لندن – “القدس العربي”:
نشر موقع “ذي هيل” مقالا عن تمرد زعيم مرتزقة فاغنر في روسيا، يوم السبت حيث قال فيه كل من مارك توث، رجل الأعمال والاقتصادي وجوناثان سويت، العقيد المتقاعد من الجيش الأمريكي إن الزحف الغريب ليفغيني بريغوجين نحو موسكو ثم العودة أكد شيئا واحدا أن معركة باخموت في أيار/مايو التي سيطرت عليها مرتزقة بريغوجين كانت “انقسامية” وليست “حاسمة” كما تكهنا في حينه. وقالا إن هوس وغرور فلاديمير بوتين للسيطرة على بلدة مناجم صغيرة جعله يخاطر بخلق شق بين جيشه النظامي وقوات مرتزقة على الأرض. وثبتت صحة التوقعات عبر سلسلة من الأحداث المدهشة وإن كانت على قاعدة أوسع.
وكانت بدايتها غير مهمة بدرجة كافية، فبريغوجين معروف بتصريحاته الغاضبة وحرب الكلمات ضد وزير الدفاع سيرغي شويغو، المتهم بأنه قام بقصف وقتل مرتزقة شركة فاغنر الذين كانوا يرابطون في المواقع الخلفية باعتبارهم قوات احتياط للحرب في أوكرانيا. وكان هذا آخر اتهام لشويغو من بريغوجين. إلا أن وزير الدفاع رد على الاتهامات، حيث نقلت وكالة أنباء تاس عن متحدث باسم وزارة الدفاع قوله إن “المعلومات المنتشرة على منصات التواصل بشأن قصف القوات الروسية للمعسكرات الخلفية لفاغنر غير صحيحة”. ولم يكن هذا نهاية الحرب الكلامية كما توقع المراقبون. وأعلنت تاس فجأة عن فتح المخابرات الفدرالية تحقيقا جنائيا متهمة بريغوجين بنشر تصريحات تصل إلى الدعوة للتمرد العسكري، ولم يعد الأمر مجرد تصريحات بين شويغو وبريغوجين. وظل الخلاف محصورا بينهما ولم يتدخل بوتين بعد.
وكان رد الكرملين على تحقيق المخابرات الفدرالية، هو تصريح من المتحدث باسم بوتين، ديمتري بيسكوف “بوتين على اطّلاع على الوضع”.
وكان بريغوجين يتحرك بناء على افتراض أنه يخوض ثورة مفتوحة ضد شويغو وقائد القوات الروسية في أوكرانيا الجنرال فالري جيراسيموف، وبناء على هذا أمر قواته بالدخول إلى مدينة روستوف أون دون واحتل مقر القيادة العسكرية وسيطر على مدينة الإمدادات العسكرية للحرب في أوكرانيا.
وتجنب الرجل الذي كان يعرف بطباخ بوتين أي نقد واضح ومباشر لبوتين وركز غضبه على شويغو وجيراسيموف. ودعا لاستسلامهما وحضورهما إلى روستوف أون دون. وعليه يمكن اعتبار بريغوجين بأنه قاد عملية عصيان وليس تمردا. إلا أن خطاب بوتين المسجل غير كل هذا وحول العصيان إلى حرب أهلية. واتهم الرئيس الروسي بريغوجين بالخيانة ووصف عمله بأنه طعنة بالظهر للبلد والشعب. ثم صعد بوتين من تهمة الخيانة وتعهد بمحاسبة الخونة لروسيا.
ورد بريغوجين هذه المرة عبر قناته على منصة تيلغرام حيث أضاف بوتين إلى مرمى أهدافه إلى جانب شويغو وجيراسيموف. وقال بريغوجين إن “الرئيس أخطأ في الاختيار وهذا أمر سيئ وسيكون لنا رئيسا في القريب”. ثم تحولت قوات بريغوجين لمسيرة العدالة، حيث بدأت العربات بالسير نحو موسكو وقطع المسافة إلى هناك، 675 ميلا، ووصلت مدينة فورينج التي تبعد عن موسكو 325 ميلا.
وسادت حالة الفزع في موسكو حيث تم وضع حواجز على الطرقات وحول العاصمة ونشر الحرس الجمهوري. وانتشرت عدة تقارير لم يتم التأكد منها على تيلغرام من أن موسكو فعلت من “خطة كربوست” والتي تسمح لقوات فرض النظام السيطرة على مقرات الحكومة بما فيها مقرات المخابرات الفدرالية.
وانتشرت تقارير عن فرار بوتين، وحضرت القوات في العاصمة المنيعة حالة الحرب للدخول في حرب أهلية مع قوات بريغوجين. ولم تقابل قواته في الطريق إلى موسكو أي مقاومة منظمة. وتغلبت هذه القوات على الحواجز من السيارات والحافلات. وكان الطريق لموسكو مفتوحا أو هكذا بدا حتى قرر بريغوجين بعد مكالمة مع الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو عكس مسار الرحلة وأمر قواته بالعودة إلى رستوف أون دون.
وزعم بريغوجين أن القرار جاء حقنا للدماء، ثم أمر قواته بالخروج من روستوف إلى جهة غير معلومة. وربما لم يكن لديه خطة حقيقية للسيطرة على موسكو وأن 25.000 مقاتل الذين نشرهم من روستوف على الطريق إلى موسكو ليست كافية، أو أنه حصل على التنازلات التي يريدها من بوتين. ولكن بأي ثمن؟ فلن يغفر بوتين لبريغوجين، ولو تم التوصل إلى صفقة، فسيأتي وقت يجد فيه زعيم فاغنر نفسه ساقطا من نافذة أو شرب فنجان شاي خطأ. وربما نجا بريغوجين واستطاع الانتقال إلى واحدة من قواعد شركته في أفريقيا، حيث يتدفق معظم المال من نشاطات السرقة والذهب في السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى إلا أن هناك حقيقة واحدة واضحة الآن هي أننا لم نر نهاية بريغوجين مع بوتين الذي يريده ميتا أو خلف الجدران.