دندنة شمعون بيريز: ‘أنا زي مانا وإنت بتتغير’

حجم الخط
1

لو لم تسرّب صحيفة ‘يديعوت أحرونوت’ نبأ لقاء الرئيس شمعون بيريز بتسعة وعشرين وزير خارجية وشخصية من دول عربية وإسلامية لما انكشف الأمر، ولبقي اللقاء صنوًا لتلك اللقاءات التي تتكتم عليها وثائق الدول والمخابرات في العالم.
صحيفة ‘القدس العربي’ (2 كانون الأول/ديسمبر 2013) خصّصت لهذه الحادثة كلمة التحرير، ومقالا رئيسيًا نقلت فيه تفاصيل الخطاب، وكيف سمعه قادة عرب ومسلمون ببالغ الإصغاء الذي انتهى بحفلة تصفيق وإعجاب. أمّا الكاتب الصحافي توماس فريدمان في حديثه عن هذا الحدث، الموصوف بالسابقة التاريخية، ‘فيؤكد لقرّائه أن الظهور غير العادي لبيريز ‘لم يكن بدافع من رياح المصالحة بين العرب وإسرائيل، ولكن لأن هذا التعاون الضمني بين إسرائيل والعرب السنّة، يستند الى التقاليد القبلية التي تقول ‘عدو عدوي صديقي’ والعدو هو إيران’.’
يأتي هذا اللقاء محاولةً من قبل قادة اسرائيل لفرض رؤية استراتيجية جديدة ‘في المنطقة، ويؤكد جليًا ما تخطط له حكومتها، وتسعى إلى تحقيقه.’
بعد انتخابات الكنيست كانت أمام بنيامين نتنياهو عدة خيارات لتركيب حكومته. طلاقه من حركة شاس، وهي حليف تقليدي، لم يكن من باب صدفة، فقد آثر نتنياهو إقامة ائتلاف ‘عقائدي’ يتكامل مع ما تؤمن به قيادة حزبه اليمينية الجديدة التي أفصح ويفصح ناطقوها في كل مناسبة عن تخليها عن مبدأ ‘الأرض مقابل السلام’ وعن استحالة حل الدولتين. فجاء ضم ‘بينيت’ للحكومة ليعزز هذا التوجه. وفي هذا السياق علينا ألا ننسى ما أفتى به الرابي ‘عوفاديا’، زعيم ‘شاس’ الراحل، في الماضي حين أقر أن إعادة الأرض مقابل السلام مع الفلسطينيين تجيزه التوراة.
لم يكن رفع شعار ‘التهديد الإيراني أوّلا’ من باب صدفة أو تكتيك. فهذه القيادة الإسرائيلية اليمينية الحالية تؤمن بأن القضية الفلسطينية لم تكن ولن تكون قضية الشرق الأوسط الأساسية. وحتى نفهم هذه التغييرات الجذرية أكثر فربما علينا أن نعود لسؤال أغفله الباحثون والمتابعون وهو، لماذا اختار نتنياهو الجنرال موشي ‘بوغي’ يعلون وزيرا للدفاع في حكومته، وهو لم يكن أبرز الجنرالات في محيطه، أو في تاريخ حزب الليكود السياسي.
‘عندما أنهى ‘بوغي’ يعالون مهمته قائدا عاما لجيش الاحتلال أصدر عام (2008) سيرته الذاتية في كتاب سماه ‘طريق بعيدة قصيرة’ بكل ما يحتمل هذا العنوان من مجاز.
لا يؤمن ‘يعلون’ بأن الحدث الأهم في تاريخ الصراع في الشرق الأوسط تم في عام 1948. بالنسبة له فان عام (1979) هو ‘العام المفتاح’ في التاريخ الحديث للمنطقة. ففي رأيه، كان ‘توقيع مصر على اتفاقية السلام مع إسرائيل حدثًا مفصليًا، ولكن الأهم منه كان نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية، وإنشاءها نظامًا إسلاميًا دينيا، تحوّل إلى مصدر لعدم الاستقرار بالمنطقة.’
وبعودة للخبر، فإن بيريز حــــدّث مستمعيه عن التهديد الإيراني لإسرائيل ولدول المنطقة، وذلك بهدف تجنيد تلك الدول ليس فقط لحلف مشترك ضد إيران، بل لما هو أخطر؛ ففلسطين لم تعد في الصدارة، ومن الممكن تأجيل السعي وراء حل لصراعها مع إسرائيل إلى أجل غير مسمى.
بالمقابل لنقرأ ما يقوله يعلون: ‘برأيي، لتسوية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني لا يصح التطرق بمصطلح ‘الحل في المستقبل المنظور’، إنما يجب التحدث بمصطلحات ‘إدارة صراع’، إنني على قناعة بان التوقف عن البحث عن ‘حل’، والتحرر من هذا المفهوم الفاشل سيساعد على إيجاد تفكير جديد واتجاهات مغايرة. الطريق الطويل هو الطريق الأقصر’.’
هكذا كتب بوغي يعلون قبل خمسة أعوام، وأضاف، بفصيح العبارة والنص، أنه لا يؤمن بأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية يشكّل مصدرًا لعدم الاستقرار في المنطقة، وهو لا يؤمن أن حل الصراع مع الفلسطينيين وإعطاءهم دولة مستقلة سيسكتهم، لأنهم يريدون أصلاً محو إسرائيل والقضاء عليها، وهو يؤمن بأن الفلسطينيين مارسوا الارهاب، لأن قادة إسرائيل عاملوهم بالحسنى وتراخوا أمامهم، والأخطر أن قادة إسرائيل وثقوا بالفلسطينيين، وهم ليسوا أهلا لمثل هذه الثقة!
هذا غيض من فيض ‘بوغي’، وكل ما في الكتاب يوصلنا إلى إيران وحلفاء إسرائيل من عرب ومسلمين. ‘
لا أعرف كم من ‘أمة اقرأ’ قرأوا كتاب يعلون الذي يقف اليوم على رأس الهرم لمؤسسة أمنية تمتلك دولة قويّة، ولا تسعى لحل قضية فلسطين. أعرف أن الحدث يضع أمام قادة فلسطين تحديات جدّية وأسئلة صعبة من نوع لم نعهده من قبل. وأعرف كذلك أننا نعيش في زمن الخديعة الكبرى، وفي كل بقعة دجّال وخادم.’
فهل تذكرون كيف قامت الدنيا عندما جاء شمعون بيريز ضيفًا على الناصرة واستقبله رئيس بلديتها؟ كيف هاجت رجالات الوطن، ولطمت نساء ‘مرج ابن عامر’ خدودهن؟ هو نفسه بيريز يا أمة الدجل والرياء! ها هو ‘يكرز في قادة عرب ومسلمين، ويربت على أكتافهم؛ شركاؤه في حلف مقدس، وإخوته بالدم والحليب والبارود!
أمّا انتم، هنا في جليلكم الغالي والنقب المنكوب، تبلعون الريق، وتغصّون. فكيف يجرؤ عبد على الصراخ في وجه سيّده؟ كيف لا تخجل عين، وصاحبها يملأ فاه بالدعاء لسلطان، في حضنه ينعم بعضكم، ويملأون جيوبهم عسلا ونغنغات؟
‘كان هناك حماس كبير من كلا الجانبين، بيريز والمشاركين العرب، والجميع يفهم ان هذا كان حدثًا تاريخيًا، فرئيس الدولة اليهودية يجلس في مكتبه بالقدس، والناس يجلسون في الخليج الفارسي لمناقشة الأمن ومكافحة الارهاب والسلام’..
هكذا في الجريدة وهنا أحزابنا وحركاتنا، لا مين شاف ولا مين دري، فهل سمعتم مثلي بيريز وهو يدندن لهم:
أنا زي مانا… وانتو ..؟!’

‘ كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد العربي:

    شكرا للاخ جواد بولس للتذكير بتخلف العرب وجهلهم . بيريز من زعماء الحركه الصهيونيه و يملك رؤيه و هو جزء من مؤسسه و الحكام التسعه و العشرون هم يعملون لانفسهم و عائلاتهم و اهدافهم تلتقي مع بيريز وليس مع شعوبهم فهم يعتقلون و يعذبون شعوبهم من اجل تامين الحياه الممتازه لهم ولعائلاتهم.

إشترك في قائمتنا البريدية