رحيل قوات الانتداب الفرنسية عن سوريا، في 17 نيسان (أبريل) 1946، هو التاريخ الرسمي لعيد الاستقلال، أو عيد الجلاء كما نسمّيه نحن السوريين. بعد شهرين فقط، في حزيران (يونيو) صدر في مدينة اللاذقية العدد الأوّل من شهرية «القيثارة» التي تهتم بالشعر بوصفه «أرحب حقل» في الفنون، و«التراث الأوّل ويكاد يكون الوحيد في تاريخ أمتنا الفني»؛ كما قالت «لجنة تحرير» المجلة في الافتتاحية. كان رئيس التحرير هو الشاعر كمال فوزي الشرابي «1923 ـ 2009»، الذي سوف يصدر ثلاث مجموعات هي «قُبل لا تنتهي»، «الحرية والبنادق»، و«قصائد الحب والورد». وفي آب (أغسطس) 1947، وبعد 12 عدداً، توقفت المجلة عن الصدور، بسبب «انتقال رئيس التحرير من وظيفته إلى دمشق، وبسبب عدم وفاء المشتركين تسديد اشتراكاتهم»، كما ذكر الشرابي.
وذلك العدد الأوّل نشر قصائد من أحمد الصافي النجفي، نديم محمد، حامد حسن، محمد مجذوب، عزيزة هارون، محمود حبيب، بديع حقي، أديب مظهر، ابراهيم منصور، حبيب خير بك، كريم سيف الدين، محمد عباس، كمال فوزي، يوسف سمارة، جبران خليل جبران، عبد العزيز أرناؤوط، فاضل كنج، جوهر نعمان، مالك طوق، ميشيل طراد، رشيد نخلة، وأحمد حبيب منصور؛ فضلاً عن ترجمات من ستيفان مالارميه ورونسار، ومقالات عن شعر المنتجب العاني وثانية عن الموسيقى، وثالثة عن الرواية المسرحية. اللافت، بادئ ذي بدء، أنّ قصيدة شرابي نفسه، «ميسلون»، كانت الوحيدة التي حملت صفة الشعر الوطني أو القصيدة السياسية، في مرحلة كانت تشهد خواتيم الثورة السورية وفجر الاستقلال الرسمي والجلاء؛ وأنها، ثانياً، اتخذت شكل قصيدة التفعيلة في تلك الحقبة المبكرة حقاً: «أيا ميلسون ألا زوبعة/ تطهر أرض بلادي/ من الأنفس الطيّعة/ لذلّ الأعادي/ وتصعد حتى السماء/ على أجنح الأقوياء/ فإمّا حياة فخور وإمّا فناء».
وليس كثيراً على القيثارة أن يُحتفى بتجربتها، في مناسبة ذكرى الجلاء تحديداً، على خلفيات شتى؛ ثقافية في البدء لأنها كانت، بالفعل، وريثة مجلة «أبولو» المصرية التي أطلقها أحمد زكي أبو شادي في عام 1932 واستمرت سنتين فقط.
الأعداد اللاحقة سوف تنشــــر قصائد لأمثال سعيد عقل، نزار قباني، بشارة الخوري، عزيز أباظة، أنور الجندي، عمر أبو ريشة، صلاح لبكي، بدوي الجبل، فاتح المدرس (قصيدة نثر بعنوان «الوجــه الشـــمعي»)، إبراهيم ناجي، فوزي المعلوف، يوسف الخال (قصيدة عمودية بعنوان «دوسي على قلبي»!)، علي محمود طه، الياس قنصل، إيليا أبو ماضي؛ وترجمات من فيكتــور هوغو وشارل بودلير وشيللي وعمر الخـــيام ورومـان رولان؛ ودراسات عن المكزون السنجاري والمنتجب العاني، وأخــرى من محمد مندور وسـيد قطــب… كذلك ســوف تنشـر المجلــة قصيدة لفــتى في الرابعــة عشــرة من عمـــره، من قرية قصابين ــ جـــبلة، اسمه علي أحمد سعــيد (أدونيس، كمــا سيصبح اسمه في سنوات لاحقة)، عنوانها «خريــف زنبقــــة»، عموديـــة، من عشرة أبــيات؛ يقول في مطلعها: «إليك… وهل تمحو ‘إليك’ مسالكا/ من البيد أغفى في مساربها الفكر؟/ ذبلت، ولم يغدق على أفقك الضحى/ سناه، ولم يخفق على نهدك العطر/ يضج حداد الليل، والليل هادئ/ ويعبس وجه الفجر، والفجر يفتر».
وفي عدد نيسان (أبريل) 1947 ستخصص المجلة ملفاً للشعر السيريالي السوري، نشر فيه أورخان ميسر وعلي الناصر، رائدا هذا التيار في الشعر السوري خلال النصف الأول من القرن العشرين. وقد جاء في التقديم للشاعرين أنهما يبشران «بمدرسة جديدة من مدارس الرمزية، لم يتعرف الأدب العربي إليها بعد، هي (السيريالية) أو مدرسة ما وراء الواقع. وقد ألقى الأستاذ أورخان ميسر في الشهر الماضي محاضرة عن هذه المدرسة في حلب، ظفر خلالها بإعجاب المستمعين وتقديرهم، وكان بينهم أديب أمريكي طلب من الأستاذ ميسر السماح له بنشرها في مجلة أدبية تصدر في العالم الجديد. والمعلوم أنّ فناني هذه المدرسة وأتباعها ينهلون من نبعة (اللاوعي) أو العقل الباطن في التعبير عن أحاسيسهم الخفية الدقيقة وأفكارهم الغامضة العميقة، ويسبغون على آثارهم خيالات رمزية بالألوان، وأجواء غنية بالتهاويل والظلال والألحان…».
وليس كثيراً على القيثارة أن يُحتفى بتجربتها، في مناسبة ذكرى الجلاء تحديداً، على خلفيات شتى؛ ثقافية في البدء لأنها كانت، بالفعل، وريثة مجلة «أبولو» المصرية التي أطلقها أحمد زكي أبو شادي في عام 1932 واستمرت سنتين فقط؛ وبهذا فإنّ «القيثارة» تلقفت راية تجديد شعري تمكّن من التعايش مع مدارس كلاسيكية، سواء من حيث الشكل أم المضمون. الخلفية السياسية كانت تعكس أنساق وعي الطبقة المتوسطة في مختلف شرائحها، تجاه العلاقة بين الوطنيّ والكونيّ، والسياسيّ والإبداعي؛ خاصة خلال عقود كفاح متعددة المهامّ، امتزج فيها التوق إلى الاستقلال بالتعطش إلى الحداثة. وأمّا الجانب السوسيولوجي، فليس بعيداً عن علم الاجتماع ما شددت عليه لجنة تحرير «القيثارة» في العدد الأوّل، من حاجة إلى «حبّ المرح» بوصفه «نتيجة ملازمة لتذوّق الفنّ»، وبلوغ «هيكل المرح الإنساني الكامل» الذي يتيح الانعتاق من «تبذلات الواقع»، والترفع عن «الانغماس في المادة»، وارتقاء «سلّم المطالب السامية التي تنشدها كلّ نفس بشرية»…
نبرة مثالية؟ ربما، بل هي غير بعيدة عن «مزاج» الطبقة الوسطى في تلك الحقبة؛ لكنها لا تؤكد، ولا تنفي بالضرورة، أنّ الجماهير التي هتفت بحياة الجلاء عن المستعمر الفرنسي كانت، أيضاً، تقرأ مالارميه في «القيثارة»، أو تُعرض عنه.
الجلاء الاستقلال الحرية الديموقراطية ونحن نملك حريتنا وحرية اوطاننا بضاعة قديمة مقززة باعها السارق من المستعمر وذيله بيننا باعونا واشتريناها قرن من الزمن لنكتشف اننا نحكم بفرعون اي قبل 5 او 7 الاف عام وسقطنا الى مكان لا يمكن السقوط منه فكفى بيعنا نفس البضاعة فقد قرفناها وقرفنا من يكررها ويتشدق بها الايكفينا اصبحنا عيرة لكوريا والهند ودول افريقيا وامريكا اللاتينة تقدموا وبقينا بعصر العبودية لفرعون والسلام على من اتبع الهدى0
هذه القيثارة عندما كانت سورية منبعا للفكر والثقافة أما اليوم فقيثارة سورية هي الجزن والدم والدمار
شكرا عزيزي صبحي
ملاحظة : أدونيس أو علي احمد سعيد كان أميا في سن الرابعة عشرة والرئيس شكري القوتلي هو من أدخله المدرسة بعد أن قال فيه قصيدة مطلعها رئيس لو حذفت لام وياء من اسمه لبات قوة لا يستطاع لها رد
/رحيل قوات الانتداب الفرنسية عن سوريا، في 17 نيسان 1946، هو التاريخ الرسمي لعيد الاستقلال، أو عيد الجلاء كما نسمّيه نحن السوريين/..
قبل كل شيء.. لم يكن هذا التاريخ الرسمي تأشيرة زمنية محددة لانتهاء الاحتلال الغربي /الحديث/ بأي شكل من الأشكال على الإطلاق.. ولكن كان وللأسف الشديد تأشيرة زمنية غير محددة لاستمرار هذا الاحتلال الغربي بشكله /الأكثر حداثة/ على طريقة التحكم من بعد Remote Control وخاصة بعد أن صنع له من أقلية الطائفة العلوية أذنابا /وفية/ تقوم بالحفاظ على هذا التحكم من بعد على أكمل وجه في المستوى السياسي /تماما كما فعلت أذنابه من آل الأسد/.. وحتى كل ما جاء من ذكر /إبداعي/ في مقال السيد صبحي حديدي نتيجة لذلك كله في المستوى الأدبي أو /الشعري/.. وخاصة فيما يتعلق بالاتجاه الرمزي والسوريالي لبعض قصائد شهرية /القيثارة/ وما تلاها من قصائد أخرى.. فقد كان مجرد تقليد أعمى أو حتى تقليد /مبصر/ لبعض من الاتجاهات الرمزية والسوريالية في أدب هذا المحتل الغربي على وجه التحديد.. !!