‘في السابق يُعتقد أن لقيادة ايران الدينية مشكلة دعائية وهي كيف يفسرون للشعب الفارسي الفخور الاستسلام للعقوبات والتنازل حتى الجزئي عن حلم القنبلة الذرية المنقوش عميقا في قلب كل ايراني. أجل إن لهم مشكلة مع الرأي العام المحلي، لكنها عكسية وهي كيف يُعللون للشعب الايراني الواعي تورط بلدهم في المشروع الذري الهاذي الذي جعلت كلفته الباهظة جيلا من المواطنين بائسا ودهورت اقتصاد ايران الى وضع إفلاس شديد. كان الانتاج المحلي للفرد في ايران قُبيل الثورة الاسلامية أكبر من الانتاج للفرد في تركيا بثلث. والانتاج للفرد في تركيا اليوم ضعف الانتاج في ايران تقريبا. فقد لحقت تركيا بايران وتجاوزتها بالتطور الاقتصادي برغم سلسلة ازمات وبرغم أن ايران تملك النفط. إن الدولتين فيهما نفس عدد السكان وهو نحو من 80 مليون نسمة ونفس القوة العاملة وهي نحو من 27 مليونا، لكن تركيا ستنتج في هذه السنة انتاجا وطنيا يبلغ 900 مليار دولار في حين لن تكاد ايران تبلغ انتاج 480 مليار دولار. والتصدير التركي دون نفط وغاز 160 مليار دولار كل سنة. أما التصدير الايراني فـ 12 مليار دولار فقط. وليس للسوق الفارسية ما تبيعه في السوق الدولية، فالاقتصاد الايراني يعيش في وقت مستعار ويتنفس بصعوبة. وحينما تشتري تركيا نفطا من ايران يُطلب إليها أن تدفع ذهبا لأن المصارف الايرانية مقطوعة عن المصارف العالمية. إن الفرض السائد في الغرب الذي يرى أن مواطني ايران قد تبنوا واستدخلوا جنون قادتهم، ليس صحيحا. فليس الايرانيون حمقى ولا مقطوعين عن الواقع. وهم يعلمون أن دولتهم الموفورة النفط ليست محتاجة الى طاقة ذرية ولا يجب عليها أن تنفق دولارا واحدا على تطويرها. وهم يعلمون أن طموح النظام الذري يضعف بلدهم من جميع الجهات، سنة بعد اخرى وفي السنوات الاخيرة بخاصة. وهم يعلمون أنهم يضطرون بسبب الحلم الذري الذي لا بقاء له الى تضييق الحزام وخفض مستوى العيش والعيش في فقر نسبي والتسليم بنسبة 50 بالمئة من التضخم المالي و50 بالمئة من البطالة بين الشباب. ‘وكل هذا العبء كما قلنا آنفا لهدف عبثي. فلن يكون لايران سلاح ذري، وحتى لو وجد فبماذا سيُسهم لرفاه الشعب؟ إنه سيزيد فقط في عمق الجروح. فلولا البحث عن الذرة (وسيطرة الجمعيات الدينية وحرس الثورة على نصف الاقتصاد) لكانت ايران اليوم قوة اقتصادية متقدمة ولأصبحت قوة اقتصادية عالمية يجب أن يُحسب لها حساب، لا دعامة ضعيفة. قبل استعمال العقوبات الاخيرة كانت ايران تبيع في كل سنة نفطا بـ 85 105 مليارات دولار. فالى أين ذهب المال وماذا بقي منه؟ لقد أنفق مباشرة وغير مباشرة على المشروع الذري. وأنفق نظام آيات الله في العقد الماضي نحوا من 8 بالمئة من الانتاج المحلي على الذرة المدنية والعسكرية. واقتطعت العقوبات التي فرضت على ايران نحوا من 3 بالمئة في المعدل كل سنة من الانتاج. وتبلغ الكلفة العامة للمغامرة الذرية في الحاصل 500 600 مليار دولار بحسب اسعار 2013. دُفنت كل الايرادات من تصدير النفط والغاز تقريبا في المشروع الذري وهو ما يُفسر الاحتياطي الضئيل من العملات الاجنبية: ويُقدر البروفيسور موريال روبيني، الاقتصادي المشهور من أصل ايراني، احتياطي طهران بـ 66 مليار دولار فقط. إن المال الذي تم انفاقه على ملاجيء محصنة تحت الارض واجهزة طرد مركزي وصواريخ بعيدة المدى وعلى شراء وبناء مفاعلات ذرية لا حاجة إليها لم يُنفق على الآلات والمعدات والتكنولوجيا. فقد دمر المشروع الذري البنية التحتية الانتاجية الايرانية وأضر ضررا شديدا بمصالح ايران القومية. هل يكون رئيس ايران الجديد معنيا آخر الامر بوقف مسيرة الحماقة الذرية لأسلافه ويبحث عن ذريعة لذلك؟ إن سير المحادثات في جنيف يشير الى جواب بـ نعم عن هذا السؤال الافتراضي. وسيقدم متخذو القرارات في طهران الذين أنفقوا مئات مليارات الدولارات لاحراز شيء لا تحتاج اليه ايران ألبتة، سيقدمون كشف حساب عن اعمالهم. ويبدو أن الرئيس روحاني لا يريد أن يكون واحدا منهم. ‘ يديعوت 24/11/2013