كل من سمعتهم من المعلقين والباحثين والخبراء الفرنسيين على الراديو أو التلفزيون منذ أحداث السابع من هذا الشهر في فرنسا مجمعون على النقطة التالية: أن من أسباب فشل السلطات الفرنسية في إحباط العمليات التي أودت بحياة سبعة عشر شخصا وفي الوقاية من الإرهاب بوجه عام هو أن فرنسا الرسمية لم تعترف حتى الآن بأن الدول الغربية عموما هي في حالة حرب مع العالم الإسلامي. حرب ليس مأتاها أن «الجهاديين» ماضون منذ زمن في الهجوم على أهداف غربية فحسب، بل إن مأتاها الأول هو أن الدول الغربية تخوض حربا في بلدان عربية مثل العراق وسوريا وذات أغلبية مسلمة مثل أفغانستان (حتى نهاية الشهر الماضي) ومالي وباكستان.
ومن هؤلاء من يقول إن مختلف العمليات الإرهابية لا تخلو من معقولية، باعتبار أن النظر إلى الوضع في شموليته يقتضي احتساب عشرات الضحايا الذين تقتلهم الدول الغربية في غاراتها الجوية كل يوم في سوريا والعراق وآلاف الضحايا الذين استهدفتهم الطائرات الأمريكية طيلة سنوات في أفغانستان وباكستان واليمن، وأنه لا بد للغرب أن يعي أن التدخل العسكري المستمر في البلاد العربية والإسلامية، مهما كانت الدواعي، لا يمكن يكون بلا ثمن. كما سمعت من المعلقين البريطانيين من يقول بأن عقيدة «التدخلية الليبرالية» (أي التدخل العسكري بزعم الدفاع عن حقوق الإنسان، أو حماية أقلية، أو منع وقوع كارثة إنسانية أو غير ذلك من «القيم النبيلة») التي كان سيىء الذكر توني بلير أشد المتحمسين لها قد ثبت سوء عواقبها منذ غزو العراق، وكان من الأجدر استخلاص الدرس والتوقف عن عادة التدخل في شؤون هذه المنطقة العربية التي أدمنها الغربيون إدمانا.
ويقول المعلقون الفرنسيون إن العمليات «الجهادية» لم يكن لها وجود تقريبا طيلة فترة من الزمن، وخاصة أثناء حربي العراق وأفغانستان، وإنها لم تظهر إلا بعد التدخل الغربي في سوريا الذي أعقب التدخل الفرنسي-البريطاني في ليبيا. أما المعلقون البلجيكيون، فإنهم يؤكدون أن استهداف بلجيكا بالمخططات الإرهابية القاعدية أو الداعشية لم يبدأ إلا بعد أن أخذت القوات البلجيكية تشارك في العمليات العسكرية الغربية في الأراضي التي يسيطر عليها «تنظيم الدولة»، وأنه لم يحصل شيء من ذلك قبل التدخل في تلك الأراضي.
ولهذا كتبت مجلة «لونوفيل أوبسرفاتور» الفرنسية أنه إذا كان تعريف الدولة أنها أرض وجيش، فإنه يمكن القول الآن «إن دولا صغيرة قد تنظمت في أراض فئوية عصبوية ولكنها مدججة بالسلاح وفاحشة الثراء. دول لا يمكن الانتصار عليها، بل إنه لا يمكن حتى العثور عليها. دول منقسمة بحسب الهويات المذهبية محدودة بحدودها ولكنها متحدة في العزم على إنشاء امبراطورية تسمى الخلافة، وذلك منذ أن قررت أن لها عدوا مشتركا وأنه ينبغي انتزاع كل شيء منه بأي ثمن وبأية وسيلة. ولهذا يمكننا القول إن أمما مثل فرنسا تعيش الآن تحت تهديد الحرب. أي نعم، لم يعد من الجائز التردد في إعلان ذلك. فالحقيقة أن الفرنسيين لم يكونوا يستطيعون أن يصدقوا أنهم يمكن أن يكونوا الهدف الوحيد لأطراف مختلفة كل هذا الاختلاف ولبواعث طموحة كل هذا الطموح. إذ كان الكل يقول: ما الذي يجمع بين هذه الأطراف سوى أنه ليس لدى أي منها أرض أو دولة؟».
وتستدرك المجلة أن ما يجمع بين هذه الأطراف هو الإسلام. وتضيف أن الفرنسيين قد استعمروا عددا كبيرا من المسلمين. «لقد أظهرنا لهم دونيّتهم في جميع المجالات تقريبا، ربما باستثناء مجال الصلاة. ولما تبنّيناهم، ولكننا في الوقت ذاته أذللناهم، واضطروا للمجيء عندنا، فإنهم جاؤوا في وضع انحناء. ولكن الزمن تغير. لقد أتى الملايين منهم للاندماج في مجتمعنا، ولكنه لم يتسنّ لهم تمكين أبنائهم من الاستفادة من مختلف ضروب التقدم التي يمكن أن يحققوها. إلا أن الذي بقي ودام واتصل هو الآصرة العظمى والعروة الوثقى، أي الإسلام. لقد وقعت الأزمة الكبرى عندما أدى فشل الاندماج إلى إزالة منافع الحماية. لماذا يكون القتلة من الشبان، ولماذا يكونون مختلفين عن عائلاتهم غرباء عليها؟ هل يطلبون في عالم آخر، في الإسلام طبعا، سلاح إعادة الاعتبار لذواتهم عبر القتل؟ وما حدث علاوة على ذلك هو أنه يبدو أن الجراح لمّا تندمل بعد بالنسبة لهؤلاء المقيمين في بلدان الاستقبال. ولهذا فإن اليهود هم الذين يجتذبون رغبة هؤلاء الشبان في الانتقام. ذلك أن قتل يهودي فرنسي هو قضاء على ممثل لعرق لعين، لأنه يقدم على أنه عرق متفوق. نعم إننا في حرب. والأدهى أنه حرب أديان».
٭ كاتب تونسي
مالك التريكي