«1»
في رحلة عودته من المدينة، التي يستقر بها منذ ما يقرب من عشرين عامًا، إلى قريته، التي تستغرق ما يزيد عن خمس ساعات، راح يسترجع شريط ذكرياتهما معًا. ذهابه إليها في بيتها، جلوسه معها أمام البيت، حكاياتها له عن الماضي الجميل، رغم قلة كل ما كان فيه، وعن الأقارب وعن.. وعن. كذلك تذكّر دعواتها له بالتوفيق وسعة الرزق وراحة البال، ووقوفها بجواره حين كان يتشاجر معه والده، وأشياء أخرى كثيرة، مرت على شاشة ذاكرته كانت تربطهما معًا. حال نزوله من السيارة التي أوصلته، متجهًا إلى باب بيتها، بادئًا بها قبل الجميع، ليصافحها ويخبرها بعودته، طامحًا إلى تقبيلها يده بقبلة تبث فيه الروح مرة أخرى، تذكّر ويده تمتد لتطرق الباب، إنها فارقت بيتها إلى غير رجعة من سنين.
«2»
الرجل الذي كان يُعذب ابنه الصغير كل يوم، ضاربًا إياه ضربًا مبرحًا، حين حاول الابن الفرار من المنزل، ولم تخبره زوجة ابنه الآخر بمحاولته الهرب في حينها، راح يصرخ فيها قائلًا: «ربنا يحرق قلبك على ضناكي»!
«3»
حين يُسْمعها كلمات حب عذبة ترد عليها قائلة: «بحبك وبعشقك وبموت وبدوب فيك». لكنها حين تفعل ما يغضبه فيفكر في الابتعاد عنها، مؤقتًا أو إلى الأبد، لا تُشبّهه إلا بأسوأ مَن عرفتهم طوال حياتها.
«4»
كلما نشب خلاف بينهما، بسبب شيء ظن أنها أخفته عنه، أقسمت له أنها لا تُخفي عنه أي شيء، لكنه، في وقت آخر، وحين يُعاتبها على شيء لم تخبره به في وقته، تقول له إنها لا تحكي له عن كل ما يحدث، وإن هناك أشياء تحدث لا تحكيها له لعاديتها وكثرتها. هنا يضع علامة تعجب كبيرة بامتداد المسافة التي تفصل ما بين حاجبيه وأسفل شفتيه!
«5»
لحظة أنْ قبَّلها حاضنًا إيّاها بشدة، مُعلنًا عن حبه لها، عادت بذاكرتها إلى سنوات طويلة مضت، قضتها حالمة فقط أنْ ينظر إليها.
«6»
كلما حدث شيء سبّب اندلاع شجار بينهما، سألته غاضبة: ما الذي أجبرك على أن تظل معي حتى هذه اللحظة؟ هي التي في هذه اللحظة تنسى أنها متمسكة به أكثر من تمسّكه بها.
«7»
بعد أن اقتربت منه واقترب منها، وانصهرت كل الحواجز بينهما، راحت تتحسر على عمر طويل مرّ عليها، كانت فيه تخشى مجرد إخبارها إياه بحبها له.
«8»
رآهما يسيران معًا في الشارع قرب سلّم المترو، حاول أن يبتزه، مهددًا إياه أن يخبر زوجته بما رأت عيناه. لكنه اكتفى بقوله له: إهدأْ.. هي أول العارفين.
«9»
في عز خلافهما وخصامهما الشديد الذي يُنذر بفراق أبدي، ما إن يشتمها شتيمة يعرف هو كم تحب هي أن تسمعها منه، إلا ويقولان بعدها وفي نفَس واحد: «بحبك».
«10»
لأنها تعرف أنها لا تُشبه الأخريات، كان لديها يقين بأنه مهما فعل سيعود إليها، هي وحدها، مرة أخرى، بل كانت ترى في منامها ما سوف يحدث له. أخبرته بأن بعضهن سيتسببن له في مشكلات ضخمة، وسيتركنه وحيدًا، وأن بعضهن يخدعنه ويكذبن عليه وعلى غيره في الوقت نفسه. هي التي أخبرته منذ البداية بسيناريو قصته مع إحداهن، لكنه لم يصدق حينها، بل اعتبر ما قالته أضغاث أحلام. غير أنه في النهاية آمن بصدقها، وأقسم لها أن رؤياها كانت رؤيا نبيّ.
«11»
منذ دقائق خمس، كانت قد طلبت منه أن ينسى أنه عرفها ذات يوم. الآن تتوسل إليه، وهي تُقبّل يديه، ألا ينفّذ كل ما تطلبه منه.
«12»
كثيرًا ما كانت تقول له إنها ستحرق دم كل من يريدون أن يفسدوا علاقتهما معًا. لكنها، وفي المرة الأخيرة التي سبقت انفصالهما إلى الأبد، كانت قد حرقت دمه هو بانحيازها إليهم.
«13»
كلما حاولت الاتصال به، بعد أن حذف اسمها من ذاكرة الهاتف، يخبره الهاتف باسمها مسبوقًا بـ: «قد تكون….».
«14»
بعد أن قررا الانفصال اللا رجعة فيه أبدًا، لا تزال تحاول الاطمئنان عليه. منذ قليل جاءته رسالة منها قرأها قائلًا: «وبعدين معاها بنت الذين دي؟!»
«15»
قبل أن تمتلك جرأة إخباره بحبها له، اُضْطرت إلى أن تذهب إلى طبيب نفسي، فشل في علاجها منه فشلًا ذريعًا. وبعد أن اكتشف حبها له، لكنها اضطرته إلى تركها، اضطرت هي أيضًا إلى العودة إلى طبيبها النفسي مرة أخرى. حينها بادرها مذهولًا: «مش ممكن تكوني بني آدمة زيّنا!».
«16»
حين قرأ رسالتها التي تقول له فيها «يا رب تكون بكل خير»، قال لها في نفسه: كنت بخير حتى دخلتِ حياتي.
«17»
وهما يجلسان في البار معًا، راح يُقسم له، مشيرًا إلى زجاجة الويسكي قائلًا: «ونعمة ربنا دي»، أنه لا يكذب عليه.
«18»
بعد أن ضاجعها زوجها، هرولت، باكية بحرقة، تهاتف عشيقها قائلة له: إنها تحس وكأنها خانته مع زوجها!
٭ شاعر ومترجم مصري