أول من وضع أسس الدولة الديمقراطية الحديثة وحدد آلياتها هو الفيلسوف الفرنسي توكفيل بعد أن أقام في أمريكا لبضع سنين واصفا عام 1835 من خلال تجربته الشخصية هذه الديمقراطية الناشئة، في وقت لم يكن شكل السلطة قد حُدِّد لصالح النظام الديمقراطي بشكل نهائي في أوروبا.
كان الفلاسفة ومنهم الكبار أمثال«هيغل» ما زالوا يُنظِّرُون آن ذاك إمكانية التوفيق بين النظام الارستقراطي الوراثي والنظام البرلماني في الوقت نفسه.
المجتمع المدني
الديمقراطية التي يدافع عنها توكفيل ويريدها لوطنه فرنسا، تكفل للجميع المساواة وتكافؤ الفرص، ولا تعامل مواطنيها حسب أعراقهم وأديانهم.
تُبْنى على أساس الفصل بين السياسة والحكم من جهة وبين الدين من جهة أخرى، مع إيجاد مجتمع مدني قوي، لتبقى الديمقراطية حية دائما، وليس فقط في لحظات الانتخابات ويزول منها خطر التحكم بالأقليات.
نسمع منذ أسابيع عن حراك إسرائيلي شعبي دفاعا عن ديمقراطية هذه الدولة، وخروج الآلاف في شوارع تل أبيب. وهم على حق في رفض المساس باستقلالية القضاء، هذا طبيعي ومقبول. لكن المستهجن هو تطبيل جزء من المثقفين والمحللين العرب لهذا الحراك، وكأن الخطر الذي تواجهه الديمقراطية الإسرائيلية على أيدي الطرف الأكثر تشددا فيها، سيؤدي إلى نتائج سلبية على حياة الفلسطينيين، وكأننا نعيش الآن في نعيم الاحتلال.
حق تقرير المصير
الشعب الفلسطيني في الداخل وغزة والضفة، والذي حرم من حق تقرير المصير والاستقلال بعد خروج الانتداب البريطاني، لصالح إقامة دولة أخرى هي إسرائيل، وتُرِك تحت احتلالها وسطوتها، يعاني من استثنائه بالكامل، ومنذ عقود طويلة من الديمقراطية الإسرائيلية يمينها ويسارها. نحن لا نرى أي مساواة بين اليهود والعرب، ولا تكافؤ الفرص، بل على العكس نحن محرومون من كل أشكال ومحاسن الديمقراطية عندما تهدم جرافات الجيش الإسرائيلي البيوت الفلسطينية في القدس وتطرد عائلات بأكملها، وذلك بقرار من القضاء الذي يتظاهر الإسرائيليون من أجل المحافظة عليه. رغم تناقضه مع القانون الدولي، لا يرى اليسار ولا المتظاهرون المحتجون على نتنياهو حرجا في ذلك.
لم يكن أحدا يعتبر النظام الأبيض في جنوب أفريقيا نظاما ديمقراطيا، بل نظام أبارتايد وذلك بسبب عنصريته. لم يتمكن هذا النظام الحفاظ على علاقات مع الغرب ليستمر بالازدهار لصالح البيض فقط، وهو ما أدى فيما بعد إلى سقوطه المدوي، واستبداله بالديمقراطية الوحيدة الممكنة أي التي تساوي بين الجميع.
المحاسبة القضائية
الانتقاص من الديمقراطية الإسرائيلية بسبب قوانين نتنياهو الجديدة للحفاظ على نفسه من المحاسبة القضائية، لا تهمنا نحن العرب في شيء إلا من ناحية « انظروا فقد بدأوا يتعرَّبون.»
أن يخرج الآلاف في شوارع تل أبيب لا يعني أن إسرائيل تملك ديمقراطية ناضجة، تلك التي لا تقبل أبدا كقاعدة دائمة أساسية غير المساواة بين الجميع، وإحقاق الحقوق.
لَخَّص توكفيل مُنظِّر الديمقراطية الغربية وجميع الأنظمة الحديثة في العالم فكره في كتابه عن الديمقراطية قائلا:
« من الواضح أن هناك حدًا لقوة الأغلبية. لنفترض مثلا أنه من بين جنسين يعيشان معًا – السلت والسكسونيون ، على سبيل المثال – قرر الأكثر عددًا جعل الأفراد من العرق الآخر عبيدًا لهم. هل سلطة الأكبر عددا ، في مثل هذه الحالة ، هي صحيحة؟
إذا لم يكن كذلك ، فهناك شيء يجب أن تخضع سلطته له، يجب الاعتراف بقانون يذعن له الصوت الشعبي (الأغلبية والأقلية).
ما هو إذن هذا القانون ، إن لم يكن قانون الإنصاف الكامل – قانون الحرية المتساوية؟ هذه القيود ، التي يرغب الجميع في وضعها بإرادة الأغلبية ، هي بالضبط القيود التي منعها هذا القانون. نحن ننكر حق الأغلبية في القتل أو الاستعباد أو السرقة ، لمجرد أن القتل والاستعباد والسرقة هي انتهاكات لهذا القانون – انتهاكات صارخة للغاية لا يمكن التغاضي عنها. ولكن إذا كانت الانتهاكات الكبيرة لهذا القانون غير عادلة ، فإن الانتهاكات الأصغر تكون كذلك.
إذا لم تستطع إرادة الكثيرين إلغاء المبدأ الأول للأخلاق في هذه الحالات ، فلن يمكنها فعل ذلك في أي حالة أخرى. لذلك ، مهما كانت الأقلية غير ذات أهمية ، ومهما كان صغر التعدي على حقوقها التي يُقترح تحقيقها ، فلا يجوز السماح بمثل هذا الانتهاك.»(نهاية الاقتباس)
العدالة الدولية
الديمقراطية الإسرائيلية لن تحمل بجدارة إسمها الا إذا اذعنت لهذا المنطق ومحت من كيانها كل أشكال الظلم والتمييز. واعترفت بحق كل إنسان وكل لاجئ فلسطيني العودة إلى وطنه، واسترداد ما يملك، والتعويض الكامل عما حدث، وتقديم كل من أجرم للعدالة الدولية والحق في تقرير المصير، غير ذلك تبقى ديمقراطية عرجاء، لا تتطابق مع قواعد توكفيل، ولن تحمي المحتلين ولا الشعب الفلسطيني.
كاتب فلسطيني
*هذا الكيان الصهيوني المجرم ربما يطبق
شبه ديموقراطية على مواطنيه.. لكنه فاجر
وقاتل سكان الأرض الحقيقيين.