إسطنبول- “القدس العربي”: على الرغم من أن الموعد المقرر لزيارة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إلى واشنطن للقاء نظيره الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض لم يتبق عليه سوى عدة أيام، إلا أن شكوكاً واسعة تدور حول إمكانية حصول الزيارة بسبب الغضب التركي المتصاعد من العقوبات الأخيرة التي فرضها الكونغرس على أنقرة، وبسبب الزيارة المتوقعة لزعيم قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي إلى واشنطن.
ومن المقرر أن يجري أردوغان زيارة إلى واشنطن للقاء ترامب في البيت الأبيض في الثالث عشر من الشهر الجاري، ومع تزايد الشكوك حول إمكانية حصولها، أكد الرئيس التركي أنه “لم يحدد قراره بعد”، لافتاً إلى وجود “إشارة استفهام” حول الزيارة، من دون إعطاء المزيد من التفاصيل.
من جهته، رفض ترامب تأكيد أو نفي زيارة أردوغان لواشنطن وقال، رداً على سؤال في هذا الشأن، الجمعة، “لدينا علاقات جيدة مع الرئيس أردوغان والاتفاق الذي وقعناه مؤخرا بخصوص سوريا يطبق بشكل جيد للغاية”.
ويسود غضب عارم في تركيا عقب القرارات التي اتخذها مجلس النواب الأمريكي قبل أيام لا سيما ما يتعلق بالتصويت على مسودة قانون لفرض عقوبات على تركيا بسبب عملية “نبع السلام”، والاعتراف بأحداث الأرمن عام 1915 على أنها “إبادة جماعية” قامت بها تركيا -الدولة العثمانية- ضد الأرمن.
لكن أكثر ما يهدد إجراء الزيارة هي التحركات التي يقوم بها مشرعون أمريكيون من أجل ترتيب زيارة قريبة لمظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية إلى واشنطن، والذي تعتبره تركيا على صلة مباشرة بتنظيم “بي كا كا الإرهابي”، ومتورطا في هجمات إرهابية ضد مدنيين وعسكريين أتراك أوقعت عشرات القتلى والجرحى.
وقبل أيام، أعلنت وزارة العدل التركية أنها أكملت ملفا يتضمن المطالبة باعتقال مظلوم عبدي وتسليمه إلى السلطات التركية، إذ صدرت بحقه نشرة توقيف دولية حمراء، وأوضحت الوزارة أنها أرسلت الملف المذكور إلى وزارة الخارجية التركية، لإرسالها إلى الجهات الدولية المعنية، وذلك بعد أن طالب اردوغان من الإدارة الأمريكية تسليم عبدي إلى أنقرة.
والجمعة، اعتبر فخر الدين ألطون رئيس دائرة الاتصال برئاسة الجمهورية التركية أن “القيادي الإرهابي شاهين مطلوب من قبل البوليس الدولي (الإنتربول) ومدرج كإرهابي على النشرة الحمراء”، مضيفاً: “الشعب التركي لا يمكن أن ينسى محاولات دعوة فرهاد عبدي شاهين (مظلوم عبدي) للولايات المتحدة لإضفاء الشرعية عليه، فسيظل حاضرًا في أذهان الأتراك على مدار سنوات قيام حليفنا بحلف شمال الأطلسي (ناتو) بمساعٍ للإعلاء من شأن قيادي إرهابي”.
وبينما اعتبر ألطون أن “التصدي للإرهاب لا يمكن أن يحقق نجاحا طالما يستقبل بعضهم أحد الإرهابيين استقبال الأبطال”، أشار إلى أن “الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لهذه المنظمة الإرهابية علامة سوداء في تاريخها، وعلى الكونغرس أن يعيد النظر ثانية في دعوة الزيارة، وعليه أن يعتذر لأسر ضحايا التنظيم الإرهابي”.
وتقول مصادر تركية إن هناك وجهات نظر مختلفة داخل الرئاسة حول إلغاء زيارة أردوغان المقررة إلى واشنطن، إذ يرى فريق من مستشاري الرئيس ضرورة إلغاء الزيارة احتجاجاً على 3 ملفات رئيسية وهي: “المكتوب الذي أرسله ترامب إلى اردوغان قبيل انطلاق العملية العسكرية في سوريا، وتساهل ترامب مع تمرير قرارات الكونغرس الأخيرة، ودعوة قائد قسد لزيارة واشنطن”.
ويعتبر ملف زيارة قائد قسد الأكثر حساسية بالنسبة لتركيا، وتخشى أنقرة أن يتعمد ترامب لقاء مظلوم عبدي في وقت قريب من لقاء اردوغان وربما تعمد إظهار حفاوة كبيرة في استقباله وهو ما قد يضر باردوغان على الصعيد الداخلي التركي وتأتي الزيارة بنتائج عكسية.
في المقابل، يرى الفريق الآخر في الرئاسة التركية أن إلغاء الزيارة قد يؤدي إلى مزيد من التدهور والتراجع في العلاقات التركية الأمريكية المتأزمة ويعطي فرصة تاريخية لما تعتبره أنقرة “اللوبي المعادي لتركيا في الإدارة الأمريكية والكونغرس” من أجل تخريب العلاقات التركية الأمريكية بشكل أكبر.
كما يعتقد أصحاب هذا الرأي أن الزيارة قد تشكل فرصة لحل بعض ملفات الخلاف بين البلدين، لا سيما فيما يتعلق بملف طائرات F35 وصواريخ باتريوت الدفاعية، حيث تأمل أنقرة في شراء منظومة باتريوت الأمريكية مقابل إعادتها إلى برنامج طائرات F35 وعدم فرض عقوبات جديدة عليها بسبب شرائها منظومة S400 الدفاعية الروسية.
وبعد عقوبات الكونغرس الأخيرة، اعتبرت الخارجية التركية أن “هذا المشروع لا يتسق مع روح الشراكة المستمرة تحت سقف حلف شمال الأطلسي” وجاء في البيان: “على المسؤولين الأمريكيين، الذين يتجاهلون بأقوالهم وأفعالهم الفرق بين دولة حليفة ومنظمة إرهابية، ويقرون بشرعية شخص إرهابي (مظلوم عبدي) أن يروا أنهم لن يستطيعوا تحقيق أي شيء بتهديدات فرض عقوبات أحادية الجانب”. وحث البيان الكونغرس على “وقف استغلال القضايا التي ليست لها علاقة بروح علاقتنا، والزج بها في السياسة الداخلية، والتحرك وفق علاقات الشراكة والتحالف بين البلدين”.
الإنطباع السائد في الأوساط الأمريكية والأوربية هو أن تركيا تساند المجموعات الجهادية المتهمة بالإرهاب وأن تركيا متورطة بتسهيل نشاطات تنظيم الدولة الإسلامية عبر حدودها لذلك الغرب لا يعير أي إهتمام بهذا التكرار التركي بوصف القوات الكردية بالإرهاب٠