الناصرة -” القدس العربي”: يرى المفكر اليساري التقدمي الأمريكي نعوم تشومسكي أن حقيقة تصويت نصف الأمريكيين لـ شخص مثل دونالد ترامب هي فكرة خطيرة للغاية مؤكدا أن توجهات جو بادين الداخلية والخارجية تعتمد على مدى الضغط الجماهيري من قبل الحركات الشعبية واليسارية. كما يرى تشومسكي في حديث لموقع ” محادثة محلية ” الإسرائيلي أن السياسة الرئيسية التي يروج لها ساندرز هي التأمين الصحي للجميع، وهو الموجود في كل مكان في العالم باستثناء الولايات المتحدة. وقال إن هذا يُعتبر “راديكاليا” للغاية بالنسبة للأمريكيين وإن السياسة الثانية التي يروج لها هي التعليم العالي المجاني ويتابع” إنه موجود في كل مكان تقريبًا: في البلدان الفقيرة مثل المكسيك، وفي البلدان الغنية مثل ألمانيا، في كل مكان. لكنها أيضًا تعتبر “راديكالية” للغاية بالنسبة للأمريكيين “. وفي رأيه، أخطأ ساندرز عندما وصف نفسه بالاشتراكي لأنه في الولايات المتحدة، تعتبر كلمة “اشتراكي” شتيمة، وفي أماكن أخرى من العالم، إذا كان شخص ما اشتراكيًا، فلن يلاحظ أحد الأمر، مثل كونك ” ديمقراطيًا ” في الولايات المتحدة. ويضيف تشومسكي” لكن في الولايات المتحدة، منذ مائة عام، هذه الصفة تعتبر تهمة وشتيمة، لذلك لا يمكن استخدامها ببساطة. إنه مجتمع يعاني من تلقين موجه شديد، وهناك أشياء ببساطة لا يمكن قولها. إذا التزمنا فقط بـ مواقفه، فهي تحظى بشعبية كبيرة، اما كلمة “اشتراكي” فهي ترتبط مباشرةً في العقل الامريكي بـ تداعيات سلبية”. وردا على سؤال قال تشومسكي إنه لا يعرف كيف سيكون رد فعل جمهور الناخبين العام على عاصفة الهجمات المضادة التي كانت ستنتج من ترشيح ساندرز بدلا من بايدن. إنها مسائل تحت السطح: يهودي، اشتراكي، راديكالي. من الصعب الإجابة على ذلك”. وأوضح تشومسكي أنه شعر بالارتياح لأن ترامب سيغادر المنصب واستدرك بالقول: هذا إذا ترك المنصب أصلاً، وهذا سؤال مفتوح وتابع ” لكن على افتراض أنه تركه وتم انتقال السلطة، فهذا يبعث على الارتياح. من ناحية أخرى، كانت الانتخابات كارثية بشكل كبير. فكرة أن نصف الأمريكيين يمكن أن يصوتوا لـ شخص مثل ترامب هي فكرة خطيرة للغاية. لنلاحظ أن هذا حدث مباشرة بعد أن قتل عشرات الآلاف إن لم يكن مئات الآلاف من الأمريكيين. إنه لأمر مدهش أنه كان بإمكانه حتى الترشح للرئاسة أصلاً. حقيقة أنه كان بإمكانه الترشح وحدها تشكل انتصارًا كبيرًا لليمين المتطرف”.
ورغم فوز بادين يرى تشومسكي أنه على عدة مستويات كان الديمقراطيون أقل نجاحًا في الانتخابات مما كانت عليه الأمور في انتخابات عام 2016 بعدما فقدوا مقاعد في مجلس النواب وخسروا في المجالس التشريعية للولايات. مؤكدا أن هذا مهم للغاية في الولايات المتحدة،لافتا إلى أن إحصاء السكان والناخبين على وشك الانتهاء هذه الأيام، وستقوم المجالس التشريعية للولايات بترسيم حدود الدوائر الانتخابية للعقد القادم. وأضاف ” إذا سيطر الجمهوريون على المجالس التشريعية للولايات، فسوف يرسمون الحدود بحيث يتم تجميع الناخبين الديمقراطيين في مناطق صغيرة، وعندئذ ستهدر معظم الأصوات، وستذهب معظم السلطة إلى المناطق الريفية التي يسيطر عليها الجمهوريون. ومن هنا يستنتج أن الخسارة في الهيئات التشريعية للولايات تعني في الواقع خسارة في الانتخابات القادمة بسبب التلاعب بالنظام الانتخابي”.
ويقول إن نظرة فاحصة على الأماكن التي فاز فيها الديمقراطيون بعدد كافٍ من الأصوات للفوز في الانتخابات تظهر أن هذه هي بالذات الأماكن التي تم فيها نشاط بواسطة التنظيم المحلي دون أي مساعدة من قيادة الحزب الديمقراطي. ويتابع ” على سبيل المثال، في أريزونا، حيث أعيش، كان هناك نشطاء لاتينيون عملوا بجد لسنوات داخل المجتمعات اللاتينية، وهناك واصلوا التصويت للديمقراطيين، لم يتلقوا أي مساعدة من مكتب الحزب في البلاد وقد حدث نفس الشيء في ولاية بنسلفانيا وجورجيا ومع مجتمعات السود في نيفادا. ويرى المفكر الأمريكي أن الولايات التي انتقلت إلى الديمقراطيين كانت قد شهدت النشاط التنظيمي في مجتمعات المهاجرين والطبقة العاملة والفقيرة. موضحا أن مؤسسات الحزب الديمقراطي العليا لم تبدِ أي اهتمام بهؤلاء ولذا فقد خسروا في مناطق لم يصوت الناخبون فيها للديمقراطيين منذ مائة عام لأنهم لم يفعلوا شيئًا في تلك المناطق. الجمهوريون أسوأ، لكنهم على الأقل يتحدثون إلى الناس. إنهم يتظاهرون بأنهم يحمون الجمهور ويدافعون عنه، لذلك على الأقل يستمع الناس إلى كلماتهم. أما ادارة الحزب الديموقراطي فلا تفعل شيئا بهذا الصدد”.
ويلاحظ تشومسكي إن الأمر مشابه جدًا لإنكلترا، حيث دمر أتباع توني بلير المحافظين في حزب العمال جيريمي كوربن تمامًا وقال إنهم يفضلون أن يخسروا الانتخابات على أن يخسروا الحزب لصالح شخص نزيه وشعبي ويساري يجعله حزباً تشاركياً للعمال. وأضاف في هذه المقاربة ” وفي الحقيقة، كما تعلمون، طريقة القضاء على كوربن كانت من خلال الاتهامات القاسية والكاذبة بمعاداة السامية، والتي روجت لها الجالية اليهودية في بريطانيا بقوة. لقد كانت عملية احتيال كاملة، لكنه لم يكن مقاتلًا، ولم يقاوم بشدة، وهذا ما دمره. شاركت جميع وسائل الإعلام بهذه الهجمة، بما في ذلك وسائل الإعلام التقدمية مثل الغارديان. وشيء مماثل حدث هنا مع ساندرز. في كلا البلدين هناك انقسام: البليريون، أتباع كلينتون، الليبراليون الجدد، وهم في الحقيقة جمهوريون معتدلون، أو التاتشريون المعتدلون، هم لا يريدون أي تغيير نحو اليسار. وقاعدة الناخبين، وخاصة الشباب، مختلفة جدا عنهم. إنه انقسام حاد”.
تشومسكي: علينا أن ننظر إلى الوراء إلى أوباما. عندما تم انتخاب أوباما، بالكثير من الكلمات اللطيفة التي خاض فيها حملته الانتخابية – “الأمل” ، “التغيير” ، “سنفعل أشياء رائعة” – انسحب مجتمع النشطاء وقالوا “حسنًا، سوف نثق به” وكان ذلك خطأً كبيرًا. إذا كنت تثق في الرئيس، فسوف يخونك. وأول ما فعله أوباما هو خيانة الطبقة العاملة والطبقة الوسطى واليسار. باع نفسه بالكامل لطبقة المتبرعين في “وول ستريت”. كان بمقدورنا رؤية ذلك على الفور. ونتذكر أن أوباما كان يسيطر على مجلسي الشيوخ والنواب معا خلال العامين الأولين. كانت هذه فترة أزمة السكن والازمة الاقتصادية. سن الكونغرس قوانين لإنقاذ أولئك الذين تسببوا في الأزمة: البنوك، وبيوت الاستثمار، وأولئك كانت ممارساتهم الاستغلالية والفاسدة – الرهون العقارية عالية المخاطر التي كانوا يعرفون أنه لا يمكن سدادها – هي التي تسببت في الأزمة. لذلك أنقذهم المشرعون في كونغريس أوباما. كان هناك جزء آخر من وعود أوباما التشريعية،القوانين المخصصة لدعم ضحايا المستثمرين، الأشخاص الذين طردوا من منازلهم، الذين لم يعد لديهم مكان للعيش فيه، بدون وظائف جيدة. لم ينفذ أوباما هذا الجزء أبدًا من وعوده. لا شيء منه البتة. فقط انقذوا الأغنياء الذين تسببوا في الأزمة، وألقوا بالضحايا في النار. وكانت النتائج واضحة. في غضون عامين تقريبًا، انقلبت الطبقة العاملة والفقراء ضده، وبحق. لقد تعرضوا للخيانة الكاملة. وهذا ما وضع الأساس لصعود ترامب. تشبع الناس بخيبات الأمل، أصبحوا غاضبين وبحق، وذوتوا أن الحزب الديمقراطي باعهم”.
وحول احتمال تكرار ذلك في فترة بادين قال تشومسكي :” يُطرح نفس السؤال اليوم. إذا عاد النشطاء واليسار إلى بيوتهم وقالوا “نثق ببايدن” ، ستعود البلاد مباشرة إلى سيطرة اليمين، تحت ضغط من طبقة المتبرعين الديموقراطيين في “وول ستريت”. إذا استمر النشطاء في العمل، وبقوا على أهبة الاستعداد للنضال، واستمروا في الضغط وما إلى ذلك، فيمكنهم إحداث فارق. لذا أعتقد أن الإجابة على سؤالك إلى حد كبير في أيدي نشطاء اليسار. نحن نعلم ما سيفعله الجانب الآخر. سوف يدفعون بالسياسة إلى اليمين، بغض النظر عما يفعله الناخبون. إذا ظلت الحركات الشعبية نشطة وقوية، فيمكنها تغيير الأمور”.
هذا كلام معروف هنا في امريكيا ولكن الان يوجد حزب البروغرسف الديموقراطي الجديد ومن اعضائه الهام عمر واوكاسو ورشيده طليب وغيرهم وهؤلاء بالمرصاد للديموقراطيين لانهم يمثلون طبقه اليسار والطلاب وغيرهم