شركة إسرائيلية غير معروفة تقوم بتصدير منظومات تجسس متقدمة إلى دول أجنبية. هذا ما ظهر في وثائق داخلية وصلت لـ”هآرتس”. شركة “ان اف في” للنظم كشفت عقب بيان استثنائي لوزارة الدفاع عن تحقيق يجري ضدها. الشركة تبيع منتجاً لتحديد مكان الهاتف المحمول لأهداف ومراقبة نشاطاتها في الشبكات والوصول إلى بيانات حول اتصالاتها. من بين زبائن الشركة دول في الخليج الفارسي.
في شباط الماضي قيل إن المسؤولين عن الأمن في جهاز الأمن وقسم الرقابة على التصدير الأمني، يقومون بالتحقيق مع الشركة والمدراء فيها بتهمة ارتكاب مخالفات لقانون الرقابة على التصدير الأمني وعلى أوامر الضريبة والحصول على أشياء عن طريق الخداع.
“حسب الاشتباه، سوقت الشركة وصدرت منتج سايبر يحتاج إلى الرقابة لعدد من الدول في عدة مناسبات مختلفة. كل ذلك خلافاً للقانون وبدون الحصول على تصريح من وزارة الدفاع”، كتب في البيان القصير. كان البيان استثنائياً حيث لا تكثر وزارة الدفاع من فتح تحقيقات باشتباه ارتكاب مخالفات لقانون التصدير أو الإعلان عن ذلك رسمياً.
في مجال السايبر الهجومي الخاضع لرقابة دولة إسرائيل سلة واسعة من تكنولوجيا التعقب والتجسس على عدة مستويات. هناك أدوات يتم بيعها لجهاز إنفاذ للقانون وجهات شرطية تسمح بتحديد مكان الهدف، وهناك منظومات متطورة أكثر تباع لجهات إنفاذ قانون وتجسس وتمكن من اختراق الحواسيب والهواتف المحمولة وتطبيقات الرسائل المشفرة وأخذ جميع المعلومات في الهاتف، وتفتح الميكروفون والكاميرا في الجهاز سراً، وبذلك تحويله إلى جهاز للتجسس على صاحبه.
حسب مسجل الشركات، تم تأسيس شركة “ان اف في” في 2015 وهي مسجلة في “كفار سابا”. وصاحبة السيطرة على الشركة هي شركة “افغير نوكد”، التي لها براءة اختراع في مجال الاتصالات اللاسلكية مسجلة على اسمها. قبل سنتين تقريباً، فتح المسؤول عن الأمن في وزارة الدفاع والمسؤول عن الرقابة على التصدير الأمني، تحقيقاً ضد شركة “نوكد” وصاحبها دافيد شاؤول وأحد الموظفين السابقين في شركة سايبر أخرى أسسها شاؤول، بتهمة ارتكاب تجاوزات لقانون الرقابة على التصدير الأمني، وهذه مخالفات “ارتكابها قد يسبب ضرراً كبيراً على أمن الدولة”.
وألقى المسؤول عن الأمن في وزارة الدفاع القبض على منظومة محوسبة لشركة “ان اف في” التي كانت في الطريق للتصدير لزبون في الخارج بذريعة أن الأمر يتعلق بمنتج يحتاج إلى رخصة تصدير من وزارة الدفاع. وقال المشتبه فيهم إن المنتج -حسب فهمهم- غير خاضع للرقابة، لذا فهو ليس بحاجة إلى رخصة تصدير.
شاؤول هو أيضاً صاحب أسهم في شركة أخرى باسم “وايب غارد للتكنولوجيا”، التي تصدر بصورة خاضعة للرقابة منظومات لتحديد مكان هواتف محمولة لأجهزة تجسس وإنفاذ للقانون في أرجاء العالم. في إطار التحقيق، صادر المسؤول عن الأمن في جهاز الأمن حواسيب وهواتف محمولة للشركة والمشتبه فيهم، لكن كان من الصعب اختراقها في المرحلة الأولى ونسخ المواد لغرض التحقيق. وخلافاً لشركات سايبر هجومي مثل “ان اس أو”، “براغون” و”كوادريم”، فإن شركة “ان اف في” غير معروفة وليس لها في الشبكة منطقة لمنتجاتها أو مبيعاتها. الوثائق الداخلية التي وصلت للصحيفة هي منذ بضع سنوات، وهي تكشف ما قامت الشركة بتسويقه في السابق. يمكن الافتراض بأن القدرة التجسسية التي تعرضها تطورت منذ ذلك الحين.
حسب الوثائق، فإن الشركة سوقت لدول أجنبية قدرات تحديد مكان الهدف الخاضع للتعقب في الوقت الحقيقي عن طريق تشخيص الرقم الضريبي في الهاتف المحمول ومراقبة شبكة الهاتف. تعرف المنظومة كيفية إعطاء إنذار لدخول الهدف إلى دولة معينة والخروج منها، أو من منطقة محددة مسبقاً. وحسب ادعاء الشركة، يتم التحديد بمساعدة معلومات جغرافية يتم الحصول عليها من الشبكات الاجتماعية.
قدرة أخرى على التعقب سوقت في حينه أيضاً، تم التوصل إليها عن طريق ربط منظومة “ان اف في” مع مزودات الإنترنت والهاتف المحمول في دولة الزبون. هذا الربط يعطي المشغل تفاصيل تشخيص المستخدم ويمكن من مراقبة أي اتصال بالإنترنت أو أي هاتف محمول، يقوم به الهدف.
حسب الوثائق، يمكن للزبون تتبع كل تصفح ونشاط في الشبكة يقوم به الهدف بشكل كامل وفي الوقت الحقيقي وبأثر رجعي، ويتم بناء صورة لسلوكه. ويمكنه أيضاً (الزبون) أيضاً الوصول إلى تطبيقات رسائل مشفرة للهدف وحساباته في الشبكات الاجتماعية. من غير الواضح عن أي تطبيق يدور الحديث وما هي كيفية الوصول الذي يمكن القيام به. هذا النوع من التعقب لا يتضمن إصابة الهاتف المحمول أو الحاسوب بالعدوى بتطبيق مثل “بيغاسوس”. لذا، لا يمكّن من مشاهدة الاتصالات المشفرة لتطبيقات مثل واتساب وسيغنال، ولكنه يمكن من جمع معلومات عن المحادثات الداخلة والخارجة غير المشفرة.
حسب أقوال المحامي ايتي ماك، الذي يعمل على كشف إساءة استخدام التكنولوجيا الإسرائيلية التي يجب أن تكون مراقبة، فإن قسم الرقابة “آفي” ينفذ عشرات عمليات الرقابة ونشاطات إنفاذ القانون في السنة، لكن فتح تحقيق جنائي “أمر نادر”. على الأغلب قسم الرقابة على التصدير لا يعلن عن أي تحقيق يتم فتحه، إلا إذا تعلق الأمر بشيء مهم من ناحية دولية مثل الإسرائيليين الذين صدروا للصين صواريخ وسلاحاً. عندها ثمة مصلحة للإظهار بأنهم يقومون بعلاج ذلك. هذا استثنائي جداً، ويبدو مثل “خدعة علاقات عامة”.
بعد عدد من الأحداث المحرجة، منها قضية “بيغاسوس” وإدخال “ان اس أو” و”كنديرو” في القائمة السوداء لوزارة الخارجية الأمريكية، بدأت إسرائيل تزيد الرقابة على السايبر الهجومي. تقليص قائمة الدول المسموح بتسويق هذه التكنولوجيا الهجومية لها إلى 37 دولة فقط، معظمها دول ديمقراطية غربية، قلص بشكل واضح السوق المحتملة وأدى إلى إغلاق شركات إسرائيلية في المجال. مع ذلك، وحسب أقوال مصادر في هذه الصناعة، فقد بدأ في الأشهر الأخيرة تخفيف ما في إعطاء رخص التسويق. والآن يمكن عرض هذه التكنولوجيا أيضاً على دول ما زال محظوراً البيع لها عقب عودة نتنياهو إلى مكتب رئيس الحكومة، قالت هذه المصادر. يتوقع أن تستأنف وزارة الدفاع رخص البيع، بالأساس لدول أمريكا الجنوبية ووسط آسيا.
من وزارة الدفاع جاء: “لا يمكننا تقديم معلومات عن تحقيق جار باستثناء بيان للصحافة نشر حول الموضوع”. أما “ان اف في” و”افغير نوكد” ودافيد شاؤول فلم يردوا.
بقلم: عومر بن يعقوب
هآرتس 9/3/2023