/ تموز الماضي، أزمة سياسية حادة، حيث فرض سعيد آنذاك إجراءات استثنائية، منها تجميد اختصاصات البرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم، وإقالة الحكومة وتعيين أخرى.
وترفض عدة قوى سياسية ومدنية هذه الإجراءات، وتعتبرها “انقلابا على الدستور”، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها “تصحيحا لمسار ثورة 2011″، التي أطاحت بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
(الأناضول)
ومالفرق بين الرئيس والدولة فالرءيس هو الدولة والدولة هي الرئيس في دولنا العربية اما في انظمة المماليك فكلهم ملك الملك