لندن ـ «القدس العربي»: في مقال رأي نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية، يقول الكاتب والمعلق جوناثان فريدلاند إنه إذا كانت السلطات البريطانية ترغب حقا في محاسبة جميع من تسبّب في أعمال الشغب والعنف التي شهدتها شوارع المملكة المتحدة خلال الأسبوع المنصرم، فإنها بحاجة إلى وضع إيلون ماسك إلى جانب غيره من ساسة اليمين المتطرف ونشطائه في قفص الاتهام. وهذا جانب مهم في مقاربة ما حدث في المملكة المتحدة من تظاهرات عنيفة وشغب، وانفلات عقال بلطجية المجموعات الفاشية التي عاثت وأرعبت وأرهبت وهدّدت الوئام والسلام بين الجماعات المكونة للنسيج البريطاني، ودقّت جرساً مبكراً ينذر بصعود خطير في الفاشية، وبأشكال تذكّر بسلوكياتها ونمطها المتكرر منذ بداية القرن الماضي على الأقلّ، من عنف منظم وإرهاب سياسي واجتماعي ضد الأفراد والجماعات، وعلى أسس عرقية وثقافية وسياسية، يضاف إلى تمييز جندري وغيره.
ويمكن طبعا طلب محاسبة إيلون ماسك، وكذلك عتاة اليمين المتطرف ـ واليمين البرلماني الصاعد، ويمكن كذلك توجيه الاتهام إلى «لاعبين أجانب» وتقييم أي دور روسي محتمل الخ..
إلا أن أصابع الاتهام توجه أيضاً قبل ذلك إلى النظام السياسي السائد.
وهو ما ينبّه إليه باحثون ونقابيون ونشطاء تحدثت إليهم «القدس العربي» ورأى بعضهم أن ما جرى ليس إلا نتيجة طبيعية لسنوات طويلة من التحريض وبث أفكار تطبّع مع شعارات اليمين، من جانب السياسيين في مختلف الأحزاب، وفي وسائل الإعلام الكبيرة، عن الهجرة والخطر الثقافي المحدق، وغيرها من المقولات التي أصبحت تحمّل المهاجرين وحدهم وزر فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
سنوات من الغضب
«لقد شهدنا أعمال عنف مروعة من قبل اليمين المتطرف في شوارع المملكة المتحدة الأسبوع الماضي. لقد شاهدنا مهاجرين ولاجئين ومسلمين ومجموعات أقلية أخرى تتعرض للهجوم والتخويف. ما نراه في جميع أنحاء المملكة المتحدة أمر يثير القلق البالغ. من الواضح أن هذا يحدث من قبل قلة قليلة من الأشخاص في المملكة المتحدة الذين يتبنون آراء اليمين المتطرف».
بهذا تستهل ياسمين أحمد، مديرة منظمة «هيومن رايتس ووتش» في بريطانيا حديثها معنا، قبل أن تبدأ باستعراض ما تراه من أسباب ودوافع.
وتدعو أحمد الحكومة البريطانية إلى التعامل مع أسباب ما جرى وليس مع أعراضه فحسب.
«على مدى السنوات الخمس أو الست الماضية، كان هناك خطاب معادٍ للمهاجرين، ومعادٍ للإسلام، وعنصري استخدمه السياسيون الرئيسيون ووزراء الحكومة السابقون والمعلقون الاجتماعيون، وهو الذي أشعل النار» تقول أحمد.
وتتفق في ذلك مع ستيفان سيمز، عضو اللجنة التنفيذية الوطنية لاتحاد التعليم الوطني عن غرب لندن، الذي قال لـ«القدس العربي» إنه تم تأجيج العنصرية في بريطانيا على مدار 20 إلى 30 عامًا، وكان هذا «من الحكومات من كلا الطرفين، وعلى وجه الخصوص من الصحافة المحافظة، مثل (ديلي ميل) و(ديلي إكسبريس) و(تليغراف) في بعض الأحيان، سواء ما يتعلق بمعاداة المهاجرين، أو الإسلاموفوبيا، أو معاداة اللاجئين، فهذا المستوى من العنصرية والقذارة التي خرجت من السياسيين تم تعزيزها منذ عام 2010 من قبل الحكومات المحافظة المختلفة».
استهداف الصحافيين
مع ذلك، تعرضت الصحافة، والصحافيون بشكل خاص، ومن بينهم مراسلون ومصورون، لإرهاب اليمين المتطرف في شغب بريطانيا، وضويق بعضهم وأجبر على وقف عمله. وهذا أيضاً دق جرس إنذار، عن موقف قطاعات من هؤلاء الذين خرجوا باسم الوطنية البريطانية إلى الشوارع، «سلميين» أو مشاغبين، وهو موقف عدائي من حرية الصحافة.
وفي إجابة على أسئلة «القدس العربي» تقول ناتاشا هيرست، رئيسة اتحاد الصحافيين البريطانيين ورئيسة المصورين فيه: «لقد لاحظنا بشكل متزايد خلال السنوات القليلة الماضية أن أي شخص يُعرف بوضوح كصحافي، سواء كان مصورًا أو مصور فيديو أو طاقم تلفزيون، يتم استهدافه، خصوصاً من قبل المتظاهرين اليمينيين المتطرفين».
وترى أن ما حصل من تعرض للصحافيين خلال التظاهرات وأعمال الشغب الأخيرة، «كان محاولة متعمدة لترهيب الصحافيين ومنعهم من أداء عملهم».
وتقول: «بدون قيامنا بالعمل الذي نقوم به، لن تكون لدينا ديمقراطية تعمل بشكل صحيح، ولن نحصل على المعلومات الدقيقة والموثوقة التي يحتاجها الناس».
وتؤكد جازمة: «العنف وخطاب الكراهية يصدران عن البلطجية اليمينيين، وليس عن الصحافيين الذين يسجلون ما يحدث في شوارع المملكة المتحدة.»
«الأزمة»
لقد أظهرت دراسة نشرها YouGov الأسبوع الماضي، أنه وبمعزل عما يعتقده بلطجية اليمين المتطرف عن أنفسهم، (سمّتهم الدراسة مشاغبين) فإن 85% من المستطلعة آراؤهم من البريطانيين يعارضون الاضطرابات في الاحتجاجات الأخيرة، مقابل 7% فقط أعربوا عن دعمهم للعنف.
ولا ريب أن الرقم الكبير الذي يظهره الاستطلاع عن رفض البريطانيين، يغطّي على نسبة الـ7٪ المؤيدة للعنف، لكنها نسبة مؤذية وعنيفة ومؤثّرة، خصوصاً أن الاستطلاع نفسه بيّن أن الاحتجاجات الأوسع نطاقًا تحظى بدعم واحد من كل ثلاثة بريطانيين 34% مع معارضة أكثر من نصفهم 54%.
وما يعزز من مضمون آراء ياسمين أحمد وستيفان سيمز، هو ما يشير إليه الاستطلاع عن تأييد البريطانيين لأسباب «الأزمة».
فأكثر من ثلث المستطلعة آراؤهم في دراسة YouGov – (36%) – يحمّلون – من ضمن عوامل أخرى – سياسات الهجرة في السنوات الأخيرة المسؤولية عن أعمال العنف والشغب.
كما أن الثلثين – بدرجات متفاوتة – لديهم تعاطف مع مطالب المحتجين إذا كانوا يتظاهرون سلميا (و8% يتعاطفون مع العنيفين).
طبعا الغالبية الكبرى لا تؤيد مطالب «المشاغبين». لكن «القضايا الكبرى» التي تحرك كل ذلك، تعكسها مواقف الأحزاب السياسية الكبرى جميعها بأشكال مختلفة، وتصدرت أجندة المواطن البريطاني، وتقدمت على ما عليه من قضايا أساسية وأسباب عميقة لـ«الأزمة».
تقول ياسمين أحمد إن أحد أسباب ما جرى، أنه يشكل «وسيلة لتحويل الانتباه عن القضايا الحقيقية التي يواجهها الناس في المملكة المتحدة».
«في الواقع، جرى استغلال هذه القضايا وإثارة هذا العنف لتحويل الانتباه. لقد رأينا السياسيين والمعلقين الاجتماعيين يتحدثون عن المهاجرين على أنهم السبب في عدم وجود نظام خدمات صحية وطني فعال، وفي تدهور الخدمات العامة. في الواقع، المهاجرون واللاجئون يدعمون خدماتنا العامة. إنهم يدعمون بلدنا في هيئة الخدمات الصحية الوطنية وقطاعات أخرى. وما نعرفه بالتأكيد هو أن السبب وراء ذلك (تردي الخدمات العامة) هو السياسات الاقتصادية الضارة للتقشف التي تم تنفيذها على مدى الـ 14 عامًا الماضية من قبل الحكومة المحافظة السابقة».
«أعداؤنا ليسوا ركاب القوارب الصغيرة»
ويمضي ستيفان سيمز أبعد من ذلك.
«اليمين المتطرف والفاشيون يشيرون إلى الفقر والصعوبات التي يواجهها العديد من أبناء الطبقة العاملة في هذا البلد في محاولتهم للبقاء على قيد الحياة، ثم يقولون إن العدوّ هو المسلم، والعدو هو اللاجئ، والعدو هو المهاجر».
«أعداؤنا لا يأتون على متن قوارب صغيرة. يصلون بطائرات خاصة. يصلون في يخوت كبيرة باهظة الثمن. وعادةً، أولئك الذين يأتون على متن قوارب صغيرة، تكون بلادهم قد تعرضت للقصف من قبل القنابل البريطانية. لكن الفاشيين، اليمين المتطرف، يشيرون إلى التقشف والصعوبات والفقر الذي يعاني منه الشعب البريطاني، الشعب العامل البريطاني، ثم يلومون المهاجرين».
ويضيف «في السنوات الخمس الماضية، مع وزراء الداخلية ورؤساء الوزراء المحافظين المختلفين، بوريس جونسون، وليز تروس، وبريتي باتيل، وسويلا برافرمان، دفع هؤلاء جميعًا بطريقة مقززة مستوى العنصرية».
ولا يبرؤ سيمز حزب العمال كذلك. «لم يقف في وجه ذلك بما فيه الكفاية، قالوا إن مخاوف الناس بشأن المهاجرين واللاجئين مشروعة. إيفيت كوبر (وزيرة الداخلية العمالية الحالية) قالت ذلك قبل أسابيع من الانتخابات. حزب العمال طلب من أعضاء المجالس المحلية، ومن الناس، ألا يتظاهروا ضد ذلك، لكننا تجاهلناهم. يتم جرّ حزب العمال إلى اليمين».
التحريض
من دون شك، قدمت السياسات التي تطرحها الأحزاب الكبيرة، سواء حزب المحافظين أو العمال أو الديمقراطيين الأحرار، فضلا عن أحزاب اليمين ممثلا بحزب الإصلاح ونايجل فراج، قواعد نظرية بشكل أو بآخر، وبشكل متفاوت طبعا، عزّزت فرضيات اليمين المتطرف التي استغلها لنشر أوسع حملة كراهية ضد كلّ مختلف عنه في السياسة وفي الثقافة وفي النسيج.
ومنصة «أكس» وغيرها، زاخرة بحسابات اليمين المتطرف التي تنشر مع العنصرية نظريات المؤامرة، من «كوفيد» إلى المهاجرين عبر القوارب إلى القارة الأوروبية، والذين صوّرهم رسم نشره حساب فاشي على «أكس» بطريقة كاريكاتورية تظهر راكبا أسمر عابسا، مع كمية من «الجلّ» على شعره، مسلّحا بسكين مطبخ كبير، يستقل قاربا صغيرا، ويحمل تحت إبطه جنيهات إسترلينية.. (في استعادة لتنميط مورس قبل ذلك مع اليهودي، ثم اليوم مع المسلم والمهاجر).
وهذا الحساب على «أكس» باسم Wall Street Silver الذي يتابعه أكثر من مليون وأربعمئة ألف حساب آخر، ومن بينهم تومي روبنسون أحد المحرضين الكبار في هذه «الأزمة» ينشر أسوأ من ذلك ويفيض كرها عنصريا خالصا.
ومن بين الحسابات الأخرى على منصة «أكس» الذي يعتبر نموذجيا أيضا في نشر خطاب الكراهية الفاشي، حساب «Radio Genoa» الإيطالي على ما يبدو من تحقيقات الشرطة الإيطالية، ولكن بخطاب موجه إلى كل أوروبا.
لم يتوان هذا الحساب عن مهاجمة الشرطة البريطانية نفسها، بتصويرها متواطئة مع «العدو» (المهاجر – المسلم – الأفريقي الأسود – داكن البشرة – المحجبة – الليبراليون- اليساريون – النسويات – المعتدلون – وكلّ مختلف)، بل اتهمها بأنها مخترقة!
وتمثل إحدى المنشورات التي كررها بأشكال أخرى نموذجا عن هذا. فمرة ينشر صورة لشرطية بريطانية محجبة مع تعليق ساخر، ومرة لشرطيين يصلون في جامع، ولآخرين يركعون أمام مناهضي الفاشية.
توجهت «القدس العربي» إلى مجلس قادة الشرطة الوطنية في المملكة المتحدة، الذي أجاب بأن فضّل عدم الرّد على أسئلة من بينها خطاب الكراهية الذي تتعرض له الشرطة البريطانية على أساس عرقي وديني، واحالنا إلى بيانات المجلس، فلم نجد ما يشير إلى هذه النقطة بالذات.
وفي المملكة المتحدة، حيث حرية التعبير مهمة جدا، قوانين تناهض التحريض وخطاب الكراهية والتطرف، لكنها تستخدم منذ سنوات، وبشكل واسع حاليا، في التعامل مع أصدقاء فلسطين – تحديدا أولئك الذين لا يتبنون خطابا عنصريا أو خطاب كراهية وعانوا مع ذلك قيودا حكومية ومن المنصات نفسها –. فإذا كانت هذه القوانين تستخدم في حالة فلسطين، لماذا لا تستخدم بفعالية هنا؟
تقول ياسمين أحمد لـ«القدس العربي»: «يجب أن نضمن مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي ومعالجتها بشكل مناسب حتى يتم التعامل مع هؤلاء الذين يروجون لجرائم الكراهية بطريقة مناسبة ولا يُعطون منصة، لأننا نعلم أن المنصة التي لديهم الآن غير مسبوقة».
أما عن مضامين الخطاب الذي ينشره اليمين المتطرف، فترى أن «هناك أشخاصاً يرون أن المجتمع التعددي والديمقراطي متعدد الثقافات يمثل مشكلة. لا يرون أن البشر متساوون، وبالقيمة نفسها والحقوق نفسها. وبالتالي فإن تركيزهم سيشمل بالتأكيد مجموعة متنوعة من المجتمعات الأقلية، المجموعات، أو النساء أو غيرهم. ولذا أعتقد أن هذا يمثل تهديداً وجودياً للنسيج الديمقراطي والقيم الديمقراطية والمجتمعات التعددية التي بنيناها».
العداء للسامية
على الرغم من كل أنواع الكراهية التي أبداها اليمين المتطرف، في الشارع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن أعلام إسرائيل ظهرت في تظاهراتهم، كجزء من العداء للمهاجرين والمسلمين، أكثر من كونه مؤصلا في فكر هذا اليمين الذي يستلهم من كل إرث الحركة الفاشية في بريطانيا وأوروبا، وبفخر.
« نعم، يدعم اليمين المتطرف إسرائيل بشكل عام، لكن ليس كل اليهود صهاينة، وليس كل الصهاينة يهودًا»، يقول ستيفان سيمز ردا على سؤال «القدس العربي».
فـ»الصهيونية، كما تعلم، وكما أعلم، هي أيديولوجية سياسية. إنها ليست دينًا. لذلك (اليمين المتطرف) يدعمون بوضوح وهاجموا المظاهرات المؤيدة لفلسطين. لكن معاداتهم للسامية بدأت تظهر، بدأت تظهر أيضًا».
ويقول سيمز أيضا «بالنسبة للفاشيين، سواء كنت يهوديًا، مسلمًا، اشتراكيًا، مثليًا، معاقًا، رومانيًا، أو غجريًا، نحن جميعًا متساوون بالنسبة لهم».
أما ياسيمن أحمد، التي تشير إلى تصاعد فعلي في معاداة السامية، والخلط الذي مارسته حكومة المحافظين بينها وبين تأييد فلسطين، فتقول إن منظمة «هيومن رايتس ووتش» لم ترصد بدقة كل تفاصيل خطاب اليمين المتطرف، لكنها تنبّه: «كل مجتمع أقلية عرضة للخطر عندما يصعد اليمين المتطرف، وعندما يتزايد التأييد له، وعندما تحدث أعمال عنف. لا يوجد مجتمع أقلية آمن بالضرورة من ذلك».
أوروبا كلها
«ما نراه في بريطانيا يمكن أن يحدث في أماكن أخرى، في فرنسا، في أوروبا، في أماكن مختلفة. في فرنسا، وفي إيطاليا، هم بالفعل في السلطة».
هذا رأي الدكتورة هالة اليوسفي، الأستاذة في جامعة باريس دوفين، وعضو منتدى الاقتصاديين العرب، التي تشير أيضا إلى الولايات المتحدة.
تقول اليوسفي لـ«القدس العربي» إن أحد أسباب صعود اليمين المتطرف في أوروبا، ليس فقط وسائل الإعلام، «بل هو بالأحرى عقود من الإسلاموفوبيا الهيكلية».
وتستطرد «نجد الإسلاموفوبيا المؤسسية كسياسة دولة في جميع الدول الأوروبية. وهذا يمكن إرجاعه إلى سبتمبر 2001. ما نسميه العنصرية الهيكلية، متجذرة في سياسات الدولة الأوروبية، والغربية بشكل عام. وصعود اليمين المتطرف وراؤه تضافر عوامل عدة. الأول، هو تاريخ استعماري لم يتم استيعابه بعد. قرون من الإمبريالية الغربية والاستعمار التي لا تزال مستمرة، وخصوصاً في القضية الفلسطينية، وهيمنة غربية تحافظ على نفسها داخل الحدود الوطنية من خلال العنصرية والتمييز العنصري، وبخاصة الإسلاموفوبيا»، و«تحافظ على نفسها خارج الحدود من خلال الإبادة الجماعية، كما هو الحال في الكونغو والسودان والمنطقة العربية. واليوم، القضية الفلسطينية».
وتضيف اليوسفي عاملا آخر مهما وهو «الأزمة الاقتصادية الحالية، الأزمة الكوكبية من حيث التغيرات المناخية، والتنافس على الطاقة والاستيلاء على الموارد على هذا الكوكب، والسباق بين عدة دول وعدة لاعبين عالميين».
وتؤكد أن صعود اليمين المتطرف حالة عالمية.
«إذا أخذنا الحالة الفرنسية، أو البريطانية، نرى أن السياسات المناهضة للعنصرية تم تطويعها منذ فترة».
وتسوق أمثلة كـ»حظر المسلمين من ترامب، وقانون العلمانية الذي يحظر ارتداء الحجاب في فرنسا. هذه الأفكار لم يحملها اليمين المتطرف فقط، ولكن أيضا حملتها قطاعات واسعة من النخبة السياسية والاقتصادية. يمكننا أن نجدها في اليمين والوسط في البلدان الأوروبية وحتى اليسار، إذا أخذنا مثال أولاند في فرنسا».
روسيا
لكن هل تتعلق المسألة بالغرب «الاستعماري» فقط؟
المتابع لمضمون الخطاب الذي ينشره اليمين المتطرف على وسائل التواصل الاجتماعي، يرصد أيضا «غزلا إباحيا» تجاه النموذج الروسي، تحديدا تجاه ما يتعلق بكيفية إدارة روسيا لشؤونها الخاصة تجاه قضية الهجرة، والعلمانية المحافظة، والأقليات الدينية، والعرق في مقدمة كل هذا!
يضاف إلى ذلك، أن رصداً أمنيا تقوم به الحكومة البريطانية، أظهر مؤشرات على حملات منظمة، دفعها إلى فتح تحقيق بشأن ما إذا كان يتم تعزيز أعمال الشغب في بريطانيا «بمشاركة من جهات حكومية» خارجية بطبيعة الحال، لم تحددها.
ويقول موقع «بوليتيكو» في تقرير له، إن الجهة التي نشرت ادعاءات كاذبة عن المهاجم الذي قتل ثلاثة فتيات صغيرات في ساوثبورث – الشرارة التي استغلها اليمين المتطرف لإطلاق موجة عنفه – هو حساب باسم «Channel3 Now» زعم أن المشتبه به كان «مدرجًا في قائمة مراقبة جهاز المخابرات البريطاني MI6» وكان معروفًا لدى خدمات الصحة النفسية، قبل أن يتم – بحسب بوليتيكو – تضخيم هذا الادعاء من قبل مؤثرين بارزين من اليمين المتطرف مثل أندرو تيت وتومي روبنسون.
وينقل الموقع عن صحيفة «ديلي ميل» أن Channel3 Now الذي شوهد منشوره من قبل أكثر من 2 مليون شخص قبل حذفه وتقديم اعتذار قد بدأ كقناة روسية على يوتيوب قبل 11 عامًا.
وحسب المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، فإن هذه الزاوية قيد التحقيق الآن من قبل السلطات، «بعد رصد نشاط كبير للروبوتات عبر الإنترنت».
وفضل مجلس قيادة الشرطة الوطنية أيضا عدم التعقيب على سؤال «القدس العربي» في هذا الخصوص.
أما ستيفان سيمز فقال لـ«القدس العربي» إنه يجب التنبه إلى أن سبب الأحداث هو عقود من العنصرية التي روج لها السياسيون ووسائل إعلام رئيسية.
«الآن، سواء كانت الصين وروسيا ودول أخرى تحرك الأمور في هذا الشأن، فلا شك في ذلك. يكفي فقط أن ترى تدخل الصهاينة على وسائل التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بإبادة الشعب الفلسطيني. لذا نعم، أنا متأكد من وجود ذلك، لكن هذا ليس السبب الرئيسي على الإطلاق».
وعندما نسأل الدكتورة اليوسفي عن علاقة روسيا باليمين الفاشي في أوروبا، تقول «روسيا شكل جديد من الإمبريالية الصاعدة. إنها لا تمتلك قوة الإمبريالية الغربية، ولا تحالفاتها. والحركات الفاشية هي حركات قومية، وبالتالي فهي مناهضة لأوروبا. وهذا يتماشى مع المصالح الروسية. وفي نفس الوقت، الروس سيتحالفون للدفاع عن مصالحهم مع الفاشيين الذين قد يدعمون إسرائيل».
وتعقيبا على سؤال «القدس العربي» بخصوص وجود أي تناقض محتمل بين التناغم بين اليمين المتطرف وروسيا من جهة، وبين تعاطفهم مع إسرائيل في حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، تقول اليوسفي «إذا نظرت إلى مواقف روسيا من إسرائيل، لن تجد الكثير، إذا قاموا بتمويل إيران أو «حزب الله» أو المقاومة ضد إسرائيل، فإنهم يفعلون ذلك أيضًا لإضعاف الناتو وإضعاف القوة الغربية. لذلك، في كل منطقة، سيكون لديهم تكتيكات مختلفة، لكن الثابت الوحيد هو الدفاع عن مصالحهم».
المواجهة
تحرص الحكومة البريطانية على إظهار جدّية في مواجهة خطر صعود اليمين المتطرف، والإجراءات القضائية ستشكل عنونا لمرحلة مقبلة، وكذلك الإجراءات الأمنية التي يطلبها المجتمع البريطاني بشكل متزايد، وأحيانا بطريقة غير مألوفة في ديمقراطية غربية.
فقد أظهر استطلاع YouGov أن غالبية المستطلعة آراؤهم تدعم تدخل الجيش للمساعدة في التعامل مع الاضطرابات (62%) ومعظم هؤلاء من مؤيدي حزبي العمال والديمقراطيين الأحرار.
لكن سياسة الحكومة البريطانية تجاه التعامل مع الاحداث تبقى محل نقاش حيوي في بريطانيا.
تقول ياسمين أحمد لـ«القدس العربي» إن الحاجة ملحّة لـ«بناء مجتمعات تعددية صحية وقوية من خلال التعليم ووسائل أخرى» وهذا يشمل «مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي ومعالجتها بشكل مناسب حتى يتم التعامل مع هؤلاء الذين يروجون لجرائم الكراهية بطريقة مناسبة، ولا يُعطون منصة، لأننا نعلم أن المنصة التي لديهم الآن غير مسبوقة».
وحقيقة أن المواجهة الحكومية تتلمس طريقها اليوم إزاء هذا الخطر الصاعد من اليمين المتطرف، الذي أثار صدامات أيضا مع بعض جماعات المهاجرين والمسلمين في شوارع المدن البريطانية، فإن المواجهة التي يرفع لواءها قطاع مهم من اليسار والليبراليين التقدميين والديمقراطيين في بريطانيا، بدأت تأخذ مسارها من خلال حملة منظمة أيضاً.
تظاهرات عديدة خرجت إلى الشوارع للتنديد ببلطجية اليمين وسياساته، ودافع المشاركون فيها عن وحدة البريطانيين وعن «إخوتهم وأخواتهم» من المسلمين البريطانيين، وتطوع بعضهم للدفاع عن المساجد المهددة باعتداءات البلطجية.
«الفاشية كانت دائمًا ترمي إلى الأهداف الأسهل»، يقول ستيفان سيمز النقابي التربوي لـ«القدس العربي».
«في الثلاثينيات، في بريطانيا، هاجم عناصر القمصان البنية بقيادة أوزوالد موسلي اليهود، وهزمنا الفاشيين في كابل ستريت (شرق لندن) عام 1936. وصعد الفاشيون مجددًا في السبعينيات بعد خطاب «أنهار الدم» المشين الذي ألقاه إينوك بأول (سياسي ونائب محافظ معاد للهجرة)، واستهدف الفاشيون الأيرلنديين والأفارقة الكاريبيين في الثمانينيات. لقد حاربناهم مرة أخرى مع رابطة مناهضة النازيين، وحملة «روك ضد العنصرية». لقد حاربناهم حرفياً في الشوارع كما فعلنا عام 1936. ومرة أخرى عندما بدأوا في مهاجمة الآسيويين والمهاجرين في الثمانينيات والتسعينيات، حاربناهم مرة أخرى».
ويرى سيمز أن ما حدث في تظاهرات السابع من أغسطس المناوئة لليمين المتطرف، هو «انتصار كبير لنا».
ولا ينكر سيمز تأثير الإجراءات القضائية في الحدّ من شغب اليمين المتطرف، لكنه يقول «ليست المحاكم هي التي أوقفت الفاشيين الليلة الماضية. إنهم الناس. لأننا حضرنا بالآلاف وبالمئات في كل مكان متحدين. هذا ما أوقف الفاشيين».
أما مديرة «هيومن رايتس ووتش» في المملكة المتحدة ياسمين أحمد، فتقول « يجب أن تحدث إعادة ضبط على مستوى السياسات، ومعالجة الفجوات الاجتماعية، ويجب أيضاً بناء رؤية إيجابية حول كيفية بناء مجتمع وبلد موحد، في السياسة والخطاب»
وتسأل «كيف يمكن مواجهة خطاب اليمين المتطرف والسياسيين الذين يتماشون معه ويطبعونه؟ أعتقد أن هذه هي الفرصة الأكبر، والتحدي الأكبر الآن أمام السياسيين اليوم».