دلالات مهمة لعملية الكرامة

حجم الخط
0

العملية المفاجئة وغير المتوقعة التي نفذها مواطن أردني صباح الأحد الماضي، وأدت إلى مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين على معبر الكرامة، تُشكلُ تطوراً بالغ الأهمية في مسار الأحداث، وتحملُ جملة من الرسائل والدلالات المهمة، خاصة أنها تأتي في الوقت الذي تُصعّد فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي من عملياتها في الضفة الغربية على مقربة من الحدود مع الأردن.
الهجوم نفذه مواطن أردني ينتمي لواحدة من أعرق وأشهر وأبرز العشائر الأردنية، وهو ماهر الجازي، الذي ينتمي إلى عشيرة مشهور حديثة الجازي، وهو قائد معركة الكرامة التي حدثت في عام 1968 عندما قاتل الفلسطينيون والأردنيون جنباً إلى جنب، وتصدوا لعدوان إسرائيلي آنذاك وانتهت بسحق القوات الإسرائيلية وإجبارها على التراجع وردعها عن التوغل داخل الأراضي الأردنية.

عملية الكرامة تشكل جرس إنذار يجب أن يقرأه الإسرائيليون قبل غيرهم بأن هذه المنطقة لا يُمكن أن تقبل بالجرائم التي يرتكبونها في غزة والضفة الغربية وسوريا ولبنان

هذه العملية تحمل جملة من الدلالات بالغة الأهمية، التي يُمكن إيجازها في ما يلي: أولاً: العملية تُشكل لحظة انفجار للغضب الشعبي الأردني تجاه المجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة والضفة وسوريا ولبنان، وهذه العملية تعني أن الأردن الذي يشترك مع الأراضي الفلسطينية بأطول شريط حدودي، قد يشهد تحركات عفوية وخارج السيطرة من أجل مناصرة الشعب المقهور في الأراضي الفلسطينية، الأمر الذي يدعو إلى تجديد التحذير من انفجار المنطقة برمتها، وتوسع دائرة العنف بسبب حالة الجنون التي يعيشها اليمين الإسرائيلي المتطرف.
ثانياً: ردة الفعل الشعبية الأردنية على العملية هي الرسالة الأكثر بلاغة، حيث تحول يوم الأحد الى أشبه بيوم العيد، ويكاد لم يكن ثمة شارع ولا حارة ولا زقاق ولا إشارة مرور إلا وفيها من يوزع الحلوى ابتهاجاً بالعملية، وتفاخراً بالشهيد الأردني الذي سيُصبح على الأرجح خلال الأيام المقبلة رمزاً يحفظه الأردنيون ويتذكرونه، وأغلب الظن أن صوره ستكون قريباً معلقة في كل مكان في الأردن، وسوف يتم التعامل معه على أنه بطل أسطوري.. هذه رسالة قوية تشرح الموقف الشعبي الأردني مما يجري في الأراضي الفلسطينية.
ثالثاً: بددت هذه العملية محاولات مستمرة منذ سنوات لزرع الفتنة والشقاق بين الأردنيين والفلسطينيين، ومحاولات ممنهجة لجيوش إلكترونية تتبع لأجهزة استخبارات عربية وإسرائيلية، تهدف إلى إقناع الأردنيين بأن فلسطين قضية لا علاقة لهم بها، وأن مصلحتهم تقتضي مصادقة الإسرائيلي، وكانت هذه الجيوش الإلكترونية تقوم يومياً باستدعاء صراعات من مثل حرب أيلول 1970 لتحريض الأردنيين ضد أشقائهم الفلسطينيين، والتحريض ضد من يتضامنون مع الشعب الفلسطيني، والتحريض ضد من يتظاهرون ضد السفارة الإسرائيلية في عمان.. فإذا بهذه العملية التي نفذها أحد أبناء مدينة معان تنسف كل ذلك.
رابعاً: العملية أثبتت فشل مساعي التطبيع العربي مع إسرائيل، فهي تأتي بعد سنوات من «اتفاقات أبراهام» ومحاولات تسويق الإسرائيلي على أنه ابن هذه المنطقة وصديق العرب، فضلاً عن أنَّ هذا الهجوم يأتي بعد ثلاثين عاماً بالضبط على إبرام اتفاقية وادي عربة للسلام بين الأردن وإسرائيل، وهي الاتفاقية التي كان يُراد لها أن تكون باباً لقبول الإسرائيليين، فإذا بالأردنيين اليوم يتوحدون خلف المطالبة بإلغائها ويعتبرون ما تقوم به إسرائيل تهديداً لهم ولأمنهم ومصالحهم.
والخلاصة هي أن هذه العملية تشكل جرس إنذار يجب أن يقرأه الإسرائيليون قبل غيرهم بأن هذه المنطقة لا يُمكن أن تقبل بالجرائم التي يرتكبونها في غزة والضفة الغربية وسوريا ولبنان، كما أنها دليل قاطع على أن الأردنيين ما زالوا ينظرون إلى الاحتلال الإسرائيلي على أنه التهديد الأكبر الذي يواجههم، كما أنها دليل قاطع على أن التطبيع العربي مع إسرائيل لا يُمكن أن ينجح، ما دام جيش الاحتلال يواصل ارتكاب المجازر بحق المدنيين في الأراضي الفلسطينية.

كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية