دورة عربيّة استثنائيّة بتقنية البثْ المباشر في بيت الشعر التونسي

روعة قاسم
حجم الخط
0

عندما ينتصر الِشعْرُ والإبداع على “كورونا”

                                          

تونس-“القدس العربي”: لم يمنع وباء كورونا، مع ما فرضه من إجراءات العزل الصحي، من استمرار الحركة الثقافية في تونس. إذ لجأت عديد المؤسسات والهياكل الثقافية إلى ابتكار وسائل جديدة لمواصلة نشاطاتها الثقافية والأدبية والفنية على غرار بيت الشعر التونسي الذي قدم خلال شهر رمضان سهرات شعرية خاصة عربية وتونسية وذلك عبر استخدام تقنية البث المباشر على الإنترنت.

 “رمضانيات بيت الشعر” هي تظاهرة شعريّة/موسيقيّة تنتظم خلال شهر رمضان من كل سنة، في مقر بيت الشعر في قلب مدينة تونس العتيقة وتعتبر من أهمّ التظاهرات التاريخية والمركزية لبيت الشعر التونسي، فقد تأسّست منذ أكثر من 20 عاما، واكتسبت -إضافة إلى طابعها الثقافي الإبداعي- طابعا ترفيهيّا وسياحيّا، فهي تندرج ضمن برنامج تنشيط مدينة تونس وإحياء لياليها الرّمضانية، وتتميز بالمراوحة بين الشعر وفنون شتّى أبرزها الموسيقى التونسية الأصيلة في أجواء تقليدية، تزيد طبيعة مقرّ البيت بفضاء “دار الجزيري” بالمدينة العتيقة، في منحها طابعا خاصّا وهو ما يرفع من نسب الإقبال عليها.

ولكن هذه السنة فإن رمضانيات بيت الشعر تواصلت بشكل استثنائي وخاص عبر الإنترنت ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي. حيث يشارك في المهرجان نحو 50 شاعراً، يقدمون خلاصة تجاربهم في 10 أمسيات شعرية تستمر حتى 19 أيار/مايو. ويخصص المهرجان سهرات للشعر النبطي وسيكون هناك جانب كبير للموسيقى من خلال وصلات جماعية و”صولو” لرانية الجديدي وعازفة العود آمنة معارف وعازف العود محمد أنيس المستاوي وعازف الكمان كمال الشريف.

وتبث أمسيات بيت الشعر مباشرة على الصفحات الرسمية لبيت الشعر على سوشيال ميديا وعلى قناته على يوتيوب. ويقول احمد شاكر بن ضية مدير بيت الشعر في تونس لـ”القدس العربي” إنه في ظل ما يشهده العالم اليوم من رعب الكائن البشري وفزعه بسبب الظهور المفاجئ لفيروس كورونا المستجد وما استوجبه من اتخاذ إجراءات صحية صارمة وضرورية للتوقي من تهديداته التي مسّت الإنسان في صحته وحياته، وجدنا أنفسنا مجبرين على لزوم بيوتنا والالتزام بالحجر الصحي حتى توقفت الحركة في جل الميادين، باستثناء المجالات الحيوية التي لها دور مباشر أو غير مباشر في الحد من انتشار الوباء والحفاظ على حياة الناس” ويتابع: “وعلى عكس ما يذهب إليه البعض أن الثقافة ليست من المجالات الحيوية التي لها دور في الحرب ضد الفيروس، فإنّه كانت في الحقيقة عزاء الإنسان وملجأه الوحيد في هذا الظرف القاسي، إذ أصبح الناس يقضون ساعات الحجر في المطالعة ومشاهدة الأفلام والاستماع إلى الموسيقى، وفتحت المتاحف والمكتبات الكبرى ودور الأوبرا بوّاباتها الافتراضية مجانا كي تشجّع الناس على البقاء في منازلهم. كما شاهدنا أعمالا فنية عظيمة من مختلف أنحاء العالم تمّ إنتاجها خلال الحجر، وأمثلة ذلك لا حصر لها”.

ومن هذا المنطلق وحرصا على استمرارية التظاهرات المركزية لبيت الشعر التونسي جاء عزم إدارته على تحدي الحصار الوبائي ومقاومته بالإبداع من خلال استغلال الوسائط الحديثة وشبكة الإنترنت لتنظيم تظاهرة رمضانيات بيت الشعر 2020 بتقنية البث المباشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقد عمل فريق البيت عن بعد خلال فترة الحجر لتخلص جهودهم إلى إنجاز دورة استثنائية لهذا العام من الرمضانيات التي لم تنقطع منذ تأسيسها قبل أكثر من عشرين عاما. فبالإضافة إلى تجاوزها حدود الحجر المحلّي ووصولها إلى الشعراء والفنانين حيثما كانوا في مختلف جهات البلاد، حلّقت التظاهرة بعيدا في أنحاء العالم حيث تمت استضافة ثلة من الشعراء التونسيين المقيمين في المهجر، ونخبة من الشعراء العرب من دول تسع: (الجزائر، المغرب، ليبيا، مصر، السودان، السعودية، الإمارات، عمان، الأردن) ليجتمع 76 ضيفا من شعراء وموسيقيين وإعلاميين، من بيوتهم على منصات التواصل الافتراضي ويأثثوا عشر سهرات شعريّة/ فنيّة بين 9 و19 أيار/مايو 2020.

ويوضح بن ضية بالقول: “إن التظاهرة يشارك فيها بيت الشعر التونسي، وبيت الشعر الجزائري، وبيت الشعر المغربي، واتّحاد الكتّاب التونسيين واتحاد كتّاب المغرب العربي.

وقد افتتحت يوم السبت 9 أيار/مايو بسهرة مميّزة قمت بإدارتها بصفتي مديرا لبيت الشعر التونسي وكان ضيوفي فيها الشاعر صلاح الحمادي رئيس اتحاد الكتاب التونسيين واتحاد كتاب المغرب العربي، والشاعر مراد القادري رئيس بيت الشعر المغربي والشاعر بشير غريب نائب رئيس بيت الشعر الجزائري، والمديرين السابقين لبيت الشعر التونسي الشاعر منصف المزغني والشاعر محمد الخالدي. وهي مبادرة تدخل في إطار مد جسور التواصل بين بيوت الشعر المغاربيّة، وقد أضفت المداخلات الموسيقية الطربية التي قدمها الموسيقار خالد الخشين والمطرب أيمن جلال سحرا خاصا على هذه السهرة”.

 شعر عبر الإنترنت

الشاعرة التونسية سلوى الرابحي من المشاركات في هذا الموسم الاستثنائي قالت لـ “القدس العربي” عن مشاركتها في هذا الظرف الخاص: “أنا كائن شعريّ بامتياز، وأعتبر الشعر بيتي والشعراء أهلي وينتمون إلى خلايا القلب. لم يزعجني الحجر الصحي باعتباري أميل إلى العزلة لكنني شعرت بالتعطش الكبير لإلقاء الشعر والاستماع إليه مباشرة. كنت أحن إلى الأماكن والأشخاص وتسكنني ذبذبات الموسيقى والصور الكثيفة. وللشعر في رمضان نكهته الخاصة، تجدني أذهب إلى دور الثقافة وإلى بيت الشعر خصوصا لأشبع الروح بالموسيقى والشعر”.

وتضيف: “هذه السنة، كنت سعيدة جدا باستضافتي في سهرة الأمسية الشعرية الرابعة لبيت الشعر التونسي عبر الإنترنت. وهي بادرة مهمة جدا جعلتنا نتابع الشعراء وهم في بيوتهم. شاهدت السهرات السابقة وتمتعت بالاستماع إلى تجارب شعرية تونسية مهمة (كمال بوعجيلة، حافظ محفوظ، محمد الخالدي، ماجدة الظاهري، المنصف المزغني، صلاح الدين الحمادي) وكذلك تجارب عربية لها وقعها في المشهد الشعر العربي (بشير غريب من الجزائر، مراد القادري من المغرب) كما تمتعت بالاستماع في السهرة الرابعة التي شاركت فيها إلى تجارب كل من الشعراء المتميزين: الشاذلي القرواشي وبلال البوعاني من تونس والشاعر السوداني محمود الجيلي”.

وقالت إن تجربة البث المباشر عبر الإنترنت التي قام بها بيت الشعر التونسي في غاية الأهمية، حيث أنها انفتحت أيضا على الشباب. مشيرة إلى اعجابها بالسهرة المخصصة لأعضاء نادي بيت القصيد. وأضافت: “أذهب إلى أن المشرفين على بيت الشعر جديون في عملهم، فلقد تم تدريب كل المشاركين على تقنية جديدة وهي تقنية الاجتماعات عن بعد عبر الإنترنت. وكانوا حريصين على وصول المعلومة”.

انتصار الشِعْر

أما الشاعر المغربي مراد القادري رئيس بيت الشعر المغربي وهو أحد الضيوف العرب لبيت الشعر التونسي فقل لـ “القدس العربي” عن استضافته عبر الإنترنت: “شرّفني بيت الشعر التونسي بدعوته للمشاركة في رمضانياته التي درجَ على تنظيمها سنويا، والتي تنعقد هذه السنة في ظل ظرف استثنائي خاص يتعلق بجائحة كورونا. على أن الأصدقاء في بيت الشعر التونسي، بالرغم من ذلك، انتصروا للشعر بإصرارهم على تنظيم دورة عربية شدَتْ فيها الأشعارُ والأوتار، مؤكدين بذلك على أن الشعر قادرٌ على أن يمنحنا لحظات من البهجة السرور وأن يكون جسرا للتلاقي والتواصل، وذلك نكاية في كورونا وفي كل ما يهدّد الحاجة إلى الشّعر كلحظة للتعارف وتمتين صلات الأخوة الشعرية والإنسانية”.

 ويضيف: “ما ميّز الأمسية الافتتاحية التي شاركتُ فيها، هو أنها جمعت أصواتا شعرية من كل من تونس والجزائر والمغرب، ما جعلها أمسية مغاربية بامتياز، على أن هذه الأمسية الشعرية والفنية جمعت كذلك فاعلين من بيوتات الشعر في هذه المنطقة ما يجعلها تمرينا ثقافيا في تشبيك العلاقات بين بيت الشعر التونسي والمغربي والجزائري، وهو الأمر الذي نسعى إليه بكل ما أوتينا إلى ذلك من إرادة وحماس”.

وعموما، يمكن لنا القول إن أمسيات بيت الشعر التونسي دليل على انتصار الشعر والفن وبقائهما حيين في وجدان الإنسان الذي لن يعيقه أي بلاء أو وباء بدون معانقة أخيه الإنسان ومصافحته بما يليق بالقصيدة من أحلام وآمال في عالم سليم ومتضامن.

وبيت الشعر التونسي هو مؤسسة ثقافية وطنيّة مختصة، تمّ الإعلان عن تأسيسه في 28 تشرين الثاني/نوفمبر 1992 وافتتح رسميّا في 25 تشرين الأول/أكتوبر 1993 واتُّخِذ له من “دار الجزيري” وسط المدينة العتيقة، مقرّا. وهو أوّل بيت للشعر في الوطن العربي أنشأه وصاغ مشروعه الشاعر الراحل محمد الصغيّر أولاد أحمد وأداره من سنة 1993 إلى سنة 1998.

ويهتمّ البيت بالشعر والشعراء في مجالات الكتابة، والنشر، والنقد، والتبادل الإقليمي والدولي. كما يقوم بتنظيم الأمسيات الشعرية والتظاهرات الفنية، ويستضيف أهمّ الشعراء والفنانين من داخل تونس وخارجها.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية