«دمشق.. الأطلنطي» قصائد كولاج مختارة من كتابين لشاعرة سويدية هي ماري سيلكبيرغ. الأول «إلى دمشق» 2014، وشاركها فيه شاعر سوري من أصول فلسطينية هو غياث المدهون. والثاني بعنوان «الأطلنطي» 2017. توجد إلى جانب القصائد مقتطفات من فيلمين شعريين بعنوان «المدينة» و»ثلج»، سبق لسيلكبيرغ أن أنتجتهما بالتعاون مع المدهون. ترجمت هذه المختارات إلى الإنكليزية كيلسي فاندا مديرة برنامج الترجمة في جامعة أريزونا – توسون، ومؤلفة مجموعة شعرية يتيمة بعنوان «أرض قليلة».
تحاول القصائد أن توجه أنظار القراء للواقع السياسي الذي تسببت فيه سياسة التوسع لبعض الدول القوية، بالإضافة لمشكلة وكوارث العولمة، ولاسيما الفوضى والإفراط باستعمال أسلوب الإكراه والخلل بالتوازن العالمي.
وتقدم الشاعرة رؤية هادئة وجريئة وتسبح بعكس التيار، فتلفت أنظارنا لرواسب الممارسات الاستعمارية المتوحشة، التي تجدها في نقاط معتمة على أطراف ذاكرتنا. ففي قصيدة «المشاهد المتوحشة ليوبولدفيل»، وهو اسم إداري لكونغو البلجيكية – معروفة حاليا باسم كنشاسا، تقول سيلكبيرغ:
على واجهة المتحف التاريخي المشيد حديثا
يد فضية مطبوعة فوق كل حجرة لها لون الصدأ الأحمر.
وبعد عدة سطور تتحول هذه الملاحظة لانطباعات قاسية فتقول:
كأن كل سلعة تعلن عن سعرها بأعلى صوت.
كأنه صياح المخاض. ولتهلك أجسادنا البشرية.
وفي قصيدة: «أبو ظبي/ الربع الخالي» يقول سوري لا نعرف اسم:
سأحتاج لمئة عام قبل أن أكون في بلد يصلح للحياة
ثق بي. سنعود للصحراء. هكذا يقول.
يرد عليه: ولكن نحن في وسطها فعلا.
الرمل يحاصرنا من كل جانب. ويضحك.
والبيوت مبنية على الرمال. ربما فيها. وهي تعلو وتعلو.
أهمية هذه المجموعة تأتي من غياب الصوت السوري على ساحة الأدب العالمي. ولكن مما يؤخذ عليها أن سيلكبيرغ احتلت كل المساحة على حساب شريكها المدهون، الذي ورد اسمه بشكل خاطف، وضمن ما يعرف بحقوق الملكية الفكرية. لكن ما يحسب لها إلقاء الضوء على دور النفط في الأزمة، فقد ورد في إحدى القصائد قول سيلكبيرغ:
النفط هو الجواب تقريبا لكل سؤال
وفي الصحراء يغرب النور. يقول له.
لا شيء سوى الظلام الفاحم. ولا سيما بغياب القمر.
ومن المؤكد أن القصائد تقترب من الجغرافيا بلغة سياسية. بمعنى أن التوزيع جيوبوليتيكي ويضع في حسبانه دور التاريخ ومفعوله. وكانت سيلكبيرغ تتحول برؤيتها من تصوير الدور الفكري للاستعمار إلى آثاره المتبقية على الأرض. وفي النهاية خلصت لتقديم تفسير لأسباب السقطات والانكسارات، التي فرضتها علينا شركات متعددة الجنسيات، لا تحترم خصوصية الإنسان ولا هويته. وبهذا المعنى تقول سيلكبيرغ بقصيدة عنوانها «سانت أوين/ ستالينغراد»:
راشومون. تقول هي بوابة إبليس
وأفهم منك أنها مفتوحة.
لحظات خاطفة فقط. ثم تفتح على مصراعيها.
ستستقل المصعد للمغارة.
ثم تضيف:
تدخل لمطعم صومالي لتأكل
فترى سكان المخيم يشحنون هواتفهم هناك
وشبكة من الأسلاك ممدودة على طاولة رفيعة.
تضم المجموعة أيضا خاتمة للكاتبة النرويجية رانفيغ كفينسلاند بعنوان «الكون المصغر لماري سيلكبيرغ». وتلقي بها نظرة عامة على الأدوات الفنية للشاعرة.
صدرت مجموعة «دمشق، الأطلنطي» عن منشورات تيرا نوفا في مطلع عام 2021.
أكاديمية وشاعرة أمريكية